الباحث القرآني

﴿أنِ اقْذِفِيهِ في التّابُوتِ﴾ بِأنِ اقْذِفِيهِ، أوْ أيِ اقْذِفِيهِ لِأنَّ الوَحْيَ بِمَعْنى القَوْلِ. ﴿فاقْذِفِيهِ في اليَمِّ﴾ والقَذْفُ يُقالُ لِلْإلْقاءِ ولِلْوَضْعِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ وكَذَلِكَ الرَّمْيُ كَقَوْلِهِ: غُلامٌ رَماهُ اللَّهُ بِالحُسْنِ يافِعًا. ﴿فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسّاحِلِ﴾ لَمّا كانَ إلْقاءُ البَحْرِ إيّاهُ إلى السّاحِلِ أمْرًا واجِبَ الحُصُولِ لِتَعَلُّقِ الإرادَةِ بِهِ، جَعَلَ البَحْرَ كَأنَّهُ ذُو تَمْيِيزٍ مُطِيعٌ أمْرَهُ بِذَلِكَ وأخْرَجَ الجَوابَ مَخْرَجَ الأمْرِ، والأوْلى أنْ تُجْعَلَ الضَّمائِرُ كُلُّها لِمُوسى مُراعاةً لِلنَّظْمِ، فالمَقْذُوفُ في البَحْرِ والمُلْقى إلى السّاحِلِ وإنْ كانَ التّابُوتُ بِالذّاتِ فَمُوسى بِالعَرَضِ. ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وعَدُوٌّ لَهُ﴾ جَوابُ ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ وتَكْرِيرُ ﴿عَدُوٌّ﴾ لِلْمُبالَغَةِ، أوْ لِأنَّ الأوَّلَ بِاعْتِبارِ الواقِعِ والثّانِي بِاعْتِبارِ المُتَوَقَّعِ. قِيلَ إنَّها جَعَلَتْ في التّابُوتِ قُطْنًا ووَضَعَتْهُ فِيهِ ثُمَّ قَبَرَتْهُ وألْقَتْهُ في اليَمِّ، وكانَ يَشْرَعُ مِنهُ إلى بُسْتانِ فِرْعَوْنَ نَهْرٌ فَدَفَعَهُ الماءُ إلَيْهِ فَأدّاهُ إلى بِرْكَةٍ في البُسْتانِ، وكانَ فِرْعَوْنُ جالِسًا عَلى رَأْسِها مَعَ امْرَأتِهِ آسِيَةَ بِنْتِ مُزاحِمٍ، فَأمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَفُتِحَ فَإذا هو صَبِيٌّ أصْبَحُ النّاسِ وجْهًا فَأحَبَّهُ حُبًّا شَدِيدًا كَما قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وَألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ أيْ مَحَبَّةً كائِنَةً مِنِّي قَدْ زَرَعْتُها في القُلُوبِ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَصْبِرُ عَنْكَ مَن رَآكَ فَلِذَلِكَ أحَبَّكَ فِرْعَوْنُ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ ( مِنِّي ) بِـ ( ألْقَيْتُ ) أيْ أحْبَبْتُكَ ومَن أحَبَّهُ اللَّهُ أحَبَّتْهُ القُلُوبُ، وظاهِرُ اللَّفْظِ أنَّ اليَمَّ ألْقاهُ بِساحِلِهِ وهو شاطِئُهُ لِأنَّ الماءَ يَسْحَلُهُ فالتُقِطَ مِنهُ، لَكِنْ لا يَبْعُدُ أنْ يُؤَوَّلَ السّاحِلُ بِجَنْبِ فُوَّهَةِ نَهْرِهِ. ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾ لِتُرَبّى ويُحْسَنَ إلَيْكَ وأنا راعِيكَ وراقِبُكَ، والعَطْفُ عَلى عِلَّةٍ مُضْمَرَةٍ مِثْلَ لِيَتَعَطَّفَ عَلَيْكَ، أوْ عَلى الجُمْلَةِ السّابِقَةِ بِإضْمارِ فِعْلٍ مُعَلَّلٍ مِثْلَ فَعَلْتُ ذَلِكَ. وقُرِئَ ( ولِتُصْنَعْ ) بِكَسْرِ اللّامِ وسُكُونِها والجَزْمُ عَلى أنَّهُ أمْرٌ ( ولِتَصْنَعَ ) بِالنَّصْبِ وفَتْحِ التّاءِ أيْ ولِيَكُونَ عَمَلُكَ عَلى عَيْنٍ مِنِّي لِئَلّا تُخالِفَ بِهِ عَنْ أمْرِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب