الباحث القرآني

﴿واتَّقُوا يَوْمًا﴾ أيْ ما فِيهِ مِنَ الحِسابِ والعَذابِ. ﴿لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ لا تَقْضِي عَنْها شَيْئًا مِنَ الحُقُوقِ، أوْ شَيْئًا مِنَ الجَزاءِ فَيَكُونُ نَصْبُهُ عَلى المَصْدَرِ، وقُرِئَ لا « تُجْزِئُ» مِن أجْزَأ عَنْهُ إذا أغْنى وعَلى هَذا تَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، وإيرادُهُ مُنْكَّرًا مَعَ تَنْكِيرِ النَّفْسَيْنِ لِلتَّعْمِيمِ والإقْناطِ الكُلِّيِّ والجُمْلَةُ صِفَةٌ لِيَوْمًا، والعائِدُ فِيها مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لا تَجْزِي فِيهِ، ومَن لَمْ يُجَوِّزْ حَذْفَ العائِدِ المَجْرُورِ قالَ: اتَّسَعَ فِيهِ فَحُذِفَ عَنْهُ الجارُّ وأُجْرِيَ مَجْرى المَفْعُولِ بِهِ ثُمَّ حُذِفَ كَما حُذِفَ مِن قَوْلِهِ: أمْ مالٌ أصابُوا. ﴿وَلا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ﴾ أيْ مِنَ النَّفْسِ الثّانِيَةِ العاصِيَةِ، أوْ مِنَ الأُولى، وكَأنَّهُ أُرِيدَ بِالآيَةِ نَفْيَ أنْ يَدْفَعَ العَذابَ أحَدٌ عَنْ أحَدٍ مِن كُلِّ وجْهٍ مُحْتَمَلٍ، فَإنَّهُ إمّا أنْ يَكُونَ قَهْرًا أوْ غَيْرَهُ، والأوَّلُ النُّصْرَةُ، والثّانِي إمّا أنْ يَكُونَ مَجّانًا أوْ غَيْرَهُ. والأوَّلُ أنْ يُشْفَعَ لَهُ والثّانِي إمّا بِأداءِ ما كانَ عَلَيْهِ وهو أنْ يُجْزِيَ عَنْهُ، أوْ بِغَيْرِهِ وهو أنْ يُعْطى عَنْهُ عَدْلًا. والشَّفاعَةُ مِنَ الشَّفْعِ كَأنَّ المَشْفُوعَ لَهُ كانَ فَرْدًا فَجَعَلَهُ الشَّفِيعُ شَفْعًا بِضَمِّ نَفْسِهِ إلَيْهِ، والعَدْلُ الفِدْيَةُ. وقِيلَ: البَدَلُ وأصْلُهُ التَّسْوِيَةُ سُمِّيَ بِهِ الفِدْيَةُ لِأنَّها سُوِّيَتْ بِالمُفْدى، وقَرَأ ابْنُ (p-79)كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو « ولا تُقْبَلُ» بِالتّاءِ. ﴿وَلا هم يُنْصَرُونَ﴾ يُمْنَعُونَ مِن عَذابِ اللَّهِ، والضَّمِيرُ لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ الثّانِيَةُ المُنْكَّرَةُ الواقِعَةُ في سِياقِ النَّفْسِ مِنَ النُّفُوسِ الكَثِيرَةِ، وتَذْكِيرُهُ بِمَعْنى العِبادِ أوِ الأناسِيِّ، والنَّصْرُ أخَصُّ مِنَ المَعُونَةِ لِاخْتِصاصِهِ بِدَفْعِ الضُّرِّ. وقَدْ تَمَسَّكَتِ المُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى نَفْيِ الشَّفاعَةِ لِأهْلِ الكَبائِرِ، وأُجِيبُ بِأنَّها مَخْصُوصَةٌ بِالكُفّارِ لِلْآياتِ والأحادِيثِ الوارِدَةِ في الشَّفاعَةِ، ويُؤَيِّدُهُ أنَّ الخِطابَ مَعَهُمْ، والآيَةُ نَزَلَتْ رَدًّا لِما كانَتِ اليَهُودُ تَزْعُمُ أنَّ آباءَهم تَشْفَعُ لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب