الباحث القرآني

﴿يا أيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ﴾ مِن إمْكانِهِ وكَوْنِهِ مَقْدُورًا، وقُرِئَ «مِنَ البَعَثِ» بِالتَّحْرِيكِ كالجَلْبِ. ﴿فَإنّا خَلَقْناكُمْ﴾ أيْ فانْظُرُوا في بَدْءِ خَلْقِكم فَإنَّهُ يُزِيحُ رَيْبَكم فَإنّا خَلَقْناكم. ﴿مِن تُرابٍ﴾ بِخَلْقِ آدَمَ مِنهُ، أوِ الأغْذِيَةِ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنها المَنِيُّ. ﴿ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ﴾ مَنِيٌّ مِنَ النَّطْفِ وهو الصَّبُّ. ﴿ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ﴾ قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ جامِدَةٌ. ﴿ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ﴾ قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ وهي في الأصْلِ قَدْرُ ما يُمْضَغُ. ﴿مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ مُسَوّاةٌ لا نَقْصَ فِيها ولا عَيْبَ وغَيْرُ مُسَوّاةٍ أوْ تامَّةٌ وساقِطَةٌ أوْ مُصَوَّرَةٌ وغَيْرُ مُصَوَّرَةٍ. ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ بِهَذا التَّدْرِيجِ قُدْرَتَنا وحِكْمَتَنا وأنَّ ما قَبِلَ التَّغَيُّرَ والفَسادَ والتَّكَوُّنَ مَرَّةً قَبِلَها أُخْرى، وأنَّ مَن قَدَرَ عَلى تَغْيِيرِهِ وتَصْوِيرِهِ أوَّلًا قَدَرَ عَلى ذَلِكَ ثانِيًا، وحُذِفَ المَفْعُولُ إيماءً إلى أنَّ أفْعالَهُ هَذِهِ يَتَبَيَّنُ بِها مِن قُدْرَتِهِ وحِكْمَتِهِ ما لا يُحِيطُ بِهِ الذِّكْرُ. ﴿وَنُقِرُّ في الأرْحامِ ما نَشاءُ﴾ أنْ نُقِرَّهُ. ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ هو وقْتُ الوَضْعِ وأدْناهُ بَعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ وأقْصاهُ أرْبَعُ سِنِينَ، وقُرِئَ «وَنُقِرَّ» بِالنَّصْبِ وكَذا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلا﴾ عَطْفًا عَلى «نُبِيِّنُ» كَأنَّ خَلْقَهم مُدْرَجًا لِغَرَضَيْنِ تَبْيِينُ القُدْرَةِ وتَقْرِيرُهم في الأرْحامِ حَتّى يُولَدُوا ويَنْشَئُوا ويَبْلُغُوا حَدَّ التَّكْلِيفِ، وقُرِئا بِالياءِ رَفْعًا ونَصْبًا ويُقِرُّ بِالياءِ ﴿وَنُقِرُّ﴾ مِن قَرَرْتُ الماءَ إذا صَبَبْتُهُ، و ﴿طِفْلا﴾ حالٌ أُجْرِيَتْ عَلى تَأْوِيلِ كُلِّ واحِدٍ أوْ لِلدَّلالَةِ عَلى الجِنْسِ أوْ لِأنَّهُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ. ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ﴾ كَمالَكم في القُوَّةِ والعَقْلِ جَمْعُ شِدَّةٍ كالأنْعُمِ جَمْعُ نِعْمَةٍ كَأنَّها شِدَّةٌ في الأُمُورِ. ﴿وَمِنكم مَن يُتَوَفّى﴾ عِنْدَ بُلُوغِ الأشُدِّ أوْ قَبْلَهُ. وقُرِئَ ﴿يُتَوَفّى﴾ أوْ يَتَوَفّاهُ اللَّهُ تَعالى. ﴿وَمِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ﴾ وهو الهِرَمُ والخَرَفُ، وقُرِئَ بِسُكُونِ المِيمِ. ﴿لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ لِيَعُودَ كَهَيْئَتِهِ الأُولى في أوانِ الطُّفُولِيَّةِ مِن سَخافَةِ العَقْلِ وقِلَّةِ الفَهْمِ فَيَنْسى ما عَلِمَهُ ويُنْكِرُ ما عَرَفَهُ، والآيَةُ اسْتِدْلالٌ ثانٍ عَلى إمْكانِ البَعْثِ بِما يَعْتَرِي الإنْسانَ في أسْنانِهِ مِنَ الأُمُورِ المُخْتَلِفَةِ والأحْوالِ المُتَضادَّةِ، فَإنَّ مَن قَدَرَ عَلى ذَلِكَ قَدَرَ عَلى نَظائِرِهِ. ﴿وَتَرى الأرْضَ هامِدَةً﴾ مَيِّتَةً يابِسَةً مِن هَمَدَتِ النّارُ إذا صارَتْ رَمادًا. ﴿فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ﴾ تَحَرَّكَتْ بِالنَّباتِ. ﴿وَرَبَتْ﴾ وانْتَفَخَتْ، وقُرِئَ «وَرَبَأتْ» أيِ ارْتَفَعَتْ. ﴿وَأنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ مِن كُلِّ صِنْفٍ بَهِيجٍ حَسَنٍ رائِقٍ، وهَذِهِ دَلالَةٌ ثالِثَةٌ كَرَّرَها اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ لِظُهُورِها وكَوْنِها مُشاهَدَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب