الباحث القرآني

﴿وَإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ﴾ فَلَقْناهُ وفَصَلْنا بَيْنَ بَعْضِهِ وبَعْضٍ حَتّى حَصَلَتْ فِيهِ مَسالِكُ بِسُلُوكِكم فِيهِ. أوْ بِسَبَبِ إنْجائِكُمْ، أوْ مُلْتَبِسًا بِكم كَقَوْلِهِ: ؎ تَدُوسُ بِنا الجَماجِمَ والتَّرِيبا وَقُرِئَ « فَرَّقْنا» عَلى بِناءِ التَّكْثِيرِ لِأنَّ المَسالِكَ كانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ بِعَدَدِ الأسْباطِ. ﴿فَأنْجَيْناكم وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ أرادَ بِهِ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ، واقْتَصَرَ عَلى ذِكْرِهِمْ لِلْعِلْمِ بِأنَّهُ كانَ أوْلى بِهِ، (p-80)وَقِيلَ: شَخْصَهُ كَما رُوِيَ أنَّ الحَسَنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ مُحَمَّدٍ: أيْ شَخْصِهِ واسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ أتْباعِهِ. ﴿وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ ذَلِكَ، أيْ غَرَقَهم وإطْباقَ البَحْرِ عَلَيْهِمْ، أوِ انْفِلاقَ البَحْرِ عَنْ طُرُقٍ يابِسَةٍ مُذَلَّلَةٍ، أوْ جُثَثَهُمُ الَّتِي قَذَفَها البَحْرُ إلى السّاحِلِ، أوْ يَنْظُرُ بَعْضُكم بَعْضًا. رُوِيَ أنَّهُ تَعالى أمَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَسْرِيَ بِبَنِي إسْرائِيلَ، فَخَرَجَ بِهِمْ فَصَبَّحَهم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ، وصادَفُوهم عَلى شاطِئِ البَحْرِ، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ، فَضَرَبَهُ فَظَهَرَ فِيهِ اثْنا عَشَرَ طَرِيقًا يابِسًا فَسَلَكُوها فَقالُوا: يا مُوسى نَخافُ أنْ يَغْرَقَ بَعْضُنا ولا نَعْلَمُ، فَفَتَحَ اللَّهُ فِيها كُوًى فَتَراؤَوْا وتَسامَعُوا حَتّى عَبَرُوا البَحْرَ، ثُمَّ لَمّا وصَلَ إلَيْهِ فِرْعَوْنُ ورَآهُ مُنْفَلِقًا اقْتَحَمَ فِيهِ هو وجُنُودُهُ فالتَطَمَ عَلَيْهِمْ وأغْرَقَهم أجْمَعِينَ. واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الواقِعَةَ مِن أعْظَمِ ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، ومِنَ الآياتِ المُلْجِئَةِ إلى العِلْمِ بِوُجُودِ الصّانِعِ الحَكِيمِ وتَصْدِيقِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثُمَّ إنَّهم بَعْدَ ذَلِكَ اتَّخَذُوا العِجْلَ وقالُوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ ونَحْوَ ذَلِكَ، فَهم بِمَعْزِلٍ في الفِطْنَةِ والذَّكاءِ وسَلامَةِ النَّفْسِ وحُسْنِ الِاتِّباعِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، مَعَ أنَّ ما تَواتَرَ مِن مُعْجِزاتِهِ أُمُورٌ نَظَرِيَّةٌ مِثْلَ: القُرْآنِ والتَّحَدِّي بِهِ والفَضائِلِ المُجْتَمِعَةِ فِيهِ الشّاهَدَةِ عَلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ دَقِيقَةٌ تُدْرِكُها الأذْكِياءُ، وإخْبارُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْها مِن جُمْلَةِ مُعْجِزاتِهِ عَلى ما مَرَّ تَقْرِيرُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب