الباحث القرآني

﴿قالَ يا قَوْمِ أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ إشارَةٌ إلى ما آتاهُ اللَّهُ مِنَ العِلْمِ والنُّبُوَّةِ. ﴿وَرَزَقَنِي مِنهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ إشارَةٌ إلى ما آتاهُ اللَّهُ مِنَ المالِ الحَلالِ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَهَلْ يَسَعُ مَعَ هَذا الإنْعامِ الجامِعِ لِلسِّعاداتِ الرُّوحانِيَّةِ والجُسْمانِيَّةِ أنْ أخُونَ في وحْيِهِ، وأُخالِفَهُ في أمْرِهِ ونَهْيِهِ. وهو اعْتِذارٌ عَمّا أنْكَرُوا عَلَيْهِ مِن تَغْيِيرِ المَأْلُوفِ والنَّهْيِ عَنْ دِينِ الآباءِ، والضَّمِيرُ في ﴿مِنهُ﴾ لِلَّهِ أيْ مِن عِنْدِهِ وبِإعانَتِهِ بِلا كَدٍّ مِنِّي في تَحْصِيلِهِ. ﴿وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكم إلى ما أنْهاكم عَنْهُ﴾ أيْ وما أُرِيدُ أنْ آتِيَ ما أنْهاكم عَنْهُ لِأسْتَبِدَّ بِهِ دُونَكم، فَلَوْ كانَ صَوابًا لَآثَرْتُهُ ولَمْ أُعْرِضْ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أنْ أنْهى عَنْهُ، يُقالُ خالَفْتُ زَيْدًا إلى كَذا إذا قَصَدْتُهُ وهو مُوَلٍّ عَنْهُ، وخالَفْتُهُ عَنْهُ إذا كانَ الأمْرُ بِالعَكْسِ، ﴿إنْ أُرِيدُ إلا الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ﴾ ما أُرِيدُ إلّا أنْ أُصْلِحَكم بِأمْرِي بِالمَعْرُوفِ ونَهْيِي عَنِ المُنْكَرِ ما دُمْتُ أسْتَطِيعُ الإصْلاحَ، فَلَوْ وجَدْتُ الصَّلاحَ فِيما أنْتُمْ عَلَيْهِ لَما نَهَيْتُكم عَنْهُ، ولِهَذِهِ الأجْوِبَةِ الثَّلاثَةِ عَلى هَذا النَّسَقِ شَأْنٌ: وهو التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ العاقِلَ يَجِبُ أنْ يُراعِيَ في كُلِّ ما يَأْتِيهِ ويَذْرُهُ أحَدَ حُقُوقِ ثَلاثَةٍ أهَمُّها وأعْلاها حَقُّ اللَّهِ تَعالى، وثانِيها حَقُّ النَّفْسِ، وثالِثُها حَقُّ النّاسِ. وكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ آمُرَكم بِما أمَرْتُكم بِهِ وأنْهاكم عَمّا نَهَيْتُكم عَنْهُ. و ﴿ما﴾ مَصْدَرِيَّةٌ واقِعَةٌ مَوْقِعَ الظَّرْفِ وقِيلَ خَبَرِيَّةٌ بَدَلٌ مِنَ ﴿الإصْلاحَ﴾ أيِ المِقْدارُ الَّذِي اسْتَطَعْتُهُ، أوْ إصْلاحُ ما اسْتَطَعْتُهُ فَحُذِفَ المُضافُ. ﴿وَما تَوْفِيقِي إلا بِاللَّهِ﴾ وما تَوْفِيقِي لِإصابَةِ الحَقِّ والصَّوابِ إلّا بِهِدايَتِهِ ومَعُونَتِهِ. ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ فَإنَّهُ القادِرُ المُتَمَكِّنُ مِن كُلِّ شَيْءٍ وما عَداهُ عاجِزٌ في حَدِّ ذاتِهِ، بَلْ مَعْدُومٌ ساقِطٌ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبارِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى مَحْضِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هو أقْصى مَراتِبِ العِلْمِ بِالمَبْدَأِ. ﴿وَإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ إشارَةٌ إلى مَعْرِفَةِ المَعادِ، وهو أيْضًا يُفِيدُ الحَصْرَ بِتَقْدِيمِ الصِّلَةِ عَلى الفِعْلِ. وفي هَذِهِ الكَلِماتِ طَلَبُ التَّوْفِيقِ لِإصابَةِ الحَقِّ فِيما يَأْتِيهِ ويَذْرُهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى، والِاسْتِعانَةُ بِهِ في مَجامِعِ أمْرِهِ والإقْبالُ عَلَيْهِ بِشَراشِرِهِ، وحَسْمُ أطْماعِ الكُفّارِ وإظْهارُ الفَراغِ عَنْهم وعَدَمُ المُبالاةِ بِمُعاداتِهِمْ وتَهْدِيدِهِمْ بِالرُّجُوعِ إلى اللَّهِ لِلْجَزاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب