الباحث القرآني
﴿فَأمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفي النّارِ لَهم فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ﴾ الزَّفِيرُ إخْراجُ النَّفَسِ والشَّهِيقُ رَدُّهُ، واسْتِعْمالُهُما في أوَّلِ النَّهِيقِ وآخِرِهِ والمُرادُ بِهِما الدَّلالَةُ عَلى شِدَّةِ كَرْبِهِمْ وغَمِّهِمْ وتَشْبِيهُ حالِهِمْ بِمَنِ اسْتَوْلَتِ الحَرارَةُ عَلى قَلْبِهِ وانْحَصَرَ فِيهِ رُوحُهُ، أوْ تَشْبِيهُ صُراخِهِمْ بِأصْواتِ الحَمِيرِ وقُرِئَ (شُقُوا) بِالضَّمِّ.
﴿خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ﴾ لَيْسَ لِارْتِباطِ دَوامِهِمْ في النّارِ بِدَوامِهِما فَإنَّ النُّصُوصَ دالَّةٌ عَلى تَأْبِيدِ دَوامِهِمْ وانْقِطاعِ دَوامِهِما. بَلِ التَّعْبِيرُ عَنِ التَّأْبِيدِ والمُبالَغَةِ بِما كانَتِ العَرَبُ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْهُ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، ولَوْ كانَ لِلِارْتِباطِ لَمْ يَلْزَمْ أيْضًا مِن زَوالِ السَّمَواتِ والأرْضِ زَوالُ عَذابِهِمْ ولا مِن دَوامِهِ دَوامُهُما إلّا مِن قَبِيلِ المَفْهُومِ، لِأنَّ دَوامَهُما كالمَلْزُومِ لِدَوامِهِ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ المَفْهُومَ لا يُقاوِمُ المَنطُوقَ. وقِيلَ المُرادُ سَمَواتُ الآخِرَةِ وأرْضُها ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ والسَّماواتُ﴾ وإنَّ أهْلَ الآخِرَةِ لا بُدَّ لَهم مِن مُظِلٍّ ومُقِلٍّ، وفِيهِ نَظَرٌ لِأنَّهُ تَشْبِيهٌ بِما لا يَعْرِفُ أكْثَرُ الخَلْقِ وجُودَهُ ودَوامَهُ، ومَن عَرَفَهُ فَإنَّما يَعْرِفُهُ بِما يَدُلُّ عَلى دَوامِ الثَّوابِ والعِقابِ فَلا يُجْدِي لَهُ التَّشْبِيهُ. ﴿إلا ما شاءَ رَبُّكَ﴾ اسْتِثْناءٌ مِنَ الخُلُودِ في النّارِ لِأنَّ بَعْضَهم وهم فُسّاقُ المُوَحِّدِينَ يَخْرُجُونَ مِنها، وذَلِكَ كافٍ في صِحَّةِ الِاسْتِثْناءِ لِأنَّ زَوالَ الحُكْمِ عَنِ الكُلِّ يَكْفِيهِ زَوالُهُ عَنِ البَعْضِ، وهُمُ المُرادُ بِالِاسْتِثْناءِ الثّانِي فَإنَّهم مُفارِقُونَ عَنِ الجَنَّةِ أيّامَ عَذابِهِمْ، فَإنَّ التَّأْبِيدَ مِن مَبْدَأٍ مُعَيَّنٍ يُنْتَقَضُ بِاعْتِبارِ الِابْتِداءِ كَما يُنْتَقَضُ بِاعْتِبارِ الِانْتِهاءِ، وهَؤُلاءِ وإنْ شَقَوْا بِعِصْيانِهِمْ فَقَدْ سَعِدُوا بِإيمانِهِمْ، ولا يُقالُ فَعَلى هَذا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: ﴿فَمِنهم شَقِيٌّ وسَعِيدٌ﴾ تَقْسِيمًا صَحِيحًا لِأنَّ مِن شَرْطِهِ أنْ تَكُونَ صِفَةُ كُلِّ قِسْمٍ مُنْتَفِيَةً عَنْ قَسِيمِهِ، لِأنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ حَيْثُ التَّقْسِيمُ لِانْفِصالٍ حَقِيقِيٍّ أوْ مانِعٍ مِنَ الجَمْعِ وها هُنا المُرادُ أنَّ أهْلَ المَوْقِفِ لا يَخْرُجُونَ عَنِ القِسْمَيْنِ، وأنَّ حالَهم لا يَخْلُو عَنِ السَّعادَةِ والشَّقاوَةِ وذَلِكَ لا يَمْنَعُ اجْتِماعَ الأمْرَيْنِ في شَخْصٍ بِاعْتِبارَيْنِ، أوْ لِأنَّ أهْلَ النّارِ يُنْقَلُونَ مِنها إلى الزَّمْهَرِيرِ وغَيْرِهِ مِنَ العَذابِ أحْيانًا، وكَذَلِكَ أهْلُ الجَنَّةِ يُنَعَّمُونَ بِما هو أعْلى مِنَ الجَنَّةِ كالِاتِّصالِ بِجَنابِ القُدُسِ والفَوْزِ بِرِضْوانِ اللَّهِ ولِقائِهِ، أوْ مِن أصْلِ الحُكْمِ والمُسْتَثْنى زَمانُ تَوَقُّفِهِمْ في المَوْقِفِ لِلْحِسابِ لِأنَّ ظاهِرَهُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونُوا في النّارِ حِينَ يَأْتِي اليَوْمُ، أوْ مُدَّةَ لُبْثِهِمْ في الدُّنْيا والبَرْزَخِ إنْ كانَ الحُكْمُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِاليَوْمِ، وعَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ مِنَ الخُلُودِ عَلى ما عَرَفْتَ. وقِيلَ هو مِن قَوْلِهِ: ﴿لَهم فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ﴾ وقِيلَ إلّا ها هُنا بِمَعْنى سِوى كَقَوْلِكَ عَلى ألِفٍ إلّا الألِفانِ القَدِيمانِ والمَعْنى سِوى ما شاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيادَةِ الَّتِي لا آخَرَ لَها عَلى مُدَّةِ بَقاءِ السَّمَواتِ والأرْضِ. ﴿إنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ مِن غَيْرِ اعْتِراضٍ.
{"ayahs_start":106,"ayahs":["فَأَمَّا ٱلَّذِینَ شَقُوا۟ فَفِی ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِیهَا زَفِیرࣱ وَشَهِیقٌ","خَـٰلِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالࣱ لِّمَا یُرِیدُ"],"ayah":"خَـٰلِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالࣱ لِّمَا یُرِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق