الباحث القرآني

﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ﴾ أيْ ما جَمَعَ قَلْبَيْنِ في جَوْفٍ لِأنَّ القَلْبَ مَعْدِنُ الرُّوحِ الحَيَوانِيِّ المُتَعَلِّقِ بِالنَّفْسِ الإنْسانِيِّ أوَّلًا ومَنعُ القُوى بِأسْرِها وذَلِكَ يَمْنَعُ التَّعَدُّدَ. ﴿وَما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهاتِكم وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ وما جَمَعَ الزَّوْجِيَّةَ والأُمُومَةَ في امْرَأةٍ ولا الدَّعْوَةَ والبُنُوَّةَ في رَجُلٍ، والمُرادُ بِذَلِكَ رَدُّ ما كانَتِ العَرَبُ تَزْعُمُ مِن أنَّ اللَّبِيبَ الأرِيبَ لَهُ قَلْبانِ ولِذَلِكَ قِيلَ لِأبِي مَعْمَرٍ أوْ جَمِيلِ بْنِ أسَدٍ الفِهْرَيِّ ذُو القَلْبَيْنِ، والزَّوْجَةُ المَظاهَرُ عَنْها كالأُمِّ ودَعِيُّ الرَّجُلِ ابْنَهُ ولِذَلِكَ كانُوا يَقُولُونَ لِزَيْدِ بْنِ حارِثَةَ الكَلْبِيِّ عَتِيقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ابْنُ مُحَمَّدٍ، أوِ المُرادُ نَفْيُ الأُمُومَةِ والبُنُوَّةِ عَنِ المَظاهَرِ عَنْها والمُتَبَنّى ونَفْيُ القَلْبَيْنِ لِتَمْهِيدِ أصْلٍ يَحْمِلانِ عَلَيْهِ. والمَعْنى كَما لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ قَلْبَيْنِ في جَوْفٍ لِأدائِهِ إلى التَّناقُضِ وهو أنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنهُما أصْلًا لِكُلِّ القُوى وغَيْرَ أصْلٍ لَمْ يَجْعَلِ الزَّوْجَةَ والدَّعِيَّ اللَّذَيْنِ لا وِلادَةَ بَيْنَهُما وبَيْنَهُ أُمَّهُ وابْنَهُ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُما وبَيْنَهُ وِلادَةٌ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو «اللّايِ» بِالياءِ وحْدَهُ عَلى أنَّ أصْلَهُ اللّاءِ بِهَمْزَةٍ فَخُفِّفَتْ وعَنِ الحِجازِيِّينَ مِثْلُهُ، وعَنْهُما وعَنْ يَعْقُوبَ بِالهَمْزِ وحْدَهُ، وأصْلُ تُظْهِرُونَ تَتَظَّهَرُونَ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ الثّانِيَةُ في الظّاءِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ تَظّاهَرُونَ بِالإدْغامِ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالحَذْفِ وعاصِمٌ ( تُظاهِرُونَ ) مِن ظاهَرَ، وقُرِئَ «تُظْهِرُونَ» مِن ظَهَرَ بِمَعْنى ظاهَرَ كَعَقَدَ بِمَعْنى عاقِدٍ و «تَظْهَرُونَ» مِنَ الظُّهُورِ. ومَعْنى الظِّهارِ: أنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ: أنْتِ عَلَيَّ (p-225) كَظَهْرِ أُمِّي، مَأْخُوذٌ مِنَ الظَّهْرِ بِاعْتِبارِ اللَّفْظِ كالتَّلْبِيَةِ مِن لَبَّيْكَ وتَعْدِيَتُهُ بِمَن لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى التَّجَنُّبِ لِأنَّهُ كانَ طَلاقًا في الجاهِلِيَّةِ وهو في الإسْلامِ يَقْتَضِي الطَّلاقَ أوِ الحُرْمَةَ إلى أداءِ الكَفّارَةِ كَما عُدِّيَ آلى بِها، وهو بِمَعْنى حَلَفَ وذُكِرَ الظَّهْرُ لِلْكِنايَةِ عَنِ البَطْنِ الَّذِي هو عَمُودُهُ فَإنَّ ذِكْرَهُ يُقارِبُ ذِكْرَ الفَرْجِ، أوْ لِلتَّغْلِيظِ في التَّحْرِيمِ فَإنَّهم كانُوا يُحَرِّمُونَ إتْيانَ المَرْأةِ وظَهْرُها إلى السَّماءِ، وأدْعِياءُ جَمْعُ دَعِيٍّ عَلى الشُّذُوذِ وكَأنَّهُ شُبِّهَ بِفَعِيلٍ بِمَعْنى فاعِلٍ فَجُمِعَ جَمْعُهُ. ﴿ذَلِكُمْ﴾ إشارَةٌ إلى ما ذُكِرَ أوْ إلى الأخِيرِ. ﴿قَوْلُكم بِأفْواهِكُمْ﴾ لا حَقِيقَةَ لَهُ في الأعْيانِ كَقَوْلِ الهاذِي. ﴿واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ﴾ ما لَهُ حَقِيقَةٌ عَيْنِيَّةٌ مُطابِقَةٌ لَهُ. ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ سَبِيلَ الحَقِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب