الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ أي: إنما يعمرها بحقها من آمن بالله، وقال رسول الله -ﷺ- "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان؛ فإن الله -عز وجل- يقول ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ " [[رواه الترمذي في "سننه" (3093)، كتاب التفسير، باب ومن سورة التوبة، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أيضًا الدارمي في "سننه"، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات، رقم (1223) 1/ 302، وأحمد في "المسند" 3/ 68، 76، والحاكم في "المستدرك"، كتاب الصلاة 1/ 212 وصححه، وتعقبه الذهبي بأن في سنده دراجًا وهو كثير المناكير. قلت: وجميع أسانيد هذا الحديث في مصادره السابقة تدور على دراج بن سمعان عن أبي الهيثم وهي ضعيفة. قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "التقريب" ص 201 (1824): (صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. وضعف الحديث أيضًا الألباني في "ضعيف الجامع الصغير وزياداته" رقم (608) 1/ 184.]]، وهذا يدل على أن المراد بالعمارة دخول المسجد والقعود فيه. وقوله تعالى: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾، قال ابن عباس: "يعني المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان" [[لم أقف على مصدره.]]، والإيمان بالله يجمع الصلاة والزكاة، ولكنهما من أوكد أقسام الإسلام وما أوجبه الإيمان، فذكرهما، قال الزجاج: "ولم يذكر الرسول ﷺ في هذا [[في (ى): (في هذه الآية)، وما أثبته موافق لما في المصدر التالى.]]؛ لأن في قوله: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ دليل على تصديقه؛ لأن المعنى: وآتى الزكاة التي أتى بتحديدها الرسول ﷺ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 438 بتصرف.]]. قال أهل المعاني: "يريد من كان بهذه الصفة كان من أهل عمارة المسجد، وليس المعنى أن من عمرها كان بهذه الصفة" [[انظر: "زاد المسير" 3/ 409، و"الوسيط" 2/ 484، ولم أجده في كتاب أهل المعاني.]]، غير أنه قلَّ من يعمرها إلا وقد جمع هذه الصفات، كما قال رسول الله -ﷺ- في الخبر الذي ذكرنا. وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾، قال الزجاج: "تأويله: لم يخف في باب الدين إلا الله جل وعز" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 438، وليس فيه لفظ (جل وعز).]]. وقال أهل المعاني: "يعني: لا يترك هذه العبادات لخشية أحد ولكن يخشى الله فيقيم ذلك، والخشية من غير الله المنهي عنها أن يترك أمر الله لخشية غيره، فأما أن يخشى الناس خشية لا تؤديه إلى ترك أمر الله فليس بمنهى عنه" [[ذكر العلماء أن الخشية والخوف أربعة أقسام: == الأول: خوف السر، وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء من مرض أو فقر ونحو ذلك بقدرته ومشيئته، فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلاً، ومن خاف غيره هذا الخوف فهو مشرك شركًا أكبر. قال تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40]. الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الطاعة من غير عذر إلا خوف الناس، فهذا محرم. الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة، وهذا من أعلى مراتب الإيمان. الرابع: الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو أو سبع ونحو ذلك، فهذا لا يذم، وهو الذي ذكره الله عن موسى-عليه السلام- في قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 22]. انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص 486، و"فتح المجيد" ص 352.]]. وقوله تعالى: ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ أي فأولئك هم المهتدون، وعسى من الله واجبة، ولكن ذكر بلفظ "عسى" ليكونوا على رجاء وطمع وحذر، وابن عباس والمفسرون يقولون: "عسى واجبة من الله" [[رواه عن ابن عباس، ابن جرير 10/ 94، وابن أبي حاتم 6/ 1766 من طريق علي ابن أبي طلحة الوالبي وهو في صحيفته ص260، وقد ذهب إلى هذا القول الثعلبي 6/ 85 ب، والبغوي 4/ 20، والماوردي 2/ 348، والقرطبي 8/ 91 وغيرهم، ولم أجده عن الحسن.]]، ومعنى الاهتداء ههنا الإمساك بطاعة الله التي تؤدي إلى الجنة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب