الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى﴾ الآية، قال القرظي: (لما بايعت الأنصار رسول الله -ﷺ- ليلة العقبة بمكة، وهم سبعون نفسًا، قال عبد الله بن رواحة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم" قالوا فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا قال: (الجنة) قالوا ربح البيع لا نقيل [[ساقط من (ى). ومعنى لا نقيل ولا نستقيل: لا نفسخ البيعة ولا نطلب فسخها، يقال: أقاله يقيله إقالة، وتقايلا: إذا فسخا البيع، وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري. انظر: "لسان العرب" (قيل) 6/ 3798.]] ولا نستقيل فنزلت هذه الآية) [[رواه ابن جرير 11 - 35 - 36، والثعلبي 6/ 150 ب، والبغوي 4/ 98، ورواه عن جابر بنحوه مطولًا أحمد في "المسند" 3/ 222، والحاكم في "المستدرك" 2/ 624، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.]]، قال مجاهد ومقاتل [[ساقط من (ى).]]: ثامنهم [[أي قرر معهم ثمنه، يقال: ثامنت الرجل في المبيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه وساومته على بيعه واشترائه. "النهاية في غريب الحديث والأثر" (ثمن) 1/ 223.]] فأغلى ثمنهم) [[ذكره عنهما الرازي في "تفسيره" 16/ 199 ومقاتل هذا يبدو أنه ابن حيان إذ لم أجد هذا القول في تفسير مقاتل بن سليمان، وعندي شك في صحة نسبته إلى مجاهد، إذ أن المؤلف في "الوسيط" 2/ 526، وغيره من المفسرين ذكروه عن قتادة، انظر مثلاً: "تفسير ابن جرير" 11/ 35، والثعلبي 6/ 151 أ، والبغوي 4/ 98، وابن الجوزي 3/ 504، وابن كثير 2/ 430، و"الدر المنثور" 3/ 502.]]. قال أبو إسحاق: (وهذا مثل، كما قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ [البقر: 16] [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 471.]]. قال أهل المعاني: (لا يجوز أن يشتري الله شيئًا في الحقيقة [[في (ح) و (ى): (بالحقيقة).]]؛ لأن المشتري إنما [[ساقط من (ى).]] يشتري ما لا يملك، لكن هذا أجري -لحسن المعاملة والتلطف في الدعاء إلى الطاعة- مجرى ما لا يملكه [[في (ح): (يمكنه)، وفي (ى): (يملك).]] المعامل فيه) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 199، والخازن في "تفسيره" 2/ 264 عن أهل المعاني. وانظر: "المحرر الوجيز" 7/ 50، و"تفسير القرطبي" 8/ 267.]]، وحقيقة هذا أن المؤمن متى ما قاتل في سبيل الله حتى يقتل فتذهب روحه، أو أنفق ماله في سبيل الله، أخذ من الله في الآخرة الجنة جزاءً لما فعل، فجعل هذا استبدالًا واشتراء، هذا معنى قوله: ﴿اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾، قال ابن عباس: (يريد بالجنة) [[رواه ابن جرير 11/ 35، وابن أبي حاتم وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 505، وهو من طريق علي بن أبي طلحة.]]، وكذا قرأه عمر بن الخطاب والأعمش [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 151 أ، والبغوي 4/ 98، وهي قراءة شاذة ولم يذكرها ابن خالويه ولا ابن جني.]]. قال الحسن: (اسمعوا والله بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن، والله ما على الأرض مؤمن إلا وقد دخل في هذه البيعة) [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1886، والثعلبي 6/ 151 أ، ورواه البغوي 4/ 98 مختصرًا.]]. وقال الصادق [[هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بالصادق.]]: (ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها) [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 151 أ، والرازي: 16/ 199.]]. وقال ابن عباس في قوله: ﴿وَأَمْوَاَلَهُم﴾: (يريد التي ينفقونها في سبيل الله، وعلى أنفسهم وأهليهم وعيالاتهم [[كذا، والمعروف في جمع العيال: عيائل. انظر: "لسان العرب" (عول) 5/ 3176.]] فتفنى، اشترى [[هكذا في جميع النسخ، والجملة غير متناسقة مع ما قبلها، ولعل الصواب: اشتروا بها الجنة .. الخ.]] الجنة التي لا تفنى ولا تبيد ولا تذهب) [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾، قال ابن عباس: (فيقتلون عدو المه ويقتلون في طاعتي ومحبتي) [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 526، ونحوه في "تنوير المقباس"، ص 204.]]، هذه قراءة العامة قدموا الفعل [[من (م).]] المسند إلى الفاعل على المسند إلى المفعول؛ لأنهم يَقتُلون أولاً ثم يُقتلون، وقرأ حمزة والكسائي (فيُقتَلون ويَقتُلون) على تقديم الفعل المسند إلى المفعول به على المسند إلى الفاعل [[قرأ حمزة والكسائي وخلف (فيُقتَلون ويَقتُلون) ببناء الأول للمفعول والثاني للفاعل، وقرأ الباقون ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول. انظر: "إرشاد المبتدي" ص 357، و"تقريب النشر" ص 103، و"إتحاف فضلاء البشر" ص 245.]]، وله وجهان: أحدهما: أن هذا في المعنى كالذي تقدم؛ لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم، والثاني: أن معنى قوله (يَقتُلون) بعد قوله (يُقتَلون) أي من بقي منهم بعد قتل من قتل، كما أن قوله: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: 146]، أي ما وهن من بقي منهم. وقوله تعالى: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ هو [قال أبو إسحاق: (نصب ﴿وَعْدًا﴾ للمعني؛ لأن معنى قوله: ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ وعدهم الجنة) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 471.]]، وقوله: ﴿حَقًّا﴾]، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]، قال ابن عباس: [لآن مالهم من الله لا خلف فيه [[في (ى): (له).]]) [[" تنوير المقباس" ص 204 بمعناه.]]. وقوله تعالى: ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾، قال الزجاج: (هذا يدل على أن كل أهل ملة أمروا بالقتال ووعدوا عليه الجنة) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 471.]]. وقال ابن عباس: (يريد شهدت لهم بهذه الشهادة وهذا الثواب في التوراة والإنجيل والقرآن الذي أنزل على محمد ﷺ) [[لم أقف عليه.]]، والمعنى أن الله تعالى بين في الكتابين أنه اشترى من أمة محمد ﷺ أنفسهم وأموالهم بالجنة، كما بين في القرآن، والقول هذا [[وهو ما ذهب إليه أيضًا ابن جرير 11/ 35 والبغوي 4/ 98.]]، لا ما قاله أبو إسحاق. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد بوعده) [["تنوير المقباس" ص 204 بمعناه.]]، وهذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا أحد أوفى بما وعد من الله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب