الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ الآية، يروى عن ابن عباس في معنى التوبة على النبي ﷺ أن ذلك لإذنه للمنافقين في التخلف عنه [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 8/ 278.]]، وقد مر ذلك. وقال أبو عبيدة: (هو مفتاح كلام كقوله تعالى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: 41] [[ذكره الثعلبي 6/ 156 أ، وابن الجوزي 3/ 511، والقرطبي 8/ 278، و"الخازن" 2/ 268، منسوبًا لأهل المعاني ولم أجد من ذكره عن أبي عبيدة، وليس في كتابه "مجاز القرآن".]]. ومعني هذا أن ذكر النبي ﷺ[بالتوبة عليه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] هاهنا تشريف للمهاجرين والأنصار، كما أن ضم اسم الله تعالى إلى اسم الرسول إنما هو تشريف للرسول فقط، فأما توبة الله على المهاجرين والأنصار فمن ميل [[في (ح): (مثل).]] قلوب بعضهم إلى التخلف عنه وهو قوله: ﴿كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ ويذكر ذلك، ولكن الله تعالى قدم ذكر التوبة فضلًا منه، ثم ذكر ذنبهم. وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾، قال أبو إسحاق: (معناه في وقت العسرة لأن الساعة تقع على كل الزمان) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 474.]] فهي عبارة [[في (ح): (جماعة)، وهو خطأ.]] عن جميع وقت تلك الغزوة، وهذا معنى قول الكلبي: (في حين العسرة) [["تنوير المقباس" ص 205.]]. وقال غيره: (يريد أشد الساعات التي مرت بهم في تلك الغزوة) [[انظر: "المحرر الوجيز" 7/ 67 - 68، و"تفسير القرطبي" 8/ 278.]]، وهي الساعة التي كادت قلوبهم تزيغ فيها، والعسرة: تعذر الأمر وصعوبته، قال جابر: (هي عسرة الظهر، وعسرة الماء، وعسرة الزاد) [[رواه ابن جرير 11/ 55، وابن المنذر وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 512، وذكره بغير سند الثعلبي 6/ 156 أ.]]. أما عسرة الظهر فقال الحسن: (كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم) [["تفسير الثعلبي" 6/ 156 أ، والبغوي 4/ 104، والقرطبي 8/ 279.]]. وعسرة الزاد أنه [[ساقط من (ى).]] ربما مص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها حتى لا يبقى من التمرة إلا النواه [[هذا معنى قول مجاهد وقتادة فيما رواه عنهما ابن جرير 11/ 55، وقول الحسن فيما رواه عنه الثعلبي 6/ 156 أ، والبغوي 4/ 104.]]، وأما عسرة الماء فقال عمر -رضي الله عنه -: (خرجنا في قيظ شديد، وأصابنا فيه عطش شديد، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه) [[رواه ابن جرير 11/ 55، وابن حبان في "صحيحه" (الإحسان) رقم (1383) 4/ 223، والحاكم 1/ 159، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾، قال ابن عباس: (يريد: يميل بعض من كان فيها إلى التخلف والعصيان) [["تنوير المقباس" ص 205 بمعناه.]]. وقال الكلبي: (هم أناس من المسلمين هموا بالتخلف ثم لحقوه) [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 512، والبغوي في "تفسيره" 4/ 105، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 529.]]. وقال أبو إسحاق: (أي من بعد ما كادوا يقفلون عن غزوتهم للشدة ليس أنه زائغ [[في "معاني القرآن وإعرابه": يزيغ.]] عن الإيمان، إنما هو أن كادوا يرجعون) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 474.]]. وقرأ حمزة (يَزِيغُ) بالياء [[وكذلك هي قراءة حفص عن عاصم وقرأ الباقون بالتاء، انظر: "السبعة" ص 319، و"التيسير في القراءات السبع" ص120، و"رشاد المبتدي" ص 357، و"إتحاف فضلاء البشر" ص 245.]] [فمن قرأ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] بالتاء فله وجهان: أحدهما: أن يضمر فاعل كاد، ويكون تقدير الكلام: كاد الحزب [[في جميع النسخ لم توضع نقطة فوق الزاي والتصحيح من"الحجة للقراء السبعة".]] أو القوم تزيغ قلوب فريق منهم [[في (ح) زيادة نصها: (تزيغ ولكنه قدم) وهي وهم من الناسخ وتكرار لبعض ما ذكر في الوجه الثاني.]]. والثاني: أن يكون فاعل (كاد) القلوب، كأنه: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ولكنه قدم (تزيغ) كما تقدم خبر كان في قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، وجاء تقديمه وإن كان فيه ذكر من القلوب [[يعني أن فيه ضميرًا يعود على القلوب.]]، ولم يمتنع من حيث يمتنع الإضمار قبل الذكر، لما كان النية به التأخير، كما لم يمتنع: ضرب غلامه زيد، لما كان التقدير به التأخير، [ألا ترى أن حكم الخبر أن يكون بعد الاسم، كما أن حكم المفعول به أن يكون بعد الفاعل، وعلى هذا التقدير يجب التأنيث في (تزيغ)؛ لأن المراد به التأخير] [[ما بين المعقوفين ساقط من: (ح).]] وجاز التذكير في (كاد) لتقدم الفعل، وهذان الوجهان ذكرهما أبو علي الفارسي [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 236.]]، وذكر الفراء وجهين آخرين: أحدهما: أن يكون الكلام على النظم الذي هو عليه، والفعل المسند إلى المؤنث إذا تقدم عليه جاز تذكيره وتأنيثه، فلما جاز الوجهان ذكر الفعل الأول لما وقع من الحيلولة بينه وبين المؤنث بالفعل الذي هو (يزيغ) فصار كقولهم: حضر القاضي امرأةٌ، وأنث الفعل الثاني لأنه ملتزق بالقلوب. الوجه الثاني: أن (كاد) ليس بفعل متصرف كغيره من الأفعال، ألا ترى أنه لا يبنى منه فاعل ولا مفعول فصار كـ (ليس)، و (ليس) يجوز تذكيره وإن أسند إلى مؤنث كقولك: ليس تخرج جاريتك [[لم أجد قول الفراء بهذا السياق، والوجه الأول في كتابه "معاني القرآن" 1/ 454 مختصرًا، وذكره كذلك المؤلف في "الوسيط" 2/ 529.]]. ومن قرأ (يزيغ) بالياء فوجهه تقدم الفعل [[من (م).]] فذكر (يزيغ) كما ذكر (كاد) ليتشابه الفعلان ويتشاكلا. قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ كرر ذكر التوبة وهما واحد لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ذنبهم، فقدم الله ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبهم، ثم أعاد ذكر التوبة، وقيل: إن المراد بالتوبة بعد التوبة رحمة بعد رحمة، وقد قال رسول الله ﷺ: "إن الله تعالى ليغفر ذنب الرجل المسلم [[ساقط من (ى).]] عشرين مرة" [[لم أجده في المصادر التي بين يدي سوى "تفسير الرازي" 16/ 216.]]، وهذا معنى قول ابن عباس في قوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ يريد (ازداد عنهم رضًا) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 216.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب