الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾، قال الزجاج: معناه لا تحسبن من أفلت من هذا [[هكذا في جميع النسخ، وفي "معاني القرآن وإعرابه": هذه، قال ابن منظور: العرب: نقيض السلم، أنثى، ... وحكى ابن الأعرابي فيها التذكير .. قال: والأعرف تأنيثها. "لسان العرب" (حرب) 2/ 815 - 816]] الحرب قد سبق إلى الحياة [[في (م): (الخيانة).]] [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 421.]].
﴿إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أنهم لا يعجزونني، وما أعجز عن خلقي، ولا أضعف [["تنوير المقباس" ص 184 بمعناه، وفي "البرهان" للحوفي 11/ 95 أ: لا يفوتون.]]، وقال ابن الأنباري: معنى الآية هو: أن أولئك الذين انهزموا من ذلك [[في "الوسيط" 2/ 468: (يوم بدر) بدلاً من قوله: (من ذلك الحرب). وانظر: التعليق السابق رقم (5).]] العرب أشفقوا من هلكة تنزل بهم في ذلك الوقت، [فلما لم [[ساقط من (ح).]] تنزل طغوا وبغوا، فقال الله عز وجل: لا تحسبن] [[نص ما بين المعقوفين في "زاد المسير" هو: فلما سلموا قيل: لا تحسبن ... إلخ.]] أنهم سبقونا بسلامتهم الآن فإنهم لا يعجزوننا فيما يستقبلون من الأوقات [[" الوسيط" 2/ 468، وذكره ابن الجوزي "زاد المسير" 3/ 374 باختصار.]].
وذكرنا فيما مضى أن الحسبان يقتضي مفعولين، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما، إلا أن المفعول الثاني خبر عن الأول، والفعل الذي هو (حسبت) متعلق بما دلت عليه الجملة.
والآية بيان عن اقتدار الله عز وجل الذي لا ينفع معه حسبان للنجاة من العقاب، وأكثر القراء قرؤوا ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ بالتاء [[وبها قرأ ابن كثير وشعبة، عن عاصم وأبو عمرو ونافع والكسائي ويعقوب وخلف. انظر: الغاية في القراءات العشر ص 162، و"تقريب النشر" ص 119، و"تحبير التيسير" ص 118.]] على مخاطبة النبي ﷺ و ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ المفعول الأول، و ﴿سَبَقُوا﴾ المفعول الثاني، وموضعه نصب، والمعنى: لا تحسبن الذين كفروا سابقين، ومن قرأ بالياء [[وبذلك قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر وحمزة. انظر: المصادر السابقة نفس المواضع.]] فقال أبو إسحاق: وجهها ضعيف عند أهل العربية [[وصف الزمخشري أيضًا هذه القراءة بأنها ليست نيرة، في "الكشاف" 2/ 165، وتضعيف قراءة متواترة يُعلم قطعاً أن رسول الله ﷺ تلقاها عن ربه وأقرأها أصحابه وهم أهل العربية، من خطل القول، سببه الغلو في أقيسة علماء اللغة، وقصور العلم عن الإحاطة بالأوجه القوية للقراءة، وقد ذكر الواحدي عدة أوجه لهذه القراءة وهناك أوجه أخرى منها:
أ- أن الفاعل ضمير يعود إلى المذكورين في الآية السابقة والتقدير: ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا، وهذا اختيار أبي جعفر النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 682.
ب- أن الفاعل ضمير يعود للكفار لتقدم ذكرهم في قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، وفي قوله: ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ﴾، و ﴿لَا يَتَّقُونَ﴾، و ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾، ذكره مكي بن أبي طالب في "مشكل إعراب القرآن" ص 318.
ج - أن الفاعل محذوف يفهم من السياق والتقدير: ولا يحسبن حاسب أو أحد. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 421، و"البحر المحيط" 4/ 510 - 511، و"التحرير والتنوير" 10/ 54.
وإذا تبين أن لهذه القراءة أكثر من وجه قائم على تقدير المحذوف، حسن التنبيه إلى أن أسلوب الحذف من الأساليب البلاغية العاليه لتذهب النفس في تقدير المحذوف كل مذهب لائق بالمقام.]]؛ إلا أنها جائزة على أن يكون المعنى: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا؛ لأنها في حرف ابن مسعود (أنهم سبقوا) [[ذكر هذه القراءة عنه، الزمخشري في "الكشاف" 2/ 165، وأبو حيان في "البحر" 4/ 510 - 511، ولم يذكرها ابن أبي داود في "المصاحف"، ولا ابن جني في "المحتسب" ولابن خالويه في "المختصر".]] فإذا كانت كذلك فهي بمنزلة قولك: حسبت أن أقوم، وحسبت أقوم، على حذف (أن)، ويكون أقوم وقام ينوب عن الاسم والخبر، هذا كلامه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 421.]].
وحذف (أن) قد جاء في غير شيء [[يعني في أكثر من موضع.]] كقوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ﴾ [الزمر: 64]، قال سيبويه: حذف (أن) والمعنى: أن أعبد [[هذا القول مفهوم من عبارة سيبويه، حيث جعل الآية بمنزلة قول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
بعد بيان أن (أن) محذوفة في قوله (أحضر). انظر: "كتاب سبويه" 3/ 100، و"الحجة" 4/ 155، وضعف السيرافي هذا الوجه. انظر: "حاشية كتاب سيبويه" 1/ 452، ط/ بولاق.]].
وهو كثير في الشعر [[انظر بعض الأبيات في "الحجة" 4/ 156.]]، فإذا وجهته على هذا سد (أن سبقوا) مسد المفعولين؛ كما أن قوله: ﴿أحسبت الناس أن يتركوا﴾ [العنكبوت: 2] كذلك، وذكر أبو الحسن [[يعني الأخفش الأوسط، انظر قوله في: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 155، لم يذكره في كتاب "معاني القرآن".]] وجهًا آخر: وهو أنه أضمر فاعلًا [[في (م): (فاعلاً آخر).]] للحسبان، وجعل (الذين كفروا) المفعول الأول [[ساقط من (م).]]، وقال: التقدير: ولا يحسبن النبي الذين [[في (ح): (والذين)، وهو خطأ.]] كفروا، وذكر أبو علي وجهًا ثالثًا وقال: يجوز أن يكون أضمر المفعول الأول، التقدير: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم أو إياهم سبقوا [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 155.]].
وأكثر القراء على كسر (إن) [[هذه قراءة الجمهور، ولم يخالف إلا ابن عامر الذي قرأ بالفتح، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 162، و"التبصرة في القراءات" ص 212، و"تقريب النشر" ص 119.]] في قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ وهو الوجه [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 157، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص 312، و"إعراب القراءات" لابن خالويه 1/ 230.]]؛ لأنه ابتداء كلام غير متصل بالأول، كقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: 4] وتم الكلام ثم قال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ فكما أن قوله: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ منقطع من الجملة التي قبلها، كذلك قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾.
وقرأ ابن عامر: (أنهم) بفتح الألف [[انظر التخريج السابق لقراءة الجمهور.]]، جعله متعلقًا بالجملة الأولى فيكون التقدير: لا تحسبهم سبقوا لأنهم لا يفوتون [[في (ح): (يقولون)، وهو خطأ.]] فهم [[في (س): (منها)، ولا معنى له.]] يجزون على كفرهم [[انظر هذا التوجيه في: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 158، و"حجة القراءات" ص 312.]].
وقال أبو عبيد: لا أعرف لفتح (أن) وجهًا إلا أن تجعل (لا) صلة، فتقول: لا تحسبن أنهم يعجزون [[ذكر بعض هذا القول الرازي في "تفسيره" 15/ 184 وأشار إليه النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 683، وأبو حيان في "البحر المحيط" 4/ 510، والسمين في "الدر المصون" 5/ 625.]]، قال ابن الأنباري: فتح (أن) بتكرير الفعل، التقدير: لا يحسبن الذين كفروا سبقوا لا يَحْسبُنَّ أنهم يعجزون، و (لا) توكيد للكلام، كقوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 95] [[انظر: قول ابن الأنباري في "زاد المسير" 3/ 374 بنحوه.]].
وهذا الوجه من كون (لا) زيادة ذكره الفراء [["معاني القرآن" 1/ 415.]] وأبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 422، وقد ضعف أبو إسحاق الزجاج هذا الوجه، وعلل ذلك بقوله: لأن (لا) لا تكون لغوًا في موضع يجوز أن تقع فيه غير لغو.]] أيضًا.
{"ayah":"وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَبَقُوۤا۟ۚ إِنَّهُمۡ لَا یُعۡجِزُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق