الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ الآية، يجوز أن يكون العامل في (إذ)، (ويبطل الباطل) فتكون الآية متصلة بما قبلها [[وهذا ما ذهب إليه ابن جرير في "تفسيره" 9/ 189.]]، ويجوز أن تكون الآية مستأنفة على تقدير: واذكر إذ، بمعنى التذكير بالنعمة [[في (ج) و (س): التذكر.]].
وقوله تعالى: ﴿تَسْتَغِيثُونَ﴾ أي تطلبون منه المغوثة [[في (م): (المعونة).]] [والغوث والإغاثة] [[ما بين المعقوفين مكرر في (ح).]]، ويقول الواقع في بلية: أغثني، أي: فرج عني، ومعنى الإغاثة والغوث والمغوثة: سد الخلة في وقت الحاجة [[انظر: "معجم مقاييس اللغة" (غوث) 4/ 400.]]، وقال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 189، والثعلبي 6/ 41 ب، والبغوي 3/ 332.]]: ﴿تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾: تستجيرون به من عدوكم وتدعونه للنصر عليهم، وذلك أن المهاجرين والأنصار لما رأوا أنفسهم في قلة عدد استغاثوا، قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] [[من (م).]]، قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله ﷺ إلى المشركين وهم ألف، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف [[النيف: من واحد إلى ثلاث، وكل ما زاد على العقد فهو نيف.
انظر" "لسان العرب" 8/ 4579 (نوف). ورواية المصنف هذه موافقة لرواية الإمام أحمد في "المسند"، وفي "صحيح مسلم": ثلاثمائة وتسعة عشر، وفي "سنن الترمذي": ثلاثمائة وبضعة عشر.]] استقبل القبلة [[ساقط من (ح).]] ومد يده يدعو: اللهم أنجز لي ما وعدتني، الله إن تهلك هذه العصابة من أهل [[ساقط من (م).]] الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف حتى سقط رداؤه، فأنزل الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾ [[رواه بلفظ مقارب مع زيادة: مسلم في "صحيحه" (1863) كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر 3/ 1383 (1863)، والترمذي (3275) "كتاب تفسير القرآن"، سورة الأنفال، وأحمد في "المسند" 1/ 30.]].
وذكرنا معنى الإمداد في آخر سورة الأعراف وفي سورة آل عمران.
وقوله تعا لي: ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ وقرأ نافع [[هو: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم المدني، أحد القراء السبعة، تقدمت ترجمته.]] بفتح الدال [[انظر: كتاب "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني ص 116، و"تقريب النشر في القراءات العشر" لابن الجزري ص 118، وقد قرأ بالفتح أيضاً أبو جعفر ويعقوب، انظر: المصدر السابق، و"إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر" للدمياطي ص 236.]]، قال الفراء: أما (مُرْدِفين) متتابعين، و (مُرْدَفين) فُعل بهم [["معاني القرآن" للفراء 1/ 404.]]، وقال الزجاج: يقال: أردفت الرجل: إذا جئت بعده، ومعنى [[في "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج: فمعنى.]] (مردفين) يأتون فرقة بعد فرقة [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 402.]].
واختلف أهل اللغة في (ردف وأردف) والأكثرون على أنهما بمعنى. [قال] [[إضافة من المحقق.]] ثعلب عن ابن الأعرابي [[هو: محمد بن زياد بن الأعرابي أبو عبد الله الكوفي الهاشمي مولاهم، تقدمت ترجمته.]]: يقال: (ردفته وأردفته واحد) [["تهذيب اللغة" 2/ 1394 (ردف)، ونصه: ردفته وأردفته بمعنى واحد.]]. وقال أبو عبيد عن أبي زيد [[هو: سعدي بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو زيد البصري، صاحب النحو واللغة، كان صدوقًا علامة حافظًا لنوادر والشعر، توفي سنة 214 هـ.
انظر: "مراتب النحويين" ص 73، و"نزهة الألباء" ص 101، و"إنباه الرواة" 2/ 30، و"سير أعلام النبلاء" 9/ 494.]]: ردفت الرجل وأردفته: إذا ركبت خلفه، وأنشد:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا [[البيت لحزيمة بن نهد بن زيد بن ليث القضاعي، وهو شاعر جاهلي قديم. وحزيمة: بالحاء المهملة المفتوحة، وكسر الزاي، وانظر: " الأغاني" 13/ 78، و"معجم ما استعجم" 1/ 19، و"المعارف" ص 342. وقيل إن البيت لخزيمة -بالخاء المعجمة- ابن مالك بن زيد. انظر "اللسان" (ردف) 3/ 1625.
والمعنى: إذا الجوزاء تبعت الثريا، وذلك إبان اشتداد الحر وجفاف المياه، وتفرق الناس في طلبها، فحينئذٍ تغيب عنه محبوبته فتسيء ظنونه، وتشتد همومه.]] [[انظر: قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" 2/ 1394 (ردف).]] ومعناه: جاءت على ردفها، أي: تبعتها ورؤيت [[في (س): (وردفت).]] خلفها.
وفصل آخرون بينهما، فقال الزجاج: ردفت الرجل: إذا ركبت خلفه، وأردفته: أركبته خلفي، وأردفت الرجل: إذا جئت بعده [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 402.]].
وقال شَمِر: ردفت وأردفت: إذا فعلت ذلك بنفسك، فإذا فعلت بغيرك: فأردفت لا غير [["تهذيب اللغة" 2/ 1394 (ردف).]].
فمن قرأ (مردِفين) بكسر الدال [[وهي قراءة السبعة غير نافع، انظر: كتاب "السبعة" ص 304، و"التيسير في القراءات السبع" ص 116، و"تقريب النشر" ص 118.]] فمعناه: أن بعضهم في إثر بعض، كالقوم الذين ترادفوا على الدواب؛ كما ذكره الفراء [["معاني القرآن" 1/ 404.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 402.]]، وهو قول قتادة والسدي: متتابعين [[رواه عنهما ابن جرير 9/ 191، وابن أبي حاتم 5/ 1663.]]، واختار أبو حاتم هذه القراءة، وقال: معناه: بألف من الملائكة جاءوا بعد المسلمين على آثارهم، يقال: ردفه وأردفه: إذا جاء بعده؛ كما قال: أردفت الثريا: أي جاء [[هكذا في جميع النسخ.]] بعدها [[انظر: قول أبي حاتم في "الوسيط" 2/ 446.]]. وروي عن أبي عمرو: أردف بعضهم بعضًا: من الإرداف، وهو أن يحمل الرجل صاحبه خلفه [[انظر قول أبي عمرو في: "تفسير ابن جرير" 9/ 191، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص 307.]]، وأنكر أبو عبيد هذا وقال: لم يسمع هذا في صفة الملائكة [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 199، و"الدر المصون" 5/ 576.]].
ومن قرأ بفتح الدال فمعناه: بألفٍ أردف الله المسلمين بهم وأمدهم بهم، وهو قول مجاهد، قال: الإرداف: إمداد المسلمين بهم [[في "تفسير الإمام مجاهد" ص 352، و"تفسير ابن جرير" 13/ 413، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ، كما في "الدر المنثور" 4/ 30، عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ قال: ممدّين اهـ. فلعل المصنف ذكر قول مجاهد بالمعنى.]]، واختار أبو عبيد هذه القراءة [[انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 307.]]، وروي عن الفراء وأبي عبيدة قالا: من فتح الدال أراد: جيء بهم بعدهم وأمدوا بهم، فهم ممدون بهم [[في "معاني القرآن" للفراء 1/ 404: (مردَفين): فعل بهم اهـ. "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 241: ومن قرأها بفتح الدال وضعها في موضع (مفعولين) من أردفهم الله من بعد من قبلهم وقدامهم.]]، وتفسير ابن عباس يدل على القراءتين لأنه قال: مع كل ملك ملك [[رواه ابن جرير في "تفسيره" 9/ 192 بإسناد فيه قابوس بن أبي ظبيان، وهو ضعيف لا يحتج به كما في الكاشف 2/ 334.]] ، وهذا يحتمل الوجهين؛ لأنك إن كسرت كان معناه: متتابعين، وإن فتحت كان المعني: أنهم جعلوا كذلك، قال أبو علي: من كسر الدال احتمل وجهين أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم، كما تقولي: أردفت زيدًا دابتي، فيكون المفعول الثاني محذوفًا من الآية، وحذف المفعول كثير [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 124.]].
ويقوي هذا الوجه الذي ذكره أبو علي ما قال عطاء، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: يريد ألفًا بعد ألف [[أكثر المؤلف من ذكر رواية عطاء عن ابن عباس بل بنى عليها تفسيره هذا وكذلك، و"الوسيط" ، و"الوجيز"، ولم أجد لها ذكرًا في كتب التفسير كـ"تفسر عبد الرزاق" ، == و"ابن جرير"، و"ابن أبي حاتم"، و"الثعلبي"، و"البغوي"، و"الدر المنثور"، وغيرها. وقد يذكرها في أحيان قليلة الفخر الرازي وابن الجوزي، وهما يكثران النقل من "البسيط"، وفي القلب شيء من صحة هذه الرواية لما يأتي:
1 - أن هذه الرواية مفسرة لجميع آيات القرآن، وهذا غير معهود عن السلف، قال الخليلي: هذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس غير مرضية ورواتها مجاهيل. "الإتقان" 2/ 241.
2 - أن الإِمام الشافعي رحمه الله قال: لم يثبت في التفسير عن ابن عباس إلا شبيه بمائة حديث.
انظر: المصدر السابق ص 242، ولعل الشافعي لم تصح عنده رواية علي بن أبي طلحة الوالبي إذ هي في الأصل منقطعة، لكن عرفت الواسطة وهو ثقة. انظر: "التفسير والمفسرون" 1/ 78.
3 - أن هذه الرواية قد تخالف الرواية الصحيحة عن ابن عباس.
أقول: تبين لي فيما بعد أن هذه الرواية موضوعة، وقد تقدم ذلك عند الحديث عن مصادر المؤلف، في مقدمة التحقيق.]].
قال: والوجه الآخر في (مردفين) أن يكونوا جاءوا بعد المسلمين، قال الأخفش: تقول العرب: بنو فلان يردفوننا، أي: يجيئون بعدنا [["الحجة للقراء السبعة"4/ 125، و"فتح الباري" 8/ 307، ولم أجده في "معاني القرآن".]]، وقال أبو عبيدة: (مردفين) جاءوا بعد، وردفني وأردفني واحد [[قول أبي عبيدة هذا ذكره بنصه أبو علي الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" 4/ 125، ونص قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 241 (مردفين) مجازه: مجاز فاعلين، من أردفوا، أي جاءوا بعد قوم قبلهم، وبعضهم يقول: ردفني. أي جاء بعدي، وهما لغتان.]]، قال أبو علي: وهذا الوجه كأنه أبين لقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ الآية، فقوله (مردفين) جائين بعد لاستغاثتكم [[في (ح): (استغاثتكم).]] ربكم وإمداده إياكم، ومن فتح الدال فهم مردَفون، على: أردفوا الناس أي: أُنزلوا بعدهم [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 125، وقد تصرف الواحدي في عبارة أبي علي واختصرها.]].
{"ayah":"إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق