الباحث القرآني

﴿ما نَنْسَخْ مِن آيَةٍ أوْ نُنْسِها﴾ نَزَلَتْ لَمّا قالَ المُشْرِكُونَ أوِ اليَهُودُ: ألا تَرَوْنَ إلى مُحَمَّدٍ يَأْمُرُ أصْحابَهُ بِأمْرٍ ثُمَّ يَنْهاهم عَنْهُ ويَأْمُرُ بِخِلافِهِ. والنَّسْخُ في اللُّغَةِ: إزالَةُ الصُّورَةِ عَنِ الشَّيْءِ وإثْباتُها في غَيْرِهِ، كَنَسْخِ الظِّلِّ لِلشَّمْسِ والنَّقْلِ، ومِنهُ التَّناسُخُ. ثُمَّ اسْتُعْمِلَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما كَقَوْلِكَ: نَسَخَتِ الرِّيحُ الأثَرَ، ونَسَخْتُ الكِتابَ. وَنَسْخُ الآيَةِ بَيانُ انْتِهاءِ التَّعَبُّدِ بِقِراءَتِها، أوِ الحُكْمِ المُسْتَفادِ مِنها، أوْ بِهِما جَمِيعًا. وإنْساؤُها إذْهابُها عَنِ القُلُوبِ، وما شَرْطِيَّةٌ جازِمَةٌ لِنَنْسَخْ مُنْتَصِبَةٌ بِهِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ما نُنْسِخْ مِن أنْسَخَ أيْ نَأْمُرُكَ أوْ جِبْرِيلَ بِنَسْخِها، أوْ نَجِدُها مَنسُوخَةً. وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو « نُنْسِأها» أيْ نُؤَخِّرُها مِنَ النَّسْءِ. وقُرِئَ « نُنْسِها» أيْ نُنْسِ أحَدًا إيّاها، و « نُنْسِها» أيْ أنْتَ، و « تُنْسَها» عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، و « نُنْسِكَها» بِإضْمارِ المَفْعُولَيْنِ ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنها أوْ مِثْلِها﴾ أيْ بِما هو خَيْرٌ لِلْعِبادِ في النَّفْعِ والثَّوابِ، ﴿أوْ مِثْلِها﴾ في الثَّوابِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِقَلْبِ الهَمْزَةِ ألِفًا. ﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَيَقْدِرُ عَلى النَّسْخِ والإتْيانِ بِمِثْلِ المَنسُوخِ، أوْ بِما هو خَيْرٌ مِنهُ. والآيَةُ دَلَّتْ عَلى جَوازِ النِّسْخِ وتَأْخِيرِ الإنْزالِ إذِ الأصْلُ اخْتِصاصُ أنَّ وما يَتَضَمَّنُها بِالأُمُورِ المُحْتَمَلَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ الأحْكامَ شُرِّعَتْ، والآياتِ نَزَلَتْ لِمَصالِحِ العِبادِ وتَكْمِيلِ نُفُوسِهِمْ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورَحْمَةً، وذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأعْصارِ والأشْخاصِ، كَأسْبابِ المَعاشِ فَإنَّ النّافِعَ في عَصْرٍ قَدْ يَضُرُّ في عَصْرٍ غَيْرِهِ. واحْتَجَّ بِها مَن مَنَعَ النَّسْخَ بِلا بَدَلٍ، أوْ بِبَدَلٍ أثْقَلَ. ونُسِخُ الكِتابُ بِالسُّنَّةِ، فَإنَّ النّاسِخَ هو المَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا والسُّنَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ والكُلُّ ضَعِيفٌ، إذْ قَدْ يَكُونُ عَدَمُ الحُكْمِ أوِ الأثْقَلُ أصْلَحَ. والنَّسْخُ قَدْ يُعْرَفُ بِغَيْرِهِ، والسُّنَّةُ مِمّا أتى بِهِ اللَّهُ تَعالى، ولَيْسَ المُرادُ بِالخَيْرِ والمِثْلِ ما يَكُونُ كَذَلِكَ في اللَّفْظِ. والمُعْتَزِلَةُ عَلى حُدُوثِ القُرْآنِ فَإنَّ التَّغَيُّرَ والتَّفاوُتَ مِن لَوازِمِهِ. وأُجِيبُ: بِأنَّهُما مِن عَوارِضِ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمَعْنى القائِمِ بِالذّاتِ القَدِيمِ. ﴿ألَمْ تَعْلَمْ﴾ الخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمُرادُ هو وأُمَّتُهُ، لِقَوْلِهِ: ﴿وَما لَكُمْ﴾ وإنَّما أفْرَدَهُ لِأنَّهُ أعْلَمَهُمْ، ومَبْدَأُ عِلْمِهِمْ. ﴿أنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ، وهو كالدَّلِيلِ عَلى قَوْلِهِ: (p-100)﴿أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أوْ عَلى جَوازِ النَّسْخِ ولِذَلِكَ تُرِكَ العاطِفُ. ﴿وَما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ وإنَّما هو الَّذِي يَمْلِكُ أُمُورَكم ويُجْرِيها عَلى ما يُصْلِحُكُمْ، والفَرْقُ بَيْنَ الوَلِيِّ والنَّصِيرِ أنَّ الوَلِيَّ قَدْ يَضْعُفُ عَنِ النُّصْرَةِ، والنَّصِيرُ قَدْ يَكُونُ أجْنَبِيًّا عَنِ المَنصُورِ فَيَكُونُ بَيْنَهُما عُمُومٌ مِن وجْهٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب