الباحث القرآني
﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ والَّذِينَ آمَنُوا﴾ الخُدْعُ أنْ تُوهِمَ غَيْرَكَ خِلافَ ما تُخْفِيهِ مِنَ المَكْرُوهِ لِتُنْزِلَهُ عَمّا هو فِيهِ، وعَمّا هو بِصَدَدِهِ مِن قَوْلِهِمْ: خَدَعَ الضَّبُّ. إذْ تَوارى في جُحْرِهِ، وضَبٌّ خادِعٌ وخَدِعٌ إذا أوْهَمَ الحارِشَ إقْبالَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِن بابٍ آخَرَ وأصْلُهُ الإخْفاءُ، ومِنهُ المَخْدَعُ لِلْخِزانَةِ، والأخْدَعانِ لِعِرْقَيْنِ خَفِيَّيْنِ في العُنُقِ، والمُخادِعَةُ تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
وَخِداعُهم مَعَ اللَّهِ لَيْسَ عَلى ظاهِرِهِ لِأنَّهُ لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ، ولِأنَّهم لَمْ يَقْصِدُوا خَدِيعَتَهُ. بَلِ المُرادُ إمّا مُخادَعَةُ رَسُولِهِ عَلى حَذْفِ المُضافِ، أوْ عَلى أنَّ مُعامَلَةَ الرَّسُولِ مُعامَلَةُ اللَّهِ مِن حَيْثُ إنَّهُ خَلِيفَتُهُ كَما قالَ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ . ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ﴾ . وإمّا أنَّ صُورَةَ صَنِيعِهِمْ مَعَ اللَّهِ تَعالى مِن إظْهارِ الإيمانِ واسْتِبْطانِ الكُفْرِ، وصُنْعَ اللَّهِ مَعَهم بِإجْراءِ أحْكامِ المُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وهم عِنْدَهُ أخْبَثُ الكُفّارِ وأهْلُ الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ، اسْتِدْراجًا لَهم وامْتِثالَ الرَّسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ أمْرَ اللَّهِ في إخْفاءِ حالِهِمْ، وإجْراءَ حُكْمَ الإسْلامَ عَلَيْهِمْ مُجاراةً لَهم بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ صُورَةَ صَنِيعِ المُتَخادِعِينَ.
وَيُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِ ﴿يُخادِعُونَ﴾ يَخْدَعُونَ لِأنَّهُ بَيانٌ لِيَقُولَ، أوِ اسْتِئْنافٌ بِذِكْرِ ما هو الغَرَضُ مِنهُ، إلّا أنَّهُ أُخْرِجَ (p-45)فِي زِنَةِ فاعَلَ لِلْمُغالَبَةِ، فَإنَّ الزِّنَةَ لَمّا كانَتْ لِلْمُغالَبَةِ والفِعْلُ مَتى غُولِبَ فِيهِ كانَ أبْلَغَ مِنهُ إذا جاءَ بِلا مُقابَلَةِ مُعارِضٍ ومُبارٍ اسْتَصْحَبَتْ ذَلِكَ، ويُعَضِّدُهُ قِراءَةُ مَن قَرَأ (يَخْدَعُونَ) . وكانَ غَرَضُهم في ذَلِكَ أنْ يَدْفَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ ما يَطْرُقُ بِهِ مَن سِواهم مِنَ الكَفَرَةِ، وأنْ يُفْعَلَ بِهِمْ ما يُفْعَلُ بِالمُؤْمِنِينَ مِنَ الإكْرامِ والإعْطاءِ، وأنْ يَخْتَلِطُوا بِالمُسْلِمِينَ فَيَطَّلِعُوا عَلى أسْرارِهِمْ ويُذِيعُوها إلى مُنابِذِيهِمْ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأغْراضِ والمَقاصِدِ.
(وَما يُخادِعُونَ إلّا أنْفُسَهُمْ) قِراءَةُ نافِعٍ وابْنِ كَثِيرٍ وأبِي عَمْرٍو. والمَعْنى: أنَّ دائِرَةَ الخِداعِ راجِعَةٌ إلَيْهِمْ وضَرَرَها يَحِيقُ بِهِمْ. أوْ أنَّهم في ذَلِكَ خَدَعُوا أنْفُسَهم لَمّا غَرُّوها بِذَلِكَ. وخَدَعَتْهم أنْفُسُهم حَيْثُ حَدَّثَتْهم بِالأمانِي الفارِغَةِ وحَمَلَتْهم عَلى مُخادَعَةِ مَن لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ.
وَقَرَأ الباقُونَ ﴿وَما يَخْدَعُونَ﴾، لِأنَّ المُخادَعَةَ لا تُتَصَوَّرُ إلّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وقُرِئَ و « يَخْدَعُونَ» مِن خَدَعَ و « يُخْدَعُونَ» بِمَعْنى يَخْتَدِعُونَ و « يُخْدَعُونَ» و « يُخادَعُونَ» عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، ونُصِبَ (أنْفُسَهُمْ) بِنَزْعِ الخافِضِ، والنَّفْسُ ذاتُ الشَّيْءِ وحَقِيقَتُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِلرُّوحِ لِأنَّ نَفْسَ الحَيِّ بِهِ، ولِلْقَلْبِ لِأنَّهُ مَحَلُّ الرُّوحِ أوْ مُتَعَلِّقُهُ، ولِلدَّمِ لِأنَّ قِوامَها بِهِ، ولِلْماءِ لِفَرْطِ حاجَتِها إلَيْهِ، ولِلرَّأْيِ في قَوْلِهِمْ: فُلانٌ يُؤامِرُ نَفْسَهُ لِأنَّهُ يَنْبَعِثُ عَنْها أوْ يُشْبِهُ ذاتًا تَأْمُرُهُ وتُشِيرُ عَلَيْهِ. والمُرادُ بِالأنْفُسِ هاهُنا ذَواتُهم ويُحْتَمَلُ حَمْلُها عَلى أرْواحِهِمْ وآرائِهِمْ.
وَما يَشْعُرُونَ لا يُحِسُّونَ لِذَلِكَ لِتَمادِي غَفْلَتِهِمْ. جَعَلَ لُحُوقَ وبالِ الخِداعِ ورُجُوعَ ضَرَرِهِ إلَيْهِمْ في الظُّهُورِ كالمَحْسُوسِ الَّذِي لا يَخْفى إلّا عَلى مَؤْوُفِ الحَواسِّ. والشُّعُورُ: الإحْساسُ، ومَشاعِرُ الإنْسانِ حَواسُّهُ، وأصْلُهُ الشِّعْرُ ومِنهُ الشِّعارُ.
{"ayah":"یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَمَا یَخۡدَعُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق