الباحث القرآني

﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ أيْ فَلَمّا وجَدَ وبَلَغَ أنْ يَسْعى مَعَهُ في أعْمالِهِ، و ( مَعَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ( السَّعْيُ ) لا بِهِ لِأنَّ صِلَةَ المَصْدَرِ لا تَتَقَدَّمُهُ ولا بِـ ( بَلَغَ ) فَإنَّ بُلُوغَهُما لَمْ يَكُنْ مَعًا كَأنَّهُ لَمّا قالَ: ( فَلَمّا بَلَغَ السَّعْيَ ) فَقِيلَ مَعَ مَن فَقِيلَ ( مَعَهُ )، وتَخْصِيصُهُ لِأنَّ الأبَ أكْمَلَ في الرِّفْقِ والِاسْتِصْلاحِ لَهُ فَلا يَسْتَسْعِيهِ قَبْلَ أوانِهِ، أوْ لِأنَّهُ اسْتَوْهَبَهُ لِذَلِكَ وكانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَ عَشَرَةَ سَنَةً. ﴿قالَ يا بُنَيَّ﴾ وقَرَأ حَفْصٌ بِفَتْحِ الياءِ. ﴿إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ﴾ يَحْتَمِلُ أنَّهُ رَأى ذَلِكَ وأنَّهُ رَأى ما هو تَعْبِيرُهُ، وقِيلَ: إنَّهُ رَأى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أنَّ قائِلًا يَقُولُ لَهُ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ بِذَبْحِ ابْنِكَ، فَلَمّا أصْبَحَ رَوى أنَّهُ مِنَ اللَّهِ أوْ مِنَ الشَّيْطانِ، فَلَمّا أمْسى رَأى مِثْلَ ذَلِكَ فَعَرَفَ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ رَأى مِثْلَهُ في اللَّيْلَةِ الثّالِثَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِهِ وقالَ لَهُ ذَلِكَ، ولِهَذا سُمِّيَتِ الأيّامُ الثَّلاثَةُ بِالتَّرْوِيَةِ وعَرَفَةَ والنَّحْرِ، والأظْهَرُ أنَّ المُخاطَبَ إسْماعِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّهُ الَّذِي وهَبَ لَهُ أثَرَ الهِجْرَةِ ولِأنَّ البِشارَةَ بِإسْحاقَ بَعْدُ مَعْطُوفَةٌ عَلى البِشارَةِ بِهَذا الغُلامِ، ولِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أنا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ» . فَأحَدُهُما جَدُّهُ إسْماعِيلُ والآخَرُ أبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَإنَّ جَدَّهُ عَبْدَ المُطَّلِبِ نَذَرَ أنْ يَذْبَحَ ولَدًا إنْ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ حَفْرَ زَمْزَمَ أوْ بَلَغَ بَنُوهُ عَشَرَةً، فَلَمّا سَهَّلَ أقْرَعَ فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلى عَبْدِ اللَّهِ فَفَداهُ بِمِائَةٍ مِنَ الإبِلِ، ولِذَلِكَ سُنَّتِ الدِّيَةُ مِائَةً ولِأنَّ ذَلِكَ كانَ بِمَكَّةَ وكانَ قَرْنا الكَبْشِ مُعَلَّقَيْنِ بِالكَعْبَةِ حَتّى احْتَرَقا مَعَها في أيّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ولَمْ يَكُنْ إسْحاقُ ثَمَّةَ، ولِأنَّ البِشارَةَ بِإسْحاقَ كانَتْ مَقْرُونَةً بِوِلادَةِ يَعْقُوبَ مِنهُ فَلا يُناسِبُها الأمْرُ بِذَبْحِهِ مُراهِقًا، وما رُوِيَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئِلَ أيُّ النَّسَبِ أشْرَفُ فَقالَ: يُوسُفُ صِدِّيقُ اللَّهِ ابْنُ يَعْقُوبَ إسْرائِيلِ اللَّهِ بْنِ إسْحاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ فالصَّحِيحُ أنَّهُ قالَ: «يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ» والزَّوائِدُ» مِنَ الرّاوِي. وَما رُوِيَ أنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ إلى يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وأبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الياءِ فِيهِما. ﴿فانْظُرْ ماذا تَرى﴾ مِنَ الرَّأْيِ، وإنَّما شاوَرَهُ فِيهِ وهو حَتْمٌ لِيَعْلَمَ ما عِنْدَهُ فِيما نَزَلَ مِن بَلاءِ اللَّهِ فَيُثَبِّتُ قَدَمَهُ إنْ جَزِعَ، ويَأْمَنُ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ ولِيُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ فَيُهَوِّنَ ويَكْتَسِبَ المَثُوبَةَ بِالِانْقِيادِ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( ماذا تُرِي ) بِضَمِّ التّاءِ وكَسْرِ الرّاءِ خالِصَةً، والباقُونَ بِفَتْحِهِما وأبُو عَمْرٍو يُمِيلُ فَتْحَةَ الرّاءِ ووَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ والباقُونَ بِإخْلاصِ فَتْحِها. ﴿قالَ يا أبَتِ﴾ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِفَتْحِ التّاءِ. ﴿افْعَلْ ما تُؤْمَرُ﴾ أيْ ما تُؤْمَرُ بِهِ فَحُذِفا دُفْعَةً، أوْ عَلى التَّرْتِيبِ كَما عَرَفْتَ أوْ أمْرُكَ عَلى إرادَةِ المَأْمُورِ بِهِ والإضافَةُ إلى المَأْمُورِ، أوْ لَعَلَّهُ فَهِمَ مِن كَلامِهِ أنَّهُ رَأى أنَّهُ يَذْبَحُهُ مَأْمُورًا بِهِ، أوْ عَلِمَ أنَّ رُؤْيا الأنْبِياءِ حَقٌّ وأنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ إلّا بِأمْرٍ، ولَعَلَّ الأمْرَ بِهِ في المَنامِ دُونَ اليَقَظَةِ لِتَكُونَ مُبادَرَتُهُما إلى الِامْتِثالِ أدَلُّ عَلى كَمالِ الِانْقِيادِ والإخْلاصِ، وإنَّما ذُكِرَ بِلَفْظِ المُضارِعِ لِتَكَرُّرِ الرُّؤْيا. ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّابِرِينَ﴾ عَلى الذَّبْحِ أوْ عَلى قَضاءِ اللَّهِ، وقَرَأ نافِعٌ بِفَتْحِ الياءِ. ﴿فَلَمّا أسْلَما﴾ اسْتَسْلَما لِأمْرِ اللَّهِ أوْ سَلَّما الذَّبِيحُ نَفْسَهُ وإبْراهِيمُ ابْنَهُ، وقَدْ قُرِئَ بِهِما وأصْلُها سَلِمَ هَذا لِفُلانٍ إذا خَلَصَ لَهُ فَإنَّهُ سَلِمَ مِن أنْ يُنازِعَ فِيهِ. ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ صَرَعَهُ عَلى شِقِّهِ فَوَقَعَ جَبِينُهُ عَلى الأرْضِ وهو أحَدُ جانِبَيِ الجَبْهَةِ. وقِيلَ: كَبَّهُ عَلى وجْهِهِ بِإشارَتِهِ لِئَلّا يَرى فِيهِ تَغَيُّرًا يَرِقُّ لَهُ فَلا يَذْبَحُهُ، وكانَ ذَلِكَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ بِمِنًى أوْ في المَوْضِعِ المُشْرِفِ عَلى مَسْجِدِهِ، أوِ المَنحَرِ الَّذِي يُنْحَرُ فِيهِ اليَوْمَ.(p-16)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب