الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ الآية، ذكر المفسرون أقوالًا في نزول هذه الآية فقال ابن عباس في رواية الوالبي: "قال العباس: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج، فأنزل الله هذه الآية" [[رواه الثعلبي 6/ 86 أ، والبغوي 4/ 22، وبنحوه ابن جرير 10/ 95، وابن أبي حاتم 6/ 1768.]]، وقال في رواية العوفي: "إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير من الإيمان والجهاد، فأنزل الله هذه الآية" [[رواه ابن جرير 10/ 95، وابن أبي حاتم 6/ 1768، والثعلبي 6/ 86 أ.]]. وقال الحسن والشعبي والقرظي: "افتخر علي والعباس وطلحة بن شيبة [[قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "طلحة بن شيبة لا وجود له، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة". انظر: "منهاج السنة" 5/ 18.]]: فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه؛ ولو أشاء بتُّ فيه، وقال العباس: [أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]: أنا صاحب الجهاد، فأنزل الله هذه الآية" [[ذكر الأثر عنهم الثعلبي 6/ 86 أ، والواحدي في "أسباب النزول" 248، والبغوي 4/ 22، ورواه ابن جرير 10/ 96 عن القرظي بلفظه، وعن الحسن والشعبي بمعناه مختصرًا، وفي سند ابن جرير عن القرظي علتان: جهالة أحد رواته، والإرسال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 5/ 18 - 19: "هذا اللفظ لا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة، بل ودلالات الكذب عليه ظاهرة".]]. والسقاية: الموضع الذي يتخذ فيه [[في (ح): (منه).]] الشراب في المواسم وغيرها، ومنه قوله تعالى: ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ [يوسف: 70]، يعني إناء، قاله الليث [["تهذيب اللغة" (سقي) 2/ 1715، والنص موجود بنحوه في كتاب "العين" (سقي) 5/ 189.]]، قال: وسقاية الحاج: سقيهم الشراب" [[المصدرين السابقين، نفس الموضع.]]. فالسقاية يجوز أن تكون اسمًا، ويجوز أن تكون مصدرًا، كالرعاية والحماية [[في (ى): (والرعاية)، وهو خطأ.]]، فإن جعلته اسمًا فالمعنى: أجعلتم أهل [["أهل" ساقط من (ى).]] سقاية الحاج أو [[في (ى): (و).]] أصحابها؟ ثم حذفت المضاف، وإن جعلته مصدرًا فهو مصدرٌ يراد به الفاعل على تقدير: أجعلتم ساقي الحاج [أو سقاة [[في (ح): (سقاية). وهو خطأ.]] الحاج] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] وعمار [[في (ح) و (ى): (وعمارة)، وهو خطأ.]] المسجد، كمن آمن [[قال ابن جني: ولست أدفع مع هذا أن يكون "سقاية الحاج" جمع ساق، و"عمارة المسجد الحرام" جمع عامر، فيكون كقائم وقيام، وصاحب وصحاب، وراع ورعاء، إلا أنه أنث (فعالًا) على ما مضى فصار كحجارة وعيارة ... إلخ". "المحتسب" 1/ 286.]]، وإن شئت تركتها مصدرًا وأضمرت المضاف في قوله: ﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ فقلت: التقدير: أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن؟ وهذه الوجوه ذكرها الفراء [["معاني القرآن" 1/ 427 وقد ذكر وجهًا واحداً وهو أن "السقاية" و"العمارة" مصدر يكفي من الاسم.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 438، وقد ذكر وجهًا واحداً، وهو أن المضاف محذوف، والتقدير: أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد.]] وابن الأنباري [[في كتابه "معاني القرآن" ولم يُعثر عليه حتى الآن.]]، وقد استقصينا ما في هذا عند قوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [[من الآية: 177 من سورة البقرة. وانظر "النسخة الأزهرية" 1/ 107 ب وقد قال في هذا الموضع: "ولكن البر من آمن بالله" البر مصدر، ولا يخبر عن المصادر بالأسماء و (من) اسم، واختلف النحويون وأهل المعاني في وجهه، وقال أبو عبيدة: البر ههنا بمعنى البار، والفاعل قد يسمى بالمصدر .. وحكى الزجاج أن معناه: ذا البر فحذف كقوله "هم درجات عند الله" أي ذو درجات، وقال قطرب والفراء: معناه: ولكن البر بر من آمن فحذف المضاف ..).]]، قال الحسن: "وكانت السقاية نبيذ زبيب" [[ذكره الثعلبي 6/ 86 ب، وابن الجوزي 3/ 410.]] وقوله تعالى: ﴿وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، قال ابن عباس: "يريد: تجميره وتخليقه [[التجمير: التبخير بالعود، والتخليق: الطلي بالخلوق، والخلوق: طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه العمرة والصفرة. انظر: "لسان العرب" (جمر) 2/ 675 و (خلق) 2/ 1247.]] " [[ذكر الأثر ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 411، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 486.]]. وقوله تعالى: ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: "أخبر أن عمارتهم المسجد الحرام، وقيامهم على السقاية لا ينفعهم عند الله مع الشرك [[في (م): (الشريك).]] بالله، [وأن الإيمان بالله والجهاد مع نبيه خير مما هم عليه" [[رواه الثعلبي 6/ 86 أبهذا اللفظ، ورواه ابن جرير 10/ 95 بنحوه مع تقديم ما بين المعقوفين على ما قبلها.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ أي قد هدى المؤمنين الذين وصفهم، ولم يهد الذين سووا بهم [[يعني التسوية المذكورة في قوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ الآية، وعبارة المؤلف ليست على إطلاقها فإن ممن سوي بهم العباس وشيبة بن عثمان، وقد هداهما الله تعالى.]]، وقال مقاتل: "لا يستوون عند الله في الفضل" [["تفسير مقاتل" ص 127 ب.]]، وقال الكلبي: "في الثواب" [["تنوير المقباس" ص189 عنه عن ابن عباس.]]، وقال الأشتر بن عبد الله [[هكذا في (م) و (ى) وفي (ح): (الأشترين عند الله)، ولم أجد فيما بين يدي من مصادر من اسمه الأشتر بن عبد الله، وأرجح أن في النص تصحيف، والصواب: وقال -يعني الكلبي-: الأشرين عند الله الذين زعموا .. الخ، ويؤكد هذا أن الأثر قد رواه ابن جرير 10/ 95، وابن أبي حاتم 6/ 1769 عن ابن عباس من طريق العوفي دون قوله "الأشرين عند الله"، وقد روي عن العرب صيغة أفعل التفضيل "أشر" وإن كانت لغة قليلة ورديئة كما في "الصحاح" (شرر) 2/ 695، و"لسان العرب" (شرر) 4/ 2232.]]. "الذين زعموا أنهم أهل العمارة سماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئًا".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب