الباحث القرآني

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ إشارَةٌ إلى الجَماعَةِ المَذْكُورَةِ قِصَصُها في السُّورَةِ، أوِ المَعْلُومَةِ لِلرَّسُولِ ﷺ، أوْ جَماعَةِ الرُّسُلِ واللّامُ لِلِاسْتِغْراقِ. ﴿فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ بِأنْ خَصَصْناهُ بِمَنقَبَةٍ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾ تَفْضِيلٌ لَهُ، وهو مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقِيلَ: مُوسى ومُحَمَّدٌ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى لَيْلَةَ الحَيْرَةِ وفي الطُّورِ، ومُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَيْلَةَ المِعْراجِ حِينَ كانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى وبَيْنَهُما بَوْنٌ بَعِيدٌ، وقُرِئَ « كَلَّمَ اللَّهَ» و « كالَمَ اللَّهَ» بِالنَّصْبِ، فَإنَّهُ كَلَّمَ اللَّهَ كَما أنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ ولِذَلِكَ قِيلَ كَلِيمُ اللَّهِ بِمَعْنى مُكالِمِهِ. ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾ بِأنْ فَضَّلَهُ عَلى غَيْرِهِ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أوْ بِمَراتِبَ مُتَباعِدَةٍ. وهو مُحَمَّدٌ (p-153)ﷺ فَإنَّهُ خَصَّهُ بِالدَّعْوَةِ العامَّةِ والحُجَجِ المُتَكاثِرَةِ والمُعْجِزاتِ المُسْتَمِرَّةِ، والآياتِ المُتَعاقِبَةِ بِتَعاقُبِ الدَّهْرِ، والفَضائِلِ العِلْمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ الفائِتَةِ لِلْحَصْرِ. والإبْهامُ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ كَأنَّهُ العِلْمُ المُتَعَيَّنُ لِهَذا الوَصْفِ المُسْتَغْنِي عَنِ التَّعْيِينِ. وقِيلَ: إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَصَّصَهُ بِالخُلَّةِ الَّتِي هي أعْلى المَراتِبِ. وقِيلَ: إدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ . وقِيلَ: أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. ﴿وَآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ وأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ خَصَّهُ بِالتَّعْيِينِ لِإفْراطِ اليَهُودِ والنَّصارى في تَحْقِيرِهِ وتَعْظِيمِهِ، وجَعَلَ مُعْجِزاتِهِ سَبَبَ تَفْضِيلِهِ لِأنَّها آياتٌ واضِحَةٌ ومُعْجِزاتٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَسْتَجْمِعْها غَيْرُهُ. ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ﴾ أيْ هَدى النّاسَ جَمِيعًا. ﴿ما اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ مِن بَعْدِ الرُّسُلِ. ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ﴾ أيِ المُعْجِزاتُ الواضِحَةُ لِاخْتِلافِهِمْ في الدِّينِ، وتَضْلِيلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. ﴿وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنهم مَن آمَنَ﴾ بِتَوْفِيقِهِ التِزامَ دِينِ الأنْبِياءِ تَفَضُّلًا. ﴿وَمِنهم مَن كَفَرَ﴾ لِإعْراضِهِ عَنْهُ بِخِذْلانِهِ. ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلُوا﴾ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ. ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ فَيُوَفِّقُ مَن يَشاءُ فَضْلًا، ويَخْذِلُ مَن يَشاءُ عَدْلًا. والآيَةُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُتَفاوِتَةُ الأقْدامِ، وأنَّهُ يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، ولَكِنْ بِقاطِعٍ لِأنَّ اعْتِبارَ الظَّنِّ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالعَمَلِ وأنَّ الحَوادِثَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى تابِعَةٌ لِمَشِيئَتِهِ خَيْرًا كانَ أوْ شَرًّا إيمانًا أوْ كُفْرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب