الباحث القرآني

﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الَّذِي يَحْيا بِهِ بَدَنُ الإنْسانِ ويُدَبِّرُهُ. ﴿قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾ مِنَ الإبْداعِيّاتِ الكائِنَةِ بِـ " كُنْ " مِن غَيْرِ مادَّةٍ وتُولَدُ مِن أصْلٍ كَأعْضاءِ جَسَدِهِ، أوْ وُجِدَ بِأمْرِهِ وحَدَثَ بِتَكْوِينِهِ عَلى أنَّ السُّؤالَ عَنْ قِدَمِهِ وحُدُوثِهِ. وقِيلَ مِمّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. لِما رُوِيَ: «أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِقُرَيْشٍ سَلُوهُ عَنْ أصْحابِ الكَهْفِ وعَنْ ذِي القَرْنَيْنِ وعَنِ الرُّوحِ، فَإنْ أجابَ عَنْها أوْ سَكَتَ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وإنْ أجابَ عَنْ بَعْضٍ وسَكَتَ عَنْ بَعْضٍ فَهو نَبِيٌّ، فَبَيَّنَ لَهُمُ القِصَّتَيْنِ وأبْهَمَ أمْرَ الرُّوحِ وهو مُبْهَمٌ في التَّوْراةِ.» وَقِيلَ الرُّوحُ جِبْرِيلُ وقِيلَ خَلْقٌ أعْظَمُ مِنَ المَلَكِ وقِيلَ القُرْآنُ، و ﴿مِن أمْرِ رَبِّي﴾ مَعْناهُ مِن وحْيِهِ. ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلا قَلِيلا﴾ تَسْتَفِيدُونَهُ بِتَوَسُّطِ حَواسِّكم، فَإنَّ اكْتِسابَ العَقْلِ لِلْمَعارِفِ النَّظَرِيَّةِ. إنَّما هو مِنَ الضَّرُورِيّاتِ المُسْتَفادَةِ مِن إحْساسِ الجُزْئِيّاتِ، ولِذَلِكَ قِيلَ مَن فَقَدَ حِسًّا فَقَدْ فَقَدَ عِلْمًا. ولَعَلَّ أكْثَرَ الأشْياءِ لا يُدْرِكُهُ الحِسُّ ولا شَيْئًا مِن أحْوالِهِ المَعْرُوفَةِ لِذاتِهِ، وهو إشارَةٌ إلى أنَّ الرُّوحَ مِمّا لا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ذاتِهِ إلّا بِعَوارِضَ تُمَيِّزُهُ عَمّا يَلْتَبِسُ بِهِ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلى هَذا الجَوابِ كَما اقْتَصَرَ مُوسى في جَوابِ: وما رَبُّ العالَمِينَ بِذِكْرِ بَعْضِ صِفاتِهِ. رُوِيَ: «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا قالَ لَهم ذَلِكَ قالُوا: أنَحْنُ مُخْتَصُّونَ بِهَذا الخِطابِ ؟ فَقالَ: بَلْ نَحْنُ وأنْتُمْ، فَقالُوا: ما أعْجَبَ شَأْنَكَ ساعَةً تَقُولُ ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ . وساعَةً تَقُولُ هَذا فَنَزَلَتْ. ﴿وَلَوْ أنَّما في الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أقْلامٌ﴾» وما قالُوهُ لَسُوءِ فَهْمِهِمْ لِأنَّ الحِكْمَةَ الإنْسانِيَّةَ أنْ يَعْلَمَ مِنَ الخَيْرِ والحَقِّ ما تَسَعُهُ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بَلْ ما يَنْتَظِمُ بِهِ مَعاشُهُ ومَعادُهُ، وهو بِالإضافَةِ إلى مَعْلُوماتِ اللَّهِ الَّتِي لا نِهايَةَ لَها قَلِيلٌ يَنالُ بِهِ خَيْرَ الدّارَيْنِ وهو بِالإضافَةِ إلَيْهِ كَثِيرًا.(p-266)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب