الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ﴾ الآية، هذه واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام فهو متصل بذكر المنافقين وفي ﴿يَرَوْنَ﴾ قراءتان الياء والتاء [[قرأ حمزة ويعقوب بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. انظر: "الغاية في القراءات العشر" 1689، "إرشاد المبتدي" ص 357، "تقريب الشر" ص 121.]]، فمن قرأ بالتاء فهو خطاب للمؤمنين على معنى التنبيه، وقال سيبويه عن الخليل في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الحج:63]، المعنى: انتبه! أنزل الله من السماء ماءً، فكان كذا وكذا [["كتاب سيبويه" 3/ 40بنحوه، وذكره أبو علي الفارسي في "الحجة" 4/ 232 بلفظ المؤلف.]]، والمعنى في هذه الآية: أن المؤمنين نُبِّهوا على إعراض المنافقين عن النظر والتدبر لما ينبغي أن ينظروا فيه [[ساقط من (ح).]] ويتدبروه. ومن قرأ بالياء فمعناه التقريع بالإعراض عن التوبة للمنافقين من غير أن يُصرف التنبيه إلى المسلمين [[في (ى): (المؤمنين).]] في الخطاب؛ لأن المسلمين قد عرفوا ذلك من أمرهم. والرؤية على ما ذكرنا بمعنى العلم، ويجوز أن تكون من رؤية العين المتعدية إلى مفعولين وسدَّ (أن) مسدهما، وهذا الوجه أولى؛ لأن معنى الآية أنهم يُستبطؤون [[في (ى): (يستبطنون)، والصواب: ما أثبته وهو موافق لما في "الحجة للقراء السبعة" 4/ 233، الذي نُقل منه النص.]] على مشاهدة ما يفتتنون [[في (م): (يفتنون).]] به في الاعتبار والإقلاع عما هم عليه من النفاق، وهذا أبلغ في هذا الباب؛ ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المضرب عما يحس ويشاهد. وقوله تعالى: ﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾، قال ابن عباس في رواية عطاء: يمتحنون بالمرض في كل عام مرة أو مرتين [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 233، ورواه بمعناه مختصرًا بن أبي حاتم 6/ 1915 من رواية الضحاك.]]. ﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ﴾ من النفاق، ولا يتعظون بذلك المرض، كما يتعظ المؤمن إذا مرض ذكر ذنوبه وموقفه بين يدي الله، فيزيده ذلك إيمانًا وخوفًا من الله، وازداد الله له رحمة ورضوانًا. وهذا قول عطية قال: يفتنون بالأمراض والأوجاع وهن روائد الموت [[رواه الثعلبي 6/ 164 ب.]]، وهذا اختيار أبي علي قال: إنهم يمتحنون بالأمراض والأسباب التي لا يؤمن معها الموت، فلا يرتدعون عن كفرهم، ولا ينزجرون عما هم عليه من النفاق، ولا يُقَدِّمون عملًا صالحًا يقدمون عليه إذا ماتوا [["الحجة" للقراء السبعة 4/ 232.]]. وقال مجاهد: يفتنون بالقحط والجوع [[رواه ابن جرير 11/ 73، 74، وابن أبي حاتم 4/ 113 ب، والثعلبي 6/ 164 ب، والبغوي 4/ 115.]]. وقال قتادة: بالغزو والجهاد [[المصادر السابقة، نفس الموضع.]]؛ وذلك أنهم كانوا إذا نقضوا العهد بعث إليهم رسول الله ﷺ بالسرايا فيقتلونهم [[ليس للمنافقين عهد حتى ينقضوه، وليسوا من أهل الحرب حتى يبعث إليهم النبي ﷺ بالسرايا، بل ظاهرهم الإسلام والولاء والطاعة، ولذا تعليل المؤلف قول قتادة بما ذكره فيه نظر، بل قول قتادة يحتمل أحد ثلاثة أمور: أ- أنهم يفتنون بالغزو والجهاد فيتخلفون بغير عذر فيظهر نفاقهم. ب- أنهم يفتنون بالغزو والجهاد فيخرجون ويتعرضون للقتل قبل التوبة والإيمان الصحيح. ج- أنهم يبتلون بالغزو والجهاد فيرون تصديق ما وعد الله ﷺ رسوله من النصر والظفر، وهذا معنى قول الحسن البصري كما في "تفسير الثعلبي" 6/ 164 ب، بل نسبه القرطبي 8/ 299 إلى قتادة نفسه.]]، وكل هذا من أسباب الموت التي يجب أن يتعظوا ويعتبروا بها. وقال مقاتل [[هو ابن حيان، انظر قوله في "تفسير الثعلبي" 6/ 164 ب، والبغوي 4/ 115، وابن الجوزي 3/ 519.]]: يفضحون بإظهار نفاقهم، وهذا اختيار ابن الأنباري؛ قال: إنهم كانوا يجتمعون على ذكر رسول الله ﷺ بالطعن عليه، وكان جبريل يخبره بذلك فيوبخهم ويعظهم، فلا يتعظون ولا يرجعون عن ذلك [[ذكر هذا القول الرازي في "تفسيره" 16/ 233 دون تعيين القائل.]]. قال أهل المعاني: وهذه الآية بيان عما يوجبه تقلب الأحوال مرة بعد مرة من تذكر العبرة التي تدعو إلى إخلاص الطاعة والتوبة من كل خطيئة لشدة الحاجة إلى من يكشف البلية ويسبغ النعمة [[لم أقف عليه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب