الباحث القرآني

(p-88)﴿وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ خِطابًا لِلْجَمِيعِ لِوُجُودِ القَتْلِ فِيهِمْ ﴿فادّارَأْتُمْ فِيها﴾ اخْتَصَمْتُمْ في شَأْنِها، إذِ المُتَخاصِمانِ يَدْفَعُ بَعْضُهُما بَعْضًا، أوْ تَدافَعْتُمْ بِأنْ طَرَحَ كُلٌّ قَتْلَها عَنْ نَفْسِهِ إلى صاحِبِهِ، وأصْلُهُ تَدارَأْتُمْ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ في الدّالِ واجْتُلِبَتْ لَها هَمْزَةُ الوَصْلِ ﴿واللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ مُظْهِرُهُ لا مَحالَةَ، وأُعْمِلَ مُخْرِجٌ لِأنَّهُ حِكايَةُ مُسْتَقْبَلٍ كَما أُعْمِلَ ﴿باسِطٌ ذِراعَيْهِ﴾ لِأنَّهُ حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ. ﴿فَقُلْنا اضْرِبُوهُ﴾ عَطْفٌ عَلى ادّارَأْتُمْ وما بَيْنَها اعْتِراضٌ، والضَّمِيرُ لِلنَّفْسِ والتَّذْكِيرِ عَلى تَأْوِيلِ الشَّخْصِ أوِ القَتِيلِ ﴿بِبَعْضِها﴾ أيْ بَعْضٍ كانَ، وقِيلَ: بِأصْغِرَيْها، وقِيلَ بِلِسانِها، وقِيلَ بِفَخْذِها اليُمْنى، وقِيلَ بِالأُذُنِ، وقِيلَ بِالعَجْبِ ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتى﴾ يَدُلُّ عَلى ما حُذِفَ وهو فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ، والخِطابُ مَعَ مَن حَضَرَ حَياةَ القَتِيلِ، أوْ نُزُولَ الآيَةِ ﴿وَيُرِيكم آياتِهِ﴾ دَلائِلَهُ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ. ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ لِكَيْ يُكْمِلَ عَقْلَكم وتَعْلَمُوا أنَّ مَن قَدَرَ عَلى إحْياءِ نَفْسٍ قَدَرَ عَلى إحْياءِ الأنْفُسِ كُلِّها، أوْ تَعْمَلُوا عَلى قَضِيَّتِهِ. ولَعَلَّهُ تَعالى إنَّما لَمْ يُحْيِهِ ابْتِداءً وشَرَطَ فِيهِ ما شَرَطَ لِما فِيهِ مِنَ التَّقَرُّبِ وأداءِ الواجِبِ، ونَفْعِ اليَتِيمِ والتَّنْبِيهِ عَلى بَرَكَةِ التَّوَكُّلِ والشَّفَقَةِ عَلى الأوْلادِ، وأنَّ مِن حَقِّ الطّالِبِ أنْ يُقَدِّمَ قُرْبَةً، والمُتَقَرِّبُ أنْ يَتَحَرّى الأحْسَنَ ويُغالِيَ بِثَمَنِهِ، كَما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: أنَّهُ ضَحّى بِنَجِيبَةٍ اشْتَراها بِثَلاثِمِائَةِ دِينارٍ. وأنَّ المُؤْثَرَ في الحَقِيقَةِ هو اللَّهُ تَعالى، والأسْبابُ أماراتٌ لا إثْرَ لَها، وأنَّ مَن أرادَ أنْ يَعْرِفَ أعْدى عَدُوِّهِ السّاعِي في إماتَتِهِ المَوْتَ الحَقِيقِيَّ، فَطَرِيقُهُ أنْ يَذْبَحَ بَقَرَةَ نَفْسِهِ الَّتِي هي القُوَّةُ الشَّهَوِيَّةُ حِينَ زالَ عَنْها شَرَهُ الصِّبا، ولَمْ يَلْحَقْها ضَعْفُ الكِبَرِ، وكانَتْ مُعْجَبَةً رائِقَةَ المَنظَرِ غَيْرَ مُذَلَّلَةٍ في طَلَبِ الدُّنْيا، مُسَلَّمَةً عَنْ دَنَسِها لا سِمَةَ بِها مِن مَقابِحِها بِحَيْثُ يَصِلُ أثَرُهُ إلى نَفْسِهِ، فَتَحْيا حَياةً طَيِّبًا، وتُعْرِبُ عَمّا بِهِ يَنْكَشِفُ الحالُ، ويَرْتَفِعُ ما بَيْنَ العَقْلِ والوَهْمِ مِنَ التَّدارُؤِ والنِّزاعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب