الباحث القرآني
﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ كانْحِرافِ الطُّيُورِ عَنْ مُوازاةِ البَيْتِ عَلى مَدى الأعْصارِ، وأنَّ ضَوارِيَ السِّباعِ تُخالِطُ الصُّيُودَ في الحَرَمِ ولا تَتَعَرَّضُ لَها، وإنَّ كُلَّ جَبّارٍ قَصَدَهُ بِسُوءٍ قَهَرَهُ اللَّهُ كَأصْحابِ الفِيلِ. والجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْهُدى، أوْ حالٌ أُخْرى. ﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ خَبَرُهُ أيْ مِنها مَقامُ إبْراهِيمَ، أوْ بَدَلٌ مِن آياتٍ بَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ. وقِيلَ عَطْفُ بَيانٍ عَلى أنَّ المُرادَ بِالآياتِ أثَرُ القَدَمِ في الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ وغَوْصُها فِيها إلى الكَعْبَيْنِ، وتَخْصِيصُها بِهَذِهِ الإلانَةِ مِن بَيْنَ الصِّخارِ وإبْقاؤُهُ دُونَ سائِرِ آثارِ الأنْبِياءِ وحِفْظِهِ مَعَ كَثْرَةِ أعْدائِهِ أُلُوفُ سَنَةٍ. ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ «آيَةٌ» بَيِّنَةٌ عَلى التَّوْحِيدِ. وسَبَبُ هَذا الأثَرِ أنَّهُ لَمّا ارْتَفَعَ بُنْيانُ الكَعْبَةِ قامَ عَلى هَذا الحَجَرِ لِيَتَمَكَّنَ مِن رَفْعِ الحِجارَةِ فَغاصَتْ فِيهِ قَدَماهُ. ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ جُمْلَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ، أوْ شَرْطِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ مِن حَيْثُ المَعْنى عَلى مَقامٍ لِأنَّهُ في مَعْنى أمِنَ مَن دَخَلَهُ أيْ ومِنها أمْنُ مَن دَخَلَهُ، أوْ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ وأمْنُ مَن دَخَلَهُ. اقْتَصَرَ بِذِكْرِهِما مِنَ الآياتِ الكَثِيرَةِ وطَوى ذِكْرَ غَيْرِهِما كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ «حُبِّبَ إلَيَّ مِن دُنْياكم ثَلاثٌ: الطِّيبُ والنِّساءُ وقُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ».»
لِأنَّ فِيها غِنْيَةً عَنْ غَيْرِها في الدّارَيْنِ بَقاءَ الأثَرِ مَدى الدَّهْرِ والأمْنَ مِنَ العَذابِ يَوْمَ القِيامَةِ.
قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَن ماتَ في أحَدِ الحَرَمَيْنِ، بُعِثَ يَوْمَ القِيامَةِ آمِنًا».» وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ مَن لَزِمَهُ القَتْلُ بِرِدَّةٍ أوْ قَصاصٍ أوْ غَيْرِهِما والتَجَأ إلى الحَرَمِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ ولَكِنْ أُلْجِئَ إلى الخُرُوجِ. ﴿وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ قَصْدُهُ لِلزِّيارَةِ عَلى الوَجْهِ المَخْصُوصِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ حِجُّ بِالكَسْرِ وهو لُغَةُ نَجْدٍ. ﴿مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا﴾ بَدَلٌ مِنَ النّاسِ بَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ مُخَصَّصٌ لَهُ، وقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الِاسْتِطاعَةَ «بِالزّادِ والرّاحِلَةِ» وهو يُؤَيِّدُ قَوْلَ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ إنَّها بِالمالِ، ولِذَلِكَ أوْجَبَ الِاسْتِنابَةَ عَلى الزَّمَنِ إذا وجَدَ أُجْرَةَ مَن يَنُوبُ عَنْهُ. وقالَ مالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى إنَّها بِالبَدَنِ فَيَجِبُ عَلى مَن قَدِرَ عَلى المَشْيِ والكَسْبِ في الطَّرِيقِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى إنَّها (p-30)بِمَجْمُوعِ الأمْرَيْنِ. والضَّمِيرُ في إلَيْهِ لِلْبَيْتِ، أوِ الحَجِّ وكُلُّ ما أتى إلى الشَّيْءِ فَهو سَبِيلُهُ. ﴿وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ وضَعَ كَفَرَ مَوْضِعَ مَن لَمْ يَحُجَّ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِهِ وتَغْلِيظًا عَلى تارِكِهِ، ولِذَلِكَ قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ «مَن ماتَ ولَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شاءَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا».»
وَقَدْ أُكِّدَ أمْرُ الحَجِّ في هَذِهِ الآيَةِ مِن وُجُوهِ الدَّلالَةِ عَلى وُجُوهٍ بِصِيغَةِ الخَبَرِ، وإبْرازِهِ في الصُّورَةِ الِاسْمِيَّةِ وإيرادِهِ عَلى وجْهٍ يُفِيدُ أنَّهُ حَقٌّ واجِبٌ لِلَّهِ تَعالى في رِقابِ النّاسِ، وتَعْمِيمُ الحُكْمِ أوَّلًا ثُمَّ تَخْصِيصُهُ ثانِيًا فَإنَّهُ كَإيضاحٍ بَعْدَ إيهامٍ وتَثْنِيَةٍ وتَكْرِيرٍ لِلْمُرادِ، وتَسْمِيَةُ تَرْكِ الحَجِّ كُفْرًا مِن حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الكَفَرَةِ، وذِكْرُ الِاسْتِغْناءِ فَإنَّهُ في هَذا المَوْضِعِ مِمّا يَدُلُّ عَلى المَقْتِ والخِذْلانِ وقَوْلُهُ: عَنِ العالَمِينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِما فِيهِ مِن مُبالَغَةِ التَّعْمِيمِ والدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ بِالبُرْهانِ والإشْعارِ بِعِظَمِ السُّخْطِ، لِأنَّهُ تَكْلِيفٌ شاقٌّ جامِعٌ بَيْنَ كَسْرِ النَّفْسِ وإتْعابِ البَدَنِ وصَرْفِ المالِ والتَّجَرُّدِ عَنِ الشَّهَواتِ والإقْبالِ عَلى اللَّهِ.
رُوِيَ « (أنَّهُ لَمّا نَزَلَ صَدْرُ الآيَةِ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أرْبابَ المِلَلِ فَخَطَبَهم وقالَ إنَّ اللَّهَ تَعالى: كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا فَآمَنَتْ بِهِ مِلَّةٌ واحِدَةٌ وكَفَرَتْ بِهِ خَمْسُ مِلَلٍ فَنَزَلَ ﴿وَمَن كَفَرَ﴾»
{"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق