الباحث القرآني

﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أيْ أوْلادَ يَعْقُوبَ، والِابْنُ مِنَ البِناءِ لِأنَّهُ مَبْنِيُّ أبِيهِ، ولِذَلِكَ يُنْسَبُ المَصْنُوعُ إلى صانِعِهِ فَيُقالُ: أبُو الحَرْبِ، وبِنْتُ الفِكْرِ. وإسْرائِيلُ لَقَبُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ ومَعْناهُ بِالعِبْرِيَّةِ: صَفْوَةُ اللَّهِ، وقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ وقُرِئَ « إسْرائِلَ» بِحَذْفِ الياءِ و « إسْرالَ» بِحَذْفِهِما و « إسْرايِيلَ» بِقَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً. ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ بِالتَّفَكُّرِ فِيها والقِيامِ بِشُكْرِها، وتَقْيِيدِ النِّعْمَةِ بِهِمْ لِأنَّ الإنْسانَ غَيُورٌ حَسُودٌ بِالطَّبْعِ، فَإذا نَظَرَ إلى ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلى غَيْرِهِ حَمَلَهُ الغَيْرَةُ والحَسَدُ عَلى الكُفْرانِ والسُّخْطِ، وإنْ نَظَرَ إلى ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ حَمَلَهُ حُبُّ النِّعْمَةِ عَلى الرِّضى والشُّكْرِ. وقِيلَ أرادَ بِها ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلى آبائِهِمْ مِنَ الإنْجاءِ مِن فِرْعَوْنَ والغَرَقِ، ومِنَ العَفْوِ عَنِ اتِّخاذِ العِجْلِ، وعَلَيْهِمْ مِن إدْراكِ زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ وقُرِئَ (اذَّكِرُوا) والأصْلُ اذْتَكِرُوا. ونِعْمَتِي بِإسْكانِ الياءِ وقْفًا وإسْقاطِها دَرَجًا هو مَذْهَبُ مَن لا يُحَرِّكُ الياءَ المَكْسُورَ ما قَبْلَها. ﴿وَأوْفُوا بِعَهْدِي﴾ بِالإيمانِ والطّاعَةِ. ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بِحُسْنِ الإثابَةِ، والعَهْدُ يُضافُ إلى المُعاهِدِ والمُعاهَدِ، ولَعَلَّ الأوَّلَ مُضافٌ إلى الفاعِلِ والثّانِيَ إلى المَفْعُولِ، فَإنَّهُ تَعالى عَهِدَ إلَيْهِمْ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ بِنَصْبِ الدَّلائِلِ وإنْزالِ الكُتُبِ، ووَعَدَ لَهم بِالثَّوابِ عَلى حَسَناتِهِمْ، ولِلْوَفاءِ بِهِما عَرْضٌ عَرِيضٌ فَأوَّلُ مَراتِبِ الوَفاءِ مِنّا هو الإتْيانُ بِكَلِمَتَيِ الشَّهادَةِ، ومِنَ اللَّهِ تَعالى حَقْنُ الدَّمِ والمالِ، وآخِرُها مِنّا الِاسْتِغْراقُ في بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِحَيْثُ يَغْفُلُ عَنْ نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، ومِنَ اللَّهِ تَعالى الفَوْزُ بِاللِّقاءِ الدّائِمِ. وما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أوْفُوا بِعَهْدِي في اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أُوفِ بِعَهْدِكم في رَفْعِ الآصارِ والإغْلالِ. وعَنْ غَيْرِهِ أوْفُوا بِأداءِ الفَرائِضِ وتَرْكِ الكَبائِرِ أُوفِ بِالمَغْفِرَةِ والثَّوابِ. أوْ أوْفُوا بِالِاسْتِقامَةِ عَلى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، أُوفِ بِالكَرامَةِ والنَّعِيمِ المُقِيمِ فَبِالنَّظَرِ إلى الوَسائِطِ. وقِيلَ كِلاهُما مُضافٌ إلى المَفْعُولِ والمَعْنى: أوْفُوا بِما عاهَدْتُمُونِي مِنَ الإيمانِ والتِزامِ الطّاعَةِ، أُوفِ بِما عاهَدْتُكم مِن حُسْنِ الإثابَةِ. وتَفْصِيلُ العَهْدَيْنِ في سُورَةِ المائِدَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَلأُدْخِلَنَّكم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ . وقُرِئَ « أُوَفِّ» بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبالَغَةِ. ﴿وَإيّايَ فارْهَبُونِ﴾ فِيما تَأْتُونَ وتَذَرُونَ وخُصُوصًا في نَقْضِ العَهْدِ، وهو آكَدُ في إفادَةِ التَّخْصِيصِ مِن إيّاكَ (p-76)نَعْبُدُ لِما فِيهِ مَعَ التَّقْدِيمِ مِن تَكْرِيرِ المَفْعُولِ والفاءِ الجَزائِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى تَضَمُّنِ الكَلامِ مَعْنى الشَّرْطِ كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ كُنْتُمْ راهِبِينَ شَيْئًا فارْهَبُونِ. والرَّهْبَةُ: خَوْفٌ مَعَ تَحَرُّزٍ. والآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْوَعْدِ والوَعِيدِ دالَّةٌ عَلى وُجُوبِ الشُّكْرِ والوَفاءِ بِالعَهْدِ، وأنَّ المُؤْمِنَ يَنْبَغِي أنْ لا يَخافَ أحَدًا إلّا اللَّهَ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب