الباحث القرآني

﴿إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ فَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنْسانُ﴾ تَقْرِيرٌ لِلْوَعْدِ السّابِقِ بِتَعْظِيمِ الطّاعَةِ، وسَمّاها أمانَةً مِن حَيْثُ إنَّها واجِبَةُ الأداءِ، والمَعْنى أنَّها لِعَظَمَةِ شَأْنِها بِحَيْثُ لَوْ عُرِضَتْ عَلى هَذِهِ الأجْرامِ العِظامِ وكانَتْ ذاتَ شُعُورٍ وإدْراكٍ لَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها، ﴿وَأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنْسانُ﴾ مَعَ ضَعْفِ بِنْيَتِهِ ورَخاوَةِ قُوَّتِهِ لا جَرَمَ فازَ الرّاعِي لَها والقائِمُ بِحُقُوقِها بِخَيْرِ الدّارَيْنِ. ﴿إنَّهُ كانَ ظَلُومًا﴾ حَيْثُ لَمْ يَفِ بِها ولَمْ يُراعِ حَقَّها. ﴿جَهُولا﴾ بِكُنْهِ عاقِبَتِها، وهَذا وصْفٌ لِلْجِنْسِ بِاعْتِبارِ الأغْلَبِ. وقِيلَ المُرادُ بِـ ( الأمانَةَ ) الطّاعَةُ الَّتِي تَعُمُّ الطَّبِيعِيَّةَ والِاخْتِيارِيَّةَ، وبِعَرْضِها اسْتِدْعاؤُها الَّذِي يَعُمُّ طَلَبَ الفِعْلِ مِنَ المُخْتارِ وإرادَةَ صُدُورِهِ مِن غَيْرِهِ، وبِحَمْلِها الخِيانَةُ فِيها والِامْتِناعُ عَنْ أدائِها ومِنهُ قَوْلُهم حامِلُ الأمانَةِ ومُحْتَمِلُها لِمَن لا يُؤَدِّيها فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، فَيَكُونُ الإباءُ عَنْهُ إتْيانًا بِما يُمْكِنُ أنْ يَتَأتّى مِنهُ والظُّلْمُ والجَهالَةُ الخِيانَةَ والتَّقْصِيرَ. وقِيلَ إنَّهُ تَعالى لَمّا خَلَقَ هَذِهِ الأجْرامَ خَلَقَ فِيها فَهْمًا وقالَ لَها: إنِّي فَرَضْتُ فَرِيضَةً وخَلَقْتُ جَنَّةً لِمَن أطاعَنِي فِيها، ونارًا لِمَن عَصانِي، فَقُلْنَ نَحْنُ مُسَخَّراتٌ عَلى ما خَلَقْتَنا لا نَحْتَمِلُ فَرِيضَةً ولا نَبْتَغِي ثَوابًا ولا عِقابًا، ولَمّا خَلَقَ آدَمَ عَرْضَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ، وكانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ بِتَحَمُّلِهِ ما يَشُقُّ عَلَيْها جَهُولًا بِوَخامَةِ عاقِبَتِهِ، ولَعَلَّ المُرادَ بِـ ( الأمانَةَ ) العَقْلُ أوِ التَّكْلِيفُ، وبِعَرْضِها عَلَيْهِنَّ اعْتِبارُها بِالإضافَةِ إلى اسْتِعْدادِهِنَّ، وبِإبائِهِنَّ الإباءَ الطَّبِيعِيَّ الَّذِي هو عَدَمُ اللِّياقَةِ والِاسْتِعْدادِ، وبِحَمْلِ الإنْسانِ قابِلِيَّتُهُ واسْتِعْدادُهُ لَها وكَوْنُهُ ظَلُومًا جَهُولًا لِما غَلَبَ عَلَيْهِ مِنَ القُوَّةِ الغَضَبِيَّةِ والشَّهَوِيَّةِ، وعَلى هَذا يَحْسُنُ أنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ فَإنَّ مِن فَوائِدِ العَقْلِ أنْ يَكُونَ مُهَيْمِنًا عَلى القُوَّتَيْنِ حافِظًا لَهُما عَنِ التَّعَدِّي ومُجاوَزَةِ الحَدِّ، ومُعْظَمُ مَقْصُودِ التَّكْلِيفِ تَعْدِيلُهُما وكَسْرُ سَوْرَتِهِما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب