الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ هم مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وأضْرابِهِ، مَعْطُوفُونَ عَلى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾، داخِلُونَ مَعَهم في جُمْلَةِ المُتَّقِينَ دُخُولَ أخَصَّيْنِ تَحْتَ أعَمَّ، إذِ المُرادُ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ شِرْكٍ وإنْكارٍ، وبِهَؤُلاءِ مُقابِلُوهم فَكانَتِ الآيَتانِ تَفْصِيلًا لِلْمُتَّقِينَ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. أوْ عَلى المُتَّقِينَ وكَأنَّهُ قالَ ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ عَنِ الشِّرْكِ، والَّذِينَ آمَنُوا مِن أهْلِ المِلَلِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِمُ الأوَّلُونَ بِأعْيانِهِمْ، ووُسِّطَ العاطِفُ كَما وُسِّطَ في قَوْلِهِ: ؎ إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ... ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ وَقَوْلِهِ: ؎ يا لَهْفَ ذُؤابَةَ لِلْحارِثِ الصَّ... ∗∗∗ ائِحِ فالغانِمِ فالآيِبِ عَلى مَعْنى أنَّهُمُ الجامِعُونَ بَيْنَ الإيمانِ بِما يُدْرِكُهُ العَقْلُ جُمْلَةً والإتْيانُ بِما يُصَدِّقُهُ مِنَ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ والمالِيَّةِ وبَيْنَ الإيمانِ بِما لا طَرِيقَ إلَيْهِ عَبْرَ السَّمْعِ. وكَرَّرَ المَوْصُولَ تَنْبِيهًا عَلى تَغايُرِ القَبِيلَيْنِ وتَبايُنِ السَّبِيلَيْنِ. أوْ طائِفَةٌ مِنهم وهم مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، ذَكَرَهم مُخَصَّصِينَ عَنِ الجُمْلَةِ كَذِكْرِ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ بَعْدَ المَلائِكَةِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وتَرْغِيبًا لِأمْثالِهِمْ. والإنْزالُ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنَ الأعْلى إلى الأسْفَلِ وهو إنَّما يُلْحِقُ المَعانِيَ بِتَوَسُّطِ لُحُوقِهِ الذَّواتِ الحامِلَةَ لَها، ولَعَلَّ نُزُولَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ عَلى الرُّسُلِ بِأنْ يَلْتَقِفَهُ المَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعالى تَلَقُّفًا رَوْحانِيًّا، أوْ يَحْفَظَهُ مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ فَيَنْزِلَ بِهِ فَيُبَلِّغَهُ إلى الرَّسُولِ. والمُرادُ ﴿بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ القُرْآنُ بِأسْرِهِ والشَّرِيعَةُ عَنْ آخِرِها، وإنَّما عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الماضِي وإنْ كانَ بَعْضُهُ مُتَرَقَّبًا تَغْلِيبًا لِلْمَوْجُودِ عَلى ما لَمْ يُوجَدْ. أوْ تَنْزِيلًا لِلْمُنْتَظَرِ مَنزِلَةَ الواقِعِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى﴾ . فَإنَّ الجِنَّ لَمْ يَسْمَعُوا جَمِيعَهُ ولَمْ يَكُنِ الكِتابُ كُلُّهُ مُنَزَّلًا حِينَئِذٍ. وبِما ﴿أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ وسائِرُ الكُتُبِ السّابِقَةِ، والإيمانُ بِها جُمْلَةً فَرْضُ عَيْنٍ، وبِالأوَّلِ دُونَ الثّانِي تَفْصِيلًا مِن حَيْثُ إنّا مُتَعَبِّدُونَ بِتَفاصِيلِهِ فَرْضٌ، ولَكِنْ عَلى الكِفايَةِ. لِأنَّ وُجُوبَهُ عَلى كُلِّ أحَدٍ يُوجِبُ الحَرَجَ وفَسادَ المَعاشِ. ﴿وَبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ أيْ يُوقِنُونَ إيقانًا زالَ مَعَهُ ما كانُوا عَلَيْهِ مِن أنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُها إلّا مَن كانَ هُودًا (p-40)أوْ نَصارى، وأنَّ النّارَ لَنْ تَمَسَّهم إلّا أيّامًا مَعْدُودَةً، واخْتِلافَهم في نَعِيمِ الجَنَّةِ: أهْوَ مِن جِنْسِ نَعِيمِ الدُّنْيا أوْ غَيْرِهِ؟ وفي دَوامِهِ وانْقِطاعِهِ، وفي تَقْدِيمِ الصِّلَةِ وبِناءِ يُوقِنُونَ عَلى هم تَعْرِيضٌ لِمَن عَداهم مِن أهْلِ الكِتابِ، وبِأنَّ اعْتِقادَهم في أمْرِ الآخِرَةِ غَيْرُ مُطابِقٍ ولا صادِرٍ عَنْ إيقانٍ. واليَقِينُ: إتْقانُ العِلْمِ بِنَفْيِ الشَّكِّ والشُّبْهَةِ عَنْهُ نَظَرًا واسْتِدْلالًا، ولِذَلِكَ لا يُوصَفُ بِهِ عِلْمُ البارِئِ، ولا العُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ. والآخِرَةُ تَأْنِيثُ الآخِرِ، صِفَةُ الدّارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ﴾ فَغَلَبَتْ كالدُّنْيا، وعَنْ نافِعٍ أنَّهُ خَفَّفَها بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ، وقُرِئَ « يُوقِنُونَ» بِقَلْبِ الواوِ هَمْزَةً لِضَمِّ ما قَبْلَها إجْراءً لَها مَجْرى المَضْمُومَةِ في وُجُوهٍ ووَقَتْتُ ونَظِيرُهُ: ؎ لِحُبِّ المُؤْقِدِ إنْ إلى مُؤْسى... ∗∗∗ وجَعْدَةُ إذْ أضاءَهُما الوَقُودُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب