الباحث القرآني

﴿قُلْنا اهْبِطُوا مِنها جَمِيعًا﴾ كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ، أوْ لِاخْتِلافِ المَقْصُودِ فَإنَّ الأوَّلَ دَلَّ عَلى أنَّ هُبُوطَهم إلى دارِ بَلِيَّةٍ يَتَعادُونَ فِيها ولا يَخْلُدُونَ، والثّانِي أشْعَرَ بِأنَّهم أُهْبِطُوا لِلتَّكْلِيفِ، فَمَنِ اهْتَدى الهُدى نَجا ومَن ضَلَّهُ هَلَكَ، والتَّنْبِيهُ عَلى أنَّ مَخافَةَ الإهْباطِ المُقْتَرِنِ بِأحَدِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ وحْدَها كافِيَةٌ لِلْحازِمِ أنْ تَعُوقَهُ عَنْ مُخالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، فَكَيْفَ بِالمُقْتَرِنِ بِهِما، ولَكِنَّهُ نَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا، وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما كَفى بِهِ نَكالًا لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ. وقِيلَ الأوَّلُ مِنَ الجَنَّةِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، والثّانِي مِنها إلى الأرْضِ وهو كَما تَرى. و ﴿جَمِيعًا﴾ حالٌ في اللَّفْظِ تَأْكِيدٌ في المَعْنى كَأنَّهُ قِيلَ: اهْبِطُوا أنْتُمْ أجْمَعُونَ، ولِذَلِكَ لا يَسْتَدْعِي اجْتِماعُهم عَلى الهُبُوطِ في زَمانٍ واحِدٍ كَقَوْلِكَ: جاءُوا جَمِيعًا ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ (p-74)الشَّرْطُ الثّانِي مَعَ جَوابِهِ جَوابُ الشَّرْطِ الأوَّلِ، وما مَزِيدَةٌ أُكِّدَتْ بِهِ إنَّ ولِذَلِكَ حَسُنَ تَأْكِيدُ الفِعْلِ بِالنُّونِ وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنى الطَّلَبِ، والمَعْنى: إنْ يَأْتِينَكم مِنِّي هُدًى بِإنْزالٍ أوْ إرْسالٍ، فَمَن تَبِعَهُ مِنكم نَجا وفازَ، وإنَّما جِيءَ بِحَرْفِ الشَّكِّ، وإتْيانُ الهُدى كائِنٌ لا مَحالَةَ لِأنَّهُ مُحْتَمَلٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ واجِبٍ عَقْلًا، وكَرَّرَ لَفْظَ الهُدى ولَمْ يُضْمِرْ لِأنَّهُ أرادَ بِالثّانِي أعَمَّ مِنَ الأوَّلِ، وهو ما أتى بِهِ الرُّسُلُ واقْتَضاهُ العَقْلُ، أيْ: فَمَن تَبِعَ ما أتاهُ مُراعِيًا فِيهِ ما يَشْهَدُ بِهِ العَقْلُ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فَضْلًا عَنْ أنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَكْرُوهٌ، ولا هم يَفُوتُ عَنْهم مَحْبُوبٌ فَيَحْزَنُوا عَلَيْهِ، فالخَوْفُ عَلى المُتَوَقَّعِ والحُزْنُ عَلى الواقِعِ نَفى عَنْهُمُ العِقابَ وأثْبَتَ لَهُمُ الثَّوابَ عَلى آكَدِ وجْهٍ وأبْلَغِهِ. وقُرِئَ « هُدًى» عَلى لُغَةٍ هُذَيْلٍ و « لا خَوْفَ» بِالفَتْحِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب