﴿وَإذْ قُلْنا لَكَ﴾ واذْكُرْ إذْ أوْحَيْنا إلَيْكَ. ﴿إنَّ رَبَّكَ أحاطَ بِالنّاسِ﴾ فَهم في قَبْضَةِ قُدْرَتِهِ، أوْ أحاطَ بِقُرَيْشٍ بِمَعْنى أهْلَكَهم مِن أحاطَ بِهِمُ العَدُوُّ، فَهي بِشارَةٌ بِوَقْعَةِ بِدْرٍ والتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الماضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، ﴿وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا الَّتِي أرَيْناكَ﴾ لَيْلَةَ المِعْراجِ وتَعَلَّقَ بِهِ مَن قالَ إنَّهُ كانَ في المَنامِ، ومَن قالَ إنَّهُ كانَ في اليَقَظَةِ فَسَّرَ الرُّؤْيا بِالرُّؤْيَةِ. أوْ عامَ الحُدَيْبِيَةِ حِينَ رَأى أنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ. وفِيهِ أنَّ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ إلّا أنْ يُقالَ رَآها بِمَكَّةَ وحَكاها حِينَئِذٍ، (p-260)وَلَعَلَّهُ رُؤْيا رَآها في وقْعَةِ بَدْرٍ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ في مَنامِكَ قَلِيلا﴾ ولِما رُوِيَ «أنَّهُ لَمّا ورَدَ ماءَهُ قالَ لَكَأنِّي أنْظُرُ إلى مَصارِعِ القَوْمِ هَذا مَصْرَعُ فُلانٍ وهَذا مَصْرَعُ فُلانٍ، فَتَسامَعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ واسْتَسْخَرُوا مِنهُ.»
وَقِيلَ رَأى قَوْمًا مِن بَنِي أُمَيَّةَ يَرْقَوْنَ مِنبَرَهُ ويَنْزُونَ عَلَيْهِ نَزْوَ القِرَدَةِ فَقالَ: «هَذا حَظُّهم مِنَ الدُّنْيا يُعْطَوْنَهُ بِإسْلامِهِمْ»، وعَلى هَذا كانَ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿إلا فِتْنَةً لِلنّاسِ﴾ ما حَدَثَ في أيّامِهِمْ. ﴿والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ﴾ عُطِفَ عَلى ﴿الرُّؤْيا﴾ وهي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، لَمّا سَمَّعَ المُشْرِكُونَ ذِكْرَها قالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أنَّ الجَحِيمَ تَحْرِقُ الحِجارَةَ ثُمَّ يَقُولُ يَنْبُتُ فِيها الشَّجَرُ، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ مَن قَدَرَ أنْ يَحْمِيَ وبَرَ السَّمَندَلِ مِن أنْ تَأْكُلَهُ النّارُ، وأحْشاءَ النَّعامَةِ مِن أذى الجَمْرِ وقِطَعَ الحَدِيدِ المُحْماةَ الحُمْرَ الَّتِي تَبْتَلِعُها، قَدَرَ أنْ يَخْلُقَ في النّارِ شَجَرَةً لا تَحْرُقُها. ولَعْنُها في القُرْآنِ لَعْنُ طاعِمِيها وُصِفَتْ بِهِ عَلى المَجازِ لِلْمُبالَغَةِ، أوْ وصَفَها بِأنَّها في أصْلِ الجَحِيمِ فَإنَّهُ أبْعَدُ مَكانٍ مِنَ الرَّحْمَةِ، أوْ بِأنَّها مَكْرُوهَةٌ مُؤْذِيَةٌ مِن قَوْلِهِمْ طَعامٌ مَلْعُونٌ لِما كانَ ضارًّا، وقَدْ أُوِّلَتْ بِالشَّيْطانِ وأبِي جَهْلٍ والحَكَمِ بْنِ أبِي العاصِي، وقُرِئَتْ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ والشَّجَرَةُ المَلْعُونَةُ في القُرْآنِ كَذَلِكَ. ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾ بِأنْواعِ التَّخْوِيفِ. ﴿فَما يَزِيدُهم إلا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾ إلّا عُتُوًّا مُتَجاوِزَ الحَدِّ.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا یَزِیدُهُمۡ إِلَّا طُغۡیَـٰنࣰا كَبِیرࣰا"}