الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ الآية، قال أهل العلم بالتفسير: هذه الآية نزلت بعد الأولى بمدة طويلة وإن كانت إلى جنبها، وكان رسول الله ﷺ يبعث المسلمين غزاة على حكم الآية الأولى، والمسلمون يصابر الواحد منهم العشرة من الكفار، بعث حمزة في ثلاثين راكبًا قبل بدر فلقيهم أبو جهل في ثلاثمائة راكب [[انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام 2/ 229 - 234، و"الكشاف" 2/ 167، ونسب القول لابن جريج، وانظر أيضًا: "تفسير الرازي" 15/ 194.]]، قال ابن عباس: فلما تضرعوا واشتكوا إلى الله ضعفهم نزل: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [[لم أجده بلفظه، وقد ورد معناه في روايات كثيرة، انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 39 - 41، و"الدر المنثور" 3/ 362 - 364.]]، قال الكلبي: هون الله عليكم [["تنوير المقباس" ص 185، عن الكلبي، عن ابن عباس.]]، ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [وقرئ (ضُعفًا) [[قرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد، وقرأ الباقون بضمها.
انظر: كتاب "السبعة" ص 308، و"التبصرة في القراءات" ص 212، و"تقريب النشر" ص 119.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]، قال سيبويه: وهما لغتان مثل: (الفَقْر والفُقر) [[انظر: "كتاب سيبويه" 4/ 31، 33.]].
وقوله [[ساقط من (ح) و (س).]]: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، قال ابن عباس: صار الرجل برجلين [[رواه مطولًا ابن جرير 10/ 39، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"، وابن المنذر والطبراني في "الأوسط"، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 363.]]، وذهب بعض المفسرين [[هو: محمد بن بحر أبو مسلم الأصفهاني كما في "تفسير الرازي" 15/ 195، وانظر: "الكشاف" 2/ 167.]] إلى قوله: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ شرط وجزاء محض، يعني أن المائة إذا صبرت غلبت مائتين من المشركين، وكل مائة من المسلمين لا تغلب مائتين من المشركين فإنها ليست بصابرة، ولو كانت صابرة لغلبت المائتين وعدًا من الله، وهذا معنى قول مجاهد: إن صبروا غلبوهم [[رواه مطولًا ابن جرير 10/ 41.]]، والآية على هذه الطريقة معناها الإخبار، ولو وقفت مائة صابرة في مقابلة مائتين [[في (ح): (ألف).]] لغلبوهم بكل حال؛ فإن الخبر من الله تعالى لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره، والصحيح أن هذا خبر معناه الأمر والتكليف، أي: إذا كانت منكم مائة فليصابروا ليغلبوا المائتين كقوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: 228]. ألا ترى أن المفسرين كلهم اتفقوا على أن قوله في الآية الأولى: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ أمر لا خبر بدليل ورود النسخ عليه والنسخ لا يجوز وروده على الخبر [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 41، والثعلبي 6/ 70 ب، والبغوي 3/ 375، والسمرقندي 2/ 25.]]، وصاحب النظم قد أحسن في شرح هذا المشكل فقال: الخبر خبران: خبر ماض وخبر مؤتنف، والشرط بينهما موقوف؛ لأنه غير ماض ولا واجب، وإنما هو شيء منتظر، وربما أظهرت العرب الشرط والجزاء على صورة الخبر [[في (ج): (خبر).]] فيغلط فيه الناقد البصير فكيف من دونه وقد جاء الجزاء دون الشرط على سورة الخبر ومعناه، نحو قول القطامي:
والناس من يلق خيرًا قائلون له ... ما يشتهي ولأم المخطىء الهبل [[البيت في "ديوانه" ص 25، ونسبه إليه أيضًا ابن قتيبة في كتاب "المعاني الكبير" 3/ 1266.]]
فقوله: من يلق خيرًا شرط ومعناه الخبر؛ لأن معناه: من لقي خيرًا قالوا له ما يشتهي، وتأويل الآية: إن يصبر منكم عشرون لمائتين من المشركين يغلبوهم، فهو شرط محض وجزاء خالص، والشرط غير واجب فكيف يكون خبرًا؟ والخبر واجب إما ماضيًا وإما منتظرًا وهذا شيء وعده المؤمنين [[في (م) و (س): (للمؤمنين).]] بما شرط إذا فعلوه.
فإن قيل: فقد كان يجب على العشرين أن يصابروا المائتين كما يجب الآن على المائة أن يصابروا المائتين والشرط غير [[ساقط من (م).]] واجب.
قيل: إن الله تعالى كان قد أنزل قبل هذا قوله [[ساقط من (م).]]: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: 16] فعظم الفرار من الزحف، وهول في العقاب، ولا يقع العقاب إلى في واجب، ولم يصف الله تعالى حالة الفرار كيف هو أو كم من كم؟، ثم بينه بقوله عز وجل: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: 65] فأعلم أن عشرين إذا صبروا أوجب لهم غلبة مائتين بشريطة الصبر، ووعده ناجز لا خلف فيه، فكان في ذلك بيان لكيفية الفرار التي حرمها، والصفة التي يكون المولي بها فارًّا مستوجبًا للعقاب إلا أنه ثقل عليهم ثبوت الواحد للعشرة فخفف ذلك عنهم بالآية الأخرى، فعلى ما ذكر: الآيتان لفظهما شرط، والشرط كما ذكر لا يكون واجبًا إلا أن الوجوب استفيد من تحريم الفرار، وتحريم الفرار مجمل فبيّن في الآيتين أنه مع كم يجب أن يصبر، ومن كم يجوز الفرار.
وهذا طريق حسن في هاتين الآيتين، والحكم في هذه الآية أن كل مسلم بالغ مكلف وقف بإزاء مُشْرِكَيْن عبدًا كان أو حرًا فالهزيمة عليه حرام ما دام معه سلاح يقاتل، فإن لم يبق سلاح فله أن ينهزم، وإن قاتله ثلاثة حلت له [[ساقط من (ح).]] الهزيمة، والصبر أحسن، وقف جيش مؤته وهم ثلاثة آلاف، وأمراؤهم على التعاقب زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب [[هو: جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو عبد الله وابن عم رسول الله ﷺ السيد الشهيد الكبير الشأن، هاجر إلى الحبشة، ثم قدم منها يوم فتح خيبر، وولاه رسول الله ﷺ قيادة جيش مؤتة بعد زيد، واستشهد فيها سنة 8 هـ.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 1/ 206، و"تهذيب التهذيب" 1/ 308.]]، ثم عبد الله بن رواحة [[هو: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء، وأحد شعراء الرسول ﷺ شهد بيعة العقبة وبدر، وأمّره الرسول ﷺ على جيش مؤته بعد زيد وجعفر فقتل فيها سنة 8 هـ.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 1/ 230، و"تهذيب التهذيب" 2/ 333.]]، وقفوا في مقابلة مائتي ألف من المشركين، مائة من الروم، ومائة ألف من المستعربة وهم لخم وجذام [[لَخْم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة، قبيلة عربية كبيرة، ينسبون إلى لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، وأما جُذام فبضم الجيم بعدها ذال غير مشددة، قبيلة عربية كبيرة أيضًا وهم إخوة للخم وينسبون إلى عمرو بن عدي بن الحارث، وقيل: هم من ولد أسد بن خزيمة. انظر: "فتح الباري" 8/ 75.]] [[انظر تفاصيل معركة مؤته في: "السيرة النبوية" لابن هشام 3/ 429 و"الفصول في سيرة الرسول" ص 193، و"فتح الباري" 7/ 510 - 516.]].
وقوله تعالى: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فيه بيان أنه لا تقع الغلبة إلا أن يريد الله ذلك [[في (ح): (وذلك)، وهو خطأ.]]؛ لأن معنى الإذن: الإطلاق في الفعل، فما لم يطلق الله لهم الغلبة لم يغلبوا.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، قال ابن عباس: يريد الذين صبروا على دينهم وعلى طاعة الله [["الوسيط" 2/ 470، وفي "تنوير المقباس" ص 185: الصابرين في الحرب.]]. والمعنى: ومعونته مع الصابرين، ولكن فخّم بذكر الله عز وجل تشريفًا له.
{"ayah":"ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق