الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾، قال ابن عباس: يريد: من الزاد والماء وما يركبون؛ لأن سفرهم بعيد، وفي زمان شديد [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 78، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 48، وبمعناه ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 446.]]، وقال الزجاج: فتركهم العدة دليل على إرادتهم التخلف [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 450.]]، وقال غيره: هذا إشارة إلى أنهم كانوا مياسير قادرين على أخذ العدة لو أرادوا الخروج إلى الجهاد [[ذكر ذلك من غير تعيين الرازي في: "تفسيره" 16/ 78، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 501، و"الوجيز" 6/ 510 - 511.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ الانبعاث: الانطلاق في الأمر، يقال: بعثت [[في (م): (بعث).]] البعير فانبعث، وبعثته لأمر كذا فانبعث: أي نفذ فيه [[انظر: "تهذيب اللغة" (بعث) 1/ 354، و"الصحاح" (بعث) 1/ 273.]]، ومنه الحديث في عقر الناقة: "فانبعث لها رجل عارم [[عارم: أي خبيث شرير، والعُرام: الشدة والقوة والبطش. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (عرم) 3/ 223.]] " [[رواه مطولاً البخاريَ (4942)، كتاب: التفسير، سورة الشمس وضحاها، ومسلم (2855)، كتاب: الجنة، باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، والترمذي (3343)،كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الشمس وضحاها، == وأحمد في "المسند" 4/ 17.]].
قال ابن عباس في تفسير ﴿انْبِعَاثَهُمْ﴾: يريد: خروجهم معك ونحوه قول [[في (ج): (قال).]] الزجاج: (كره الله أن يخرجوا معكم) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 450.]]، قال أصحابنا: معنى: (كره الله): لم يرد الله؛ لأن الكراهة للشيء ضد الإرادة له [[انظر: "رسالة إلى أهل الثغر" للأشعري ص231، وكتاب: "أصول الدين" للبغدادي ص 102.
وهذا القول من تأويل الأشاعرة لصفات الله الفعلية وردّها إلى الإرادة، ومذهب السلف إثبات صفة الكراهة، بناء على قاعدتهم بأن الله يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
انظر: "عقيدة السلف" للصابوني ص 189، 223، وكتاب: "الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 113، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 3/ 3، 17، و"شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 685، و"مدارج السالكين" 1/ 278، و"معارج القبول" 1/ 346، 356.]].
وقوله تعالى: ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ التثبيط: ردُّك الإنسان عن الشيء يفعله، قال ابن عباس: يريد: فخذلهم وكسلهم عن الخروج [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 501، و"الوجيز" 1/ 466، وبنحوه أبوحيان في "البحر المحيط" 5/ 48.]]، وعنه أيضًا: (فحبسهم) في رواية الضحاك [[أخرجها ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1807، ومثلها رواية الكلبي كما في"تنوير المقباس" ص 194.]]، والأول في رواية عطاء، وقال الحسن: (خذلهم) [[لم أعثر عليه.]]، وهذا ظاهر في أن الله تعالى يخلق الخذلان والكفر، ألا تري [[في (ج): (ألا تراه).]] أنه [[ساقط من (ج) و (م).]] أضاف حبسهم ومنعهم من الخروج إلى نفسه في قوله: ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ [[وهذا مذهب أهل السنة قاطبة، انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 640، ولكن يجدر بالتنبيه أن الله تعالى لا يخلق الكفر في نفس إنسان إلا إذا باشر أسباب ذلك كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5].]].
وقوله تعالى: ﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾، قال ابن عباس: يعني: أولى الضرر والزمنى [[لم أجد من ذكره إلا المؤلف في "الوجيز" 1/ 466.]]، وقال عطية: يعني الصبيان والنساء [[ذكره الثعلبي 6/ 135، والبغوي 4/ 81، عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ دون تعيين القائل.]]، واختلفوا في أن هذا القول ممن كان؟ فقال بعضهم: رسول الله قال لهم لما [[في (ج): (كما)، وهو خطأ.]] استأذنوا: اقعدوا مع الخالفين غضبًا منه عليهم، ولم يقصد بذلك سوى الوعيد فاغتنموا هذه اللفظة، وقالوا: قد أذن لنا رسول الله -ﷺ- [[ذكر هذا القول مختصرًا النحاس في: "إعراب القرآن" 2/ 22، والماوردي في "النكت والعيون" 2/ 368، والخازن في "تفسيره" 2/ 230، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 8/ 156. ولا يخفى ضعف هذا القول لما يأتي:
أ- أن الأصل في اللفظ الحقيقة، ولا يجوز تجريد نفظ كلام الله من حقيقته إلا ببرهان قاطع، وليس ثمت برهان.
ب- أن الآية صُدّرت بقوله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ المشعر بأن رسول الله -ﷺ- خالف الأولى، فدد ذلك على أنه أذن للمنافقين بالقعود إذنًا حققيًّا لا صوريًّا.
جـ- أن جميع من ذكر هذا القول لم يسنده إلى شاهد حال، وإنما قيل على وجه الظن والتخمين.]]، فقال الله تعالى: ﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ والمراد لفظ الإذن لا حقيقته [[في (ج): (لا حقيقة الإذن).]]، وقال مقاتل: وحيًا إلى قلوبهم [["تفسير مقاتل" ص 129.]]، يعني أن الله ألهمهم أسباب الخذلان، وأوحى إلى قلوبهم: ﴿اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ ويجوز أن يكون بعضهم قال لبعض [[وهذا ما اعتمده البغوي في "تفسيره" 4/ 55، وانظر: "الكشاف" 2/ 193.]].
وقوله تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ﴾ الآية، قال ابن زيد: هذا تسلية للنبي ﷺ عن حزنه على تخلف من تخلف عنه من المنافقين فقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [[هذا معنى أثر ابن زيد، وقد رواه ابن جرير 10/ 145، وابن أبي حاتم 6/ 1807.]]، وقال الزجاج: أعلم الله تعالى لم كره خروجهم بقوله: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ﴾ الآية [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 450.]]، قال ابن عباس: لو خرجوا معكم [[رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" 194 من رواية الكلبي، وسنده لا يخفى.]].
وقوله تعالى: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ الخبال: الفساد والشر في كل شيء [[انظر: "الصحاح" (خبل) 4/ 1682، و"الكشاف" 2/ 194.]]، وهو مما ذكرناه في سورة آل عمران [118]، والمراد بالخبال هاهنا: الاضطراب في الرأي، وذلك [[ساقط من (ي).]] بتزيين أمر لفريق وتقبيحه عند فريق ليختلفوا فتفترق كلمتهم ولا تنتظم، يقول: لو خرجوا لأفسدوا عليكم أمركم، هذا معنى قول المفسرين [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 144، والثعلبي 6/ 112 أ، والبغوي 4/ 56.]].
قال ابن عباس في قوله: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ يريد: عجزًا وجبنا [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 501، وذكره أيضا الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 368 بلفظ: فسادًا.]]، يعني: أنهم يجبنونهم [[في (م): (يجبنوهم).]] عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليهم، وقال الكلبي: "إلا شرًّا" [[رواه الثعلبي 6/ 112 ب.]] وقال مرة [[في (ي): (المرة) والصواب ما أثبته، وهو مرة الهمداني.]]: "إلا غشًّا" [[لم أجده.]]، وقال يمان [[هو: يمان بن رئاب (بكسر الراء) البصري الخراساني، وهو ضعيف في باب الرواية.]]: "إلا مكرًا" [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 80.]]، وقال الضحاك: "إلا غدرًا" [[رواه الثعلبي 6/ 112 ب.]].
قال أصحاب النحو والعربية: هذا أمر الاستثناء المنقطع بتقدير: ما زادوكم قوة لكن طلبوا لكم الخبال، وذلك أنهم لم يكونوا على خبال فيزداودا ذلك [[انظر: "البحر المحيط" 5/ 49، و"الدر المصون" 6/ 59، وقد أنكر الزمخشري ذلك في "كشافه" 2/ 194، فقال: ("إلا خبالاً": ليس من الاستثناء المنقطع في شيء كما يقولون؛ لأن الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستنثى منه، كقولك: ما زادوكم خيرًا إلا خبالاً، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء فكان استثناء متصلاً؛ لأن الخبال بعض أعم العام كأنه قال: ما زادوكم شيئًا إلى خبالاً).]]، ويجوز أن يكونوا [[في (ي): (يكون).]] على تلون في الرأي لما يعرض في النفس، فكانوا يصيرونه خبالاً [[المعنى: أنه قد يطرأ على نفوس الصحابة شيء من اختلاف الرأي ونحوه، فإذا == وُجد هؤلاء المفسدون ضخموا هذا العارض، وتلونوا في آرائهم لتفريق الصف، وتصيير الخبال.]] فلا يكون استثناء منقطعًا.
وقوله تعالى: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾، قال النضر: وضع البعير إذا عدا، وأوضعته أنا: إذا حملته عليه [[انظر قول النضر بن شميل في: "تهذيب اللغة" (وضع) 4/ 3905.]]، ونحو ذلك قال أبو زيد [[انظر: "النوادر في اللغة" لأبي زيد ص 221.]]، وأنشد الليث [[انظر: "تهذيب اللغة" (وضع) 4/ 3905. ولم أجده في مادة (كل) و (وضع) من كتاب: العين.]]:
لماذا [[في "تهذيب اللغة" بماذا.]] تردّين امرأ جاء لا يرى .... كودّك ودًا قد أكل [[في (ج): (أذل)، وأثبت ما في (م) و (ي) لموافقته ما في المصدر السابق.]] وأوضعا [[لم أهتد إلى قائله، وانظر البيت بلا نسبة في: "تهذيب اللغة" (وضع) 1/ 3905، و"لسان العرب" (وضع) 8/ 4859.]]
وقال الفراء: العرب تقول: أوضع الراكب، ووضعت الناقة، وربما قالوا للراكب: وضع، وأنشد:
إني إذا ما كان يوم ذو فزع .... ألفيتني محتملاً بزّي [[هكذا في جميع النسخ و"تهذيب اللغة"، وفي "معاني القرآن" للفراء 1/ 440، و"لسان العرب" (وضع): (بذي. والبز: الثياب، انظر: "لسان العرب" (بزز) 1/ 274.
أما علي رواية الفراء فقد قال المحقق في حاشية الموضع السابق: قوله: بذي، كأنه يريد: بذي الناقة، أو بذي الفرس، وقد يكون المراد: محتملاً رحلي -على صيغة اسم الفاعل- بالبعير الذي أضعه، فذي هنا موصول على لغة الطائيين.]] أضع [[لم أهتد لقائلهما، والبيت الثاني بلا نسبة في "تهذيب اللغة" (وضع) 1/ 3905، و"لسان العرب" (وضع) 8/ 4859، وهما بلا نسبة أيضًا في "شرح أبيات معاني القرآن" ص 201.]] وقال الأخفش: يقال: أوضعت [[في (ج): (وضعت)، وأثبت ما في (م) و (ي) لموافقته لـ"تهذيب اللغة".]] وجئت موضعًا ولا توقعه على شيء، قال: وقد يقول بعض قيس [[هو جد قديم، وهو قيس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وبنوه قبائل كثيرة منه "هوازن" و"سليم" و"غطفان" و"باهلة". انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص 232، و"الأعلام" 5/ 207.]]: أوضعت بعيري، فلا يكون لحنا [[انظر: قول الأخفش في "تهذيب اللغة" (وضع) 1/ 3905.]]، وقال أبو عبيد: فيما روي عنه ﷺ أنه أفاض من عرفة وعليه السكينة، وأوضع في وادي محسر [[رواه النسائي في "سننه"، كتاب: مناسك الحج، باب: الأمر بالسكينة في الإفاضة 5/ 258، والدارمي في "سننه"، كتاب: المناسك، باب: الوضع في وادي محسر رقم (1891) 2/ 84، وأحمد في "المسند" 3/ 332، 367، 391، وبنحوه الترمذي (886) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الإفاضة من عرفات.]]، الإيضاع: سير مثل الخبب [["غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 460.]]، فحصل من هذه الأقوال أن الإيضاع في قول أكثر أهل اللغة معناه حمل البعير على العدو، حتى لا يجوز أن يقال: أوضع الرجل: إذا سار بنفسه سيرًا حثيثًا، [وعند الأخفش وأبي عبيد يجوز أن يقال: أوضع بمعنى سار سيرًا حثيثًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] من غير أن يراد أوضع ناقته أو بعيره، وأكثر ما جاء في الشعر (أوضع) إنما جاء من غير إيقاع على شيء، قال لبيد [[لم أجد من ذكر البيت للبيد سوى الرازي 16/ 81 وهو ناقل النص من الواحدي بدلالة السياق، والمشهور أنه لامرئ القيس وهو في "ديوانه" ص 43 ونسب إليه أيضاً في "الصحاح" (سحر) 2/ 679 مع الشك في ذلك، وعبارته: ويُنشد لامريء القيس، وذكر البيت، كما نسب إليه أيضًا في "البحر المحيط" 5/ 49، و"الدر المصون" 2/ 31، و"لسان العرب" (سحر) 4/ 1952 وبعده في الديوان: == عصافير وذبان ودود .... وأجرأُ من مجلحة الذئاب
وينسب البيت أيضًا لزهير وهو في "ديوانه" ص 100 (طبعة دار صادر ودار بيروت عام 1379 هـ) وبعده:
كما سحرت به إرم وعاد ...... فأضحوا مثل أحلام النيام
ومعنى (نسحر): (نعلل، أو نخدع، وقوله: (لحتم غيب): (في المصادر السابقة: لأمر غيب، وهو يريد الموت، انظر: "البحر المحيط" و"لسان العرب"، نفس الموضع السابق.]]: أرانا موضعين لحتم غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
أرد: مسرعين، ولا يجوز أن يريد: موضعين [[في (ي): (موضعين لحتم)، وهو خطأ.]] الإبل أو المطية؛ لأنه لم يرد السير في الطريق، وقال عمر بن أبي ربيعة:
تبالهن [[في (ج): (تناهلن)، والصواب ما أثبته كما في "شرح الديوان"، وفيه: تباهلن: تصنعن البله وتكلفنه، وأكل: أتعب راحلته، وأوضع: أي سار أشد السير.]] بالعرفان لما عرفنني ..... وقُلن امرؤ باغ أكلَّ وأوضعا [[انظر: "شرح ديوانه" ص 171.]]
والآية أيضًا تشهد لقول الأخفش وأبي عبيد.
وقوله تعالى: ﴿خِلَالَكُمْ﴾ أي: فيما بينكم، ومنه [[ساقط من (ي).]] قوله: ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ [الكهف: 33]، وقوله: ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾ [الإسراء: 5]، وأصله من الخلل وهو الفرجة بين الشيئين، وجمعه خلال [[في (ج): (خلا)، وهو سهو من الناسخ.]].
ومنه قوله: ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [النور: 43] [[الودق: المطر. انظر: "تفسير البغوي" 6/ 54.]]، وقرئ: (من خَلله) [[بفتح الخاء وبلا ألف على الإفراد، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس والضحاك ومعاذ العنبري، عن أبي عمرو والزعفراني والأعمش، انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 102، و"البحر المحيط" 6/ 464، و"إتحاف فضلاء البشر" ص 325.]] وهي مخارج مصب القطر، وقال الأصمعي: "تخللت القوم: إذا دخلت من [[في (م): (تخللت بين).]] خللهم وخلالهم" [[تهذيب اللغة" (خل) 1/ 1097.]]، ويقال: جلسنا خلال بيوت الحي، وخلال دورهم، أي جلسنا بين البيوت ووسط الدور.
قال أهل المعاني: ومعنى الإيضاع هاهنا: إسراعهم في الدخول بينهم للتضريب [[في"لسان العرب" (ضرب) 5/ 2568: ضربت الشيء بالشيء وضربته: خلطته، وضربت بينهم بالشر: خلطت، والتضريب بين القوم: الإغراء.]] ينقل الكلام على التحريف [[ذكر معناه ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 448 عن الحسن ولم أجده فيما بين يدي من كتب أهل المعاني.]]، وعلى هذا المعنى دل كلام المفسرين، قال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ يريد: أضعفوا شجاعتكم [[لم أجده بهذا اللفظ، وانظر المعنى في: "الوجيز" 6/ 512.]]، يعني: بالتضريب بينهم لتفترق الكلمة فتجبنوا عن العدو، وقال الحسن: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ بالنميمة لإفساد ذات بينكم [[ذكره ابن الجوزي في: "زاد المسير" 3/ 448، وابن القيم كما في "التفسير القيم" 2/ 358.]]، هذا هو المعنى الصحيح، وقال الكلبي: يعني ساروا بينكم يبغونكم العنت [[رواه الثعلبي 6/ 112 ب، والبغوي 3/ 56، لكنه تصحف في "تفسير البغوي"، فقال: العيب.]]، وعلى هذا قوله: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ عبارة عن سيرهم فيما بينهم فقط، وقوله تعالى: ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ حال لهذا السير ولهم، وقال أصحاب العربية في قوله: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾: أي أوضعوا مراكبهم خلالكم [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 440، و"تهذيب اللغة" (وضع) 4/ 3906، و"لسان العرب" (وضع) 8/ 4859.]]، وهو قول أبي الهيثم [[انظر: قوله في "تهذيب اللغة" (وضع) 4/ 3906.]]، ونحوه الكسائي: خيبوا [[الخبب: ضرب من العدو. انظر: "مجمل اللغة" (خب) 2/ 277.]] ركائبهم فيما بينكم [[لم أجده فيما بين يدي من مصادر.]].
ولا يكون في [[في (ي): (على).]] هذا ذمًا لهم إلا أن يحمل هذا على معنى قول الكلبي، وقال ابن الأعرابي: أي: لأسرعوا في الهرب خلالكم [[لم أجده فيما بين يدي من مصادر.]]، ونحوه قال ابن الأنباري: أسرعوا الفرار في أوساطكم [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 6/ 112 ب، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 49.]]، وهذا قول بعيد؛ لأن لفظ الآية ليس يدل على معنى الهرب، [وأي فائدة لقوله في [[كذا. ولا معنى لذكر لفظ (في).]] ﴿خِلَالَكُمْ﴾ لو أراد بالإيضاع: الهرب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]، وقال أبو إسحاق: أي: ولأسرعوا فيما يخل بكم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 451.]]، وهذا راجع إلى القول الأول وهو أنه إسراع بالنميمة، والنميمة [[ساقط من (ي).]] مما يخل بهم.
وقوله [[يعني الزجاج في قوله السابق.]]: يخل بكم، ليس من لفظ الخلال [[في (ي): (الخيال)، وهو خطأ.]]، ولا بتفسير له، بل هو مضمن في الإيضاع يعني: ولأوضعوا مخلين بكم بالنميمة، وليس الخلال من الإخلال في شيء، هذا معنى قول أبي إسحاق [[يعني الذي تقدم ذكره.]]، وكتب في المصاحف ﴿وَلَأَاوْضَعُوا﴾ بزيادة ألف ومثله: ﴿أَوْ لَأَاذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: 21] في بعضها، قال الفراء: وهو من سوء هجاء الأولين، وقال الزجاج: إنهم كانوا في ذلك الزمان يكتبون الفتحة ألفًا ولم يكن ذلك من هجاء العرب، والكتابة بالعربية ابتدئ به بقرب نزول القرآن فوقع فيه زيادات في أمكنة [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 452، ووافقه الزمخشري أيضاً في "الكشاف" 2/ 194 وخالفهم الإمام أبو عمرو الداني الذي بين أن زيادة الألف هنا لفائدة فقال: أما زيادة الألف في (لأاوضعوا) و (لأاذبحنه) فلمعان أربعة، هذا إذا كانت الزائدة فيهما المنفصلة عن اللام، وكانت الهمزة هي المتصلة باللام، وهو قول أصحاب المصاحف: فأحدها: أن تكون صورة لفتحة الهمزة، من حيث كانت الفتحة مأخوذة منها.
والثاني: أن تكون الحركة نفسها، لا صورة لها، على مذهب العرب في تصوير الحركات حروفًا.
والثالث: أن تكون دليلًا على إشباع فتحة الهمزة وتمطيطها في اللفظ؛ لخفاء الهمزة، وبعد مخرجها، وفرقًا بين ما يحقق من الحركات، وبين ما يختلس منهن، وليس ذلك الإشباع والتمطيط بالمؤكد للحروف، إذ ليس من مذهب أحد من أئمة القراءة، وإنما هو إتمام الصوت بالحركة لا غير.
والرابع: أن تكون تقوية للهمزة وبيانًا لها.
وإذا كانت الزائدة من إحدق الألفين المتصلة في الرسم باللام، وكانت الهمزة هي المنفصلة عنها وهو قول الفراء وأحمد بن يحيي من النحاة -فزيادتها لمعنيين: == أحدهما: الدلالة على إشباع فتحة اللام وتمطيط اللفظ بها.
والثاني: تقوية للهمزة، وتأكيدًا لها وبيانًا. "المحكم في نقط المصاحف" للداني ص 176، 177.]] وقوله تعالى: ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ أي: يبغون لكم، قال كعب بن زهير:
إذا ما نتجنا أربعًا عام كفأة ... بغاها خناسيرًا فأهلك أربعًا [[البيت في "شرح ديوان كعب بن زهير"، ونسب إليه أيضًا في "تهذيب اللغة" (بغى) 1/ 367، و"تهذيب إصلاح المنطق" ص 292.
وفي المصدر الأخير: نتج فلان إبله كَفأة وكُفأة: وهو أن يفرق إبله فرقتين، فيُضرب الفحل العام إحدى الفرقتين، ويدع الأخرى، فإذا كان العام المقبل أرسل الفحل في الفرقة التي لم يكن أضربها الفحل في العام الماضي، وترك التي أضربها في العام الماضي؛ لأن أفضل النتاج أن يُحمل على الإبل الفحول عاما، وتترك عامًا .. ونتج الرجل الناقة: إذا ولدت عنده، يقول: إذا نُتجت أربع من إبله أربعة أولاد، هلك من إبله الكبار أربع، فيكون ما هلك منه أعظم مما أصاب، والخناسير: الهُلاك، لا واحد له وفي (بغاها) ضمير من الجد -يعني: الحظ- هو الفاعل. "تهذيب إصلاح المنطق" 291 - 292 مختصرًا.
وقال السكري في "شرح الديوان" ص 227: يقول: إنه من شؤم حظه إذا نتج أربع نوق أتت الدواهي فأهلكتهن.]]
أي: بغى لها خناسير، وهي الدواهي، ومعنى بغى هاهنا: طلب.
الأصمعي: يقال ابغني كذا أي: اطلبه لي، ومعنى ابغني وابغ لي سواء، وإذا قال: أبغني فمعناه أعنيِّ على بُغائه [["تهذيب اللغة" (بغى) 1/ 367.]].
أبو عبيد عن الكسائي: أبغيتك [[في (ج) و (ي): (بغيتك)، هنا أثبته من (م) وهو موافق لمصدري تخريج القول.]] الشيء، إذا أردت: أعنته على طلبه، فإذا أردت أنك فعلت ذلك له [[ساقط من (ي).]] قلت: بغيته، وكذلك أعكمتك [[في (ج): (علمتك، وما في (ي): (موافق لما في "تهذيب اللغة" "لسان العرب"، يقال: عكم المتاع يعكمه عكمًا: شده بثوب، وهو أن يبسطه ويجعل فيه المتاع ويشده، ويسمى حينئذ عكمًا، والعكام، ما عكم به، وهو الحبل الذي يعكم عليه. "لسان العرب" (عكم) 5/ 306.]]، وأحلبتك [[كذا في جميع النسخ، وكذلك في "تفسير الثعلبي"، ولفظ "تهذيب اللغة" و"لسان العرب":
أحملتك، أي: أعنتك على حمل المتاع، ومعنى أحلبتك: أعنتك على حلب الناقة ونحوها كما فسره الثعلبي في "الكشف والبيان" 6/ 112 ب.]]: إذا أعنته، وعكمتك العكم [[في (ج): (علمتك العلم)، والصواب ما أثبته وهو موافق لمصدري تخريج القول.]]: أي فعلته لك [[انظر: قول الكسائي في "تهذيب اللغة" (بغى) 1/ 367، و"لسان لعرب" (بغا) 1/ 322.]]، ونحو هذا قال الفراء [[انظر: "معاني القرآن" له 1/ 440.]]، ومعنى الفتنة هاهنا: النفاق في قول ابن عباس [[لم أقف على مصدر هذا القول.]]، والشرك، في قول محمد بن مسلم [[يعني ابن قتيبة، انظر: "تفسير غريب القرآن"، له ص 196.]]، باختلاف كلمتهم وافتراقهم فيما بينهم وذلك شرك ونفاق، وهو أن يختلفوا على النبي -ﷺ- [[قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" 2/ 397 - 398 عند تفسير قول الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾: فليحذر وليخشى من خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا (أن تصيبهم فتنة) أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة.]]، وقال الكلبي: يبغونكم العنت، يبطئونكم [[في (ي): (يبغونكم الفتنة يثبطونكم).]] [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 6/ 112 ب، والبغوي في "تفسيره" 4/ 56 بلفظ: العنت والشر.]].
وقوله تعالى: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ أي: عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم، هذا قول مجاهد [[رواه ابن جرير10/ 146، وابن أبي حاتم 6/ 1809، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 443.]] وابن زيد [[رواه ابن جرير10/ 146، وابن أبي حاتم 6/ 1809.]] والكلبي [[لم أقف على مصدر قوله.]]، وقال قتادة: وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم [[رواه ابن جرير 10/ 146، والثعلبي 6/ 112 ب.]]، وقال ابن إسحاق: وفيكم قوم أهل محبة لهم وطاعة [فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم [["السيرة النبوية" لابن هشام 4/ 208.]]، ومعناه على هذا: وفيكم أهل سمع لهم وطاعة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] لو صحبهم هؤلاء المنافقون أفسدوهم عليكم [[في (ي): (عليك).]] بتثبيطهم إياهم عن [[في (ي): (على).]] السير معكم، وكل هذا إخبار عن حال المنافقين من حرصهم على خبال المؤمنين وطلب الغوائل لهم [[المنافق لا يخرج للجهاد إلا تقية وخوفًا من المسلمين، أو طمعًا في غنيمة، ثم هو ذو قلب حائر يبث الخور والضعف في الصفوف، وذو نفس خائنة تمثل خطرًا على الجيش، فمثله لا يزيد المسلمين قوة، بل فوضى واضطرابًا، وفتنة وتفريقًا، وهي العامل الأساسي في انهيار الجيوش وهزيمتها.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾، قال ابن عباس: (يريد المنافقين) [["تنوير المقباس" ص 194، و"الوسيط" 2/ 501.]].
{"ayah":"۞ وَلَوۡ أَرَادُوا۟ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةࣰ وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِیلَ ٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق