الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ الآية، النصر: المعونة على العدو خاصة، والمواطن، وهو كل مقام أقام به الإنسان لأمر، ومثله الوطن [[في (ى): (الموطن).]]، والأوطان: كالمواطن، وأوطن فلان أرض كذا: أي: اتخذها محلا ومسكنًا يقيم فيها [[انظر: كتاب "العين" (وطن) 7/ 454، و"تهذيب اللغة" (وطن) 4/ 3911.]]، قال الزجاج: "في مواطن: أي في أمكنة" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 439.]]، وقال الفراء: "مواطن لا تنصرف؛ لأنه مثال لم يأت عليه شيء من الأسماء المفردة [[يعني الأسماء التي تدل على الواحد، قال الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 440: "ومعنى ليس على مثال الواحد: أي ليس في ألفاظ الواحد ما جاء على لفظه، وأنه ألا يجمع كما يجمع الواحد جمع تكسير".]]، وأنه غاية للجمع إذا انتهى الجمع إليه فينبغي أن لا يجمع، ألا ترى أنك لا تقول: دراهمات ولا دنانيرات ولا مساجدات، وربما اضطر إليه الشاعر فجمعه وليس يوجد [في الكلام] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] ما يجوز في الشعر، قال الشاعر [[هو: الأحمر كما في "لسان العرب" (حدد) 2/ 800، وانظر البيت بلا نسبة في: "معاني القرآن" للزجاج 2/ 439، و"الخصائص" 3/ 236، وكتاب "الحلل" (ص 405)، و"المذكر والمؤنث" لابن الأنباري 2/ 305، و"خزانة الأدب" 1/ 208. ورواية البيت في جميع هذه المصادر: فهن يعلكن ... إلخ.
والبيت ضمن أبيات في وصف الخيل منها:
أصبحن في قرح وفي داراتها ... سبع ليال غير معلوفاتها
فهن يعلكن ... إلخ.]]:
فهن يجمعن حدائداتها
فهذا من المرفوض [[في (ى): (الفروض)، وهو تصحيف.]] إلا في الشعر" [["معاني القرآن" 1/ 428 بتصرف يسير.]]. انتهى كلامه.
ومعنى هذا أن الجمع من العلل المانعة للصرف، وهذا النوع من [الجمع غاية] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] المجموع، فكأن الجمع قد تكرر فيه فصارت هذه العلة تقوم مقام علتين فأوجبت ترك الصرف.
وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾، قال الزجاج [[ساقط من (ى).]]: "أي: وفي يوم حنين، أي: ونصركم في يوم حنين" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 439.]]، ونحو ذلك قال ابن عباس: "ونصركم يوم حنين" [["تنوير المقباس" ص190بمعناه.]]، قال قتادة: "حنين: واد بين مكة والطائف قاتل عليه نبي الله ﷺ هوازن وثقيفًا" [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1772.]].
وجرى [[إجراء الاسم عند الكوفيين: صرفه وتنوينه، وعدم إجرائه: منع صرفه.]] (حنين) لأنه اسم مذكر [سمي به مذكر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي)، وليس موجودا في "معاني القرآن" للفراء.]] نحو: بدر وأحد وحراء وثبير [[ثبير: جبل معروف عند مكة المكرمة انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (ثبر) 1/ 207.]]، وربما جعلت العرب حنين [[هكذا في جميع النسخ، والأولى: حنينًا؛ لأنه صرف بدرًا بعده.]] وبدرًا اسمًا للبلدة والبقعة فلا يُجْرونه [[بضم الياء وإسكان الجيم.]] نحو قول الشاعر [[هو: جرير كما في "كتاب سيبويه" 2/ 24، و"لسان العرب" (حرى) 2/ 853، وليس في ديوانه، وانظر البيت بلا نسبة في: "الصحاح" (حرا) 6/ 2312، و"المقتضب" 3/ 359، و"الدر المصون" 6/ 37، وصدر البيت عند سيبويه والمبرد هكذا:
ستعلم أينا خيرٌ قديمًا
قال ابن بري: هكذا أنشده سيبويه، وهو لجرير، وأنشده الجوهري: ألسنا أكرم الثقلين طرًّا .. " اهـ "لسان العرب"، الموضع السابق.]]:
ألسنا أكثر الثقلين رحلًا ... وأعظمهم ببطن حراء نارًا
وقال آخر [[هو: حسان بن ثابت -رضي الله عنه- والبيت في "ديوانه" ص 194، و"لسان العرب" (حنن) 2/ 1032، وبلا نسبة في "الصحاح" (حنن) 5/ 2105، ورواية الديوان والفراء وغيرهما هكذا: يوم تواكل الأبطال.]]:
نصروا نبيهم وشدوا أزره ... بحنين حين تواكل الأبطال هذا قول الفراء وكلامه [[يعني من قوله: وجرى (حنين)، انظر: "معاني القرآن" 1/ 429.]].
قال المفسرون: "لما افتتح رسول الله -ﷺ- مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان، خرج متوجهًا إلى حنين لقتال هوازن وثقيف" [[انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1772 - 1773، والثعلبي 6/ 88 أ، والبغوي 4/ 25، وانظر الآثار الواردة في غزوة حنين في "الدر المنثور" 3/ 404 - 408.]].
وقوله تعالى: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾، قال قتادة: "كانوا اثنى عشر ألفاً" [[رواه ابن جرير 10/ 100، والثعلبي 6/ 88 أ، والبغوي 4/ 26.]]. وقال مقاتل: "كانوا أحد [[في (ى): (إحدى)، والصواب ما أثبته، وهو موافق لما في "تفسير مقاتل".]] عشر ألفًا وخمسمائة" [["تفسير مقاتل" ص127 ب.]]. وقال الكلبي: "كانوا عشرة آلاف، وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط" [["تفسير الثعلبي" 6/ 88 أ، والبغوي 4/ 26، والرازي 15/ 21.]].
وقال عطاء عن ابن عباس: "خرج رسول الله -ﷺ- من مكة إلى حنين في ستة عشر ألفًا، وكان معه رجل من الأنصار يقال له: سلمة بن سلامة بن وقش [[هو: سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة الأشهلي الأنصاري شهد العقبتين وبدرًا وأحدًا والمشاهد، توفي سنة 34 هـ، وقيل سنة 45 هـ.
انظر: "التاريخ"الكبير" 4/ 68 (1986)، و"سير أعلام النبلاء" 2/ 355، و"الإصابة" 2/ 95 (3381).]] فعجب لكثرة الناس، فقال: لن نغلب اليوم من قلة، فساء رسول الله ﷺ كلامه، ووكلوا إلى كلمة الرجل، فذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ " [[ذكره المصنف في "الوسيط" 2/ 487، وذكر بعضه الزمخشري في الكشاف 2/ 182، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 413.]].
وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ [[في (ي): (فلن)، وهو خطأ محض.]] تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا﴾ معنى الإغناء: إعطاء ما يدفع الحاجة.
وقوله: ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا﴾ أي لم تعطكم شيئًا يدفع حاجتكم، قال الزجاج: "أعلمهم الله أنهم ليس بكثرتهم يغلبون، وأنهم إنما يغلبون بنصر الله إياهم" [[اهـ كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 440.]]، فوكلوا ذلك اليوم إلى كثرتهم؛ فانهزموا ثم تداركهم الله بنصره حتى ظفروا.
وقوله تعالى: ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ يقال: رحب يرحب رحبًا ورحابة، قال ابن شميل: "ضاقت عليه بما رحبت [[هكذا، وفي "تهذيب اللغة": "ضاقت عليهم الأرض بما رحبت" ... إلخ.]]: أي: على رحبها وسعتها" [["تهذيب اللغة" (رحب) 2/ 1387.]]، فمعنى قوله: ﴿بِمَا رَحُبَتْ﴾ أي برحبها، ومعناه: مع رحبها، و"ما" ههنا مع الفعل بمنزلة المصدر كقوله: ﴿لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ [يس: 26، 27] أي بمغفرته لي، ومعنى الآية: إنكم لشدة ما لحقكم من الخوف ضاقت عليكم الأرض فلم تجدوا فيها موضعًا يصلح لكم لفراركم عن عدوكم.
قال ابن عباس: "يقول: هي واسعة، ولكم فيها رحاب ومتسع، فضاقت عليكم لموضع العجب" [["تنوير المقباس" ص190 بمعناه مختصرًا.]].
قال الزجاج: "جعل الله عقوبتهم على إعجابهم بالكثرة أن رَعَبهم [[بفتح العين غير المشددة، أي: أفزعهم وأخافهم، و"لسان العرب" (رعب) 3/ 1667.]] حتى ولّوا مدبرين" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 440.]].
قال البراء بن عازب: كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا وأكببنا [[في (ى): (وانحنينا)، وفي "الصحيحين": فأكببنا.]] على الغنائم فاستقبلونا [[في (ى): (فاستقبلوا).]] بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله -ﷺ-، ولم يبق معه إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث" [[رواه مختصرًا البخاري في "صحيحه" (4315)، كتاب: المغازي، باب قول الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ...﴾، ومسلم في "صحيحه" (1776)، كتاب الجهاد والسير.]]، قال البراء: "والذي لا إله إلا هو ما ولى رسول الله -ﷺ- دبره قط، لقد رأيته، وأبو سفيان آخذ بالركاب [[الركاب: موضع في سرج الدابة، وهو كالغرز للرجل. انظر "القاموس المحيط"، فصل الراء، باب الباء 9155، و"لسان العرب" (ركب) 3/ 1713.]]، والعباس آخذ بلجام الدابة، وهو يقول:
"أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب"
وطفق يركض بغلته نحو الكفار لا يألو، وكانت بغلة شهباء، ثم قال للعباس: " [ناد: يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، وكان العباس رجلاً صيتًا، فجعل ينادي: يا عباد الله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]، يا أصحاب [[في (ح): يا معشر أصحاب الشجرة.]] الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فجاء المسلمون حين سمعوا صوته عنقًا واحداً [[العنق: الجماعة الكثيرة من الناس، وجاء القوم عنقًا عنقًا: أي طوائف. انظر: "لسان العرب" (عنق) 10/ 273.]]، وأخذ رسول الله -ﷺ- بيده كفًا من الحصباء فرماهم بها، وقال: " شاهت الوجوه"، فما زال أمرهم مدبرًا، وحدهم كليلًا حتى هزمهم الله، ولم يبق منهم أحدٌ يومئذٍ إلا وامتلأت عيناه من ذلك التراب" [[هذا الأثر ملفق من عدة روايات، وليس للبراء وحده كما يدل عليه صنيع المؤلف، وهو نقله عن الثعلبي مع التصرف، والثعلبي صرح بأنه لفقه من عدة روايات فقال: (وكانت قصة حنين على ما ذكره المفسرون بروايات كثيرة لفقتها ونسقتها لتكون أقرب إلى الأفهام، وأحسن للنظام). "تفسير الثعلبي" 6/ 88 أ، بل إن الثعلبي ميّز قول البراء من قول غيره، وعلى أي حال فهذا الأثر ملفق من الروايات التالية:-
1 - رواية البراء، وقد رواها الثعلبي 6/ 88/ ب بلفظ المؤلف، وهي تنتهي عند لفظ "عبد المطلب" وبنحوها رواها البخاري (4315)، كتاب: المغازي، باب قول الله تعالى: ﴿ويوم حنين ..﴾ 5/ 310، ومسلم (1776)، كتاب الجهاد والسير.
2 - رواية العباس بن عبد المطلب، رواها مسلم (1775)، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، وأحمد في "المسند" 1/ 207.
3 - رواية قتادة، رواها ابن جرير 10/ 104.
4 - رواية سلمة بن الأكوع، رواها مسلم (1777)، كتاب الجهاد، باب في غزوة حنين.]].
{"ayah":"لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِی مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق