الباحث القرآني

﴿وَجاهِدُوا في اللَّهِ﴾ أيْ لِلَّهِ ومِن أجْلِهِ أعْداءَ دِينِهِ الظّاهِرَةَ كَأهْلِ الزَّيْغِ والباطِنَةَ كالهَوى والنَّفْسِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّهُ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقالَ «رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ» . ﴿حَقَّ جِهادِهِ﴾ أيْ جِهادًا فِيهِ حَقًّا خالِصًا لِوَجْهِهِ فَعَكَسَ وأُضِيفَ الحَقُّ إلى الجِهادِ مُبالَغَةً كَقَوْلِكَ: هو حَقُّ عالِمٍ، وأُضِيفَ الجِهادُ إلى الضَّمِيرِ اتِّساعًا أوْ لِأنَّهُ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ مِن حَيْثُ إنَّهُ مَفْعُولٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى ومِن أجْلِهِ. ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ اخْتارَكم لِدِينِهِ ولِنُصْرَتِهِ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى المُقْتَضى لِلْجِهادِ والدّاعِي إلَيْهِ وفي قَوْلِهِ: ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ أيْ ضِيقٍ بِتَكْلِيفِ ما يَشْتَدُّ القِيامُ بِهِ عَلَيْكم، إشارَةً إلى أنَّهُ لا مانِعَ لَهم عَنْهُ ولا عُذْرَ لَهم في تَرْكِهِ، أوْ إلى الرُّخْصَةِ في إغْفالِ بَعْضِ ما أمَرَهم بِهِ مِن حَيْثُ شَقَّ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «إذا أمَرْتُكم بِشَيْءٍ فائْتُوا مِنهُ ما اسْتَطَعْتُمْ» . وَقِيلَ ذَلِكَ بِأنْ جَعَلَ لَهم مِن كُلِّ ذَنْبٍ مَخْرَجًا بِأنْ رَخَّصَ لَهم في المَضايِقِ وفَتْحَ عَلَيْهِمْ بابَ التَّوْبَةِ، وشَرَعَ لَهُمُ الكَفّاراتِ في حُقُوقِهِ والأُرُوشَ والدِّياتِ في حُقُوقِ العِبادِ ﴿مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ﴾ مُنْتَصِبَةٌ عَلى المَصْدَرِ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَضْمُونُ ما قَبْلَها بِحَذْفِ المُضافِ أيْ: وسَّعَ دِينَكم تَوْسِعَةَ مِلَّةِ أبِيكم، أوْ عَلى الإغْراءِ أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ، وإنَّما جَعَلَهُ أباهم لِأنَّهُ أبُو رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو كالأبِ لِأُمَّتِهِ مِن حَيْثُ أنَّهُ سَبَبٌ لِحَياتِهِمُ الأبَدِيَّةِ ووُجُودِهِمْ عَلى الوَجْهِ المُعْتَدِّ بِهِ في الآخِرَةِ، أوْ لِأنَّ أكْثَرَ العَرَبِ كانُوا مِن ذُرِّيَّتِهِ فَغُلِّبُوا عَلى غَيْرِهِمْ. ﴿هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ﴾ مِن قَبْلِ القُرْآنِ في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ. ﴿وَفِي هَذا﴾ وفي القُرْآنِ، والضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعالى ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ قُرِئَ «اللَّهُ سَمّاكم»، أوْ لِـ ( إبْراهِيمَ ) وتَسْمِيَتُهم بِمُسْلِمِينَ في (p-81) القُرْآنِ وإنْ لَمْ تَكُنْ مِنهُ كانَتْ بِسَبَبِ تَسْمِيَتِهِ مِن قَبْلُ في قَوْلِهِ ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ . وقِيلَ وفي هَذا تَقْدِيرُهُ وفي هَذا بَيانُ تَسْمِيَتِهِ إيّاكم مُسْلِمِينَ. ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِسَمّاكم. ﴿شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ بِأنَّهُ بَلَّغَكم فَيَدُلُّ عَلى قَبُولِ شَهادَتِهِ لِنَفْسِهِ اعْتِمادًا عَلى عِصْمَتِهِ، أوْ بِطاعَةِ مَن أطاعَ وعِصْيانِ مَن عَصى. ﴿وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ. ﴿فَأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾ فَتَقَرَّبُوا إلى اللَّهِ تَعالى بِأنْواعِ الطّاعاتِ لِما خَصَّكم بِهَذا الفَضْلِ والشَّرَفِ. ﴿واعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾ وثِقُوا بِهِ في مَجامِعِ أُمُورِكم ولا تَطْلُبُوا الإعانَةَ والنُّصْرَةَ إلّا مِنهُ. ﴿هُوَ مَوْلاكُمْ﴾ ناصِرُكم ومُتَوَلِّي أُمُورِكم ﴿فَنِعْمَ المَوْلى ونِعْمَ النَّصِيرُ﴾ هو إذْ لا مَثَلَ لَهُ سُبْحانَهُ في الوِلايَةِ والنُّصْرَةِ، بَلْ لا مَوْلى ولا نَصِيرَ سِواهُ في الحَقِيقَةِ. عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «مَن قَرَأ سُورَةَ الحَجِّ أُعْطِيَ مِنَ الأجْرِ كَحَجَّةٍ حَجَّها وعُمْرَةٍ اعْتَمَرَها بِعَدَدِ مَن حَجَّ واعْتَمَرَ فِيما مَضى وفِيما بَقِيَ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب