الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا﴾، قال مجاهد: أرى الله [[في (ح): (أري النبي).]] النبي ﷺ كفار قريش في منامه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه فقالوا: رؤيا النبي حق، القوم قليل، وكان ذلك تثبيتًا [[في (ح): (تثبيت).]] لهم [[رواه ابن جرير 10/ 12، وعبد الرزاق الصنعاني في "تفسيره" 1/ 2/ 260، وابن أبي حاتم 5/ 1709.]]؛ لأنهم اجترؤا بذلك على حرب عدوهم، وهذا قول الكلبي [[ذكره ابن الجوزي 3/ 362، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهو سند الكلبي المعروف.]] ومقاتل [[انظر: "تفسيره" ل 121 أ.]] وأكثر أهل التفسير قالوا: قوله: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ يعني رؤيا النوم [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 12، والسمرقندي 2/ 20، والثعلبي 6/ 64 أ، والبغوي 3/ 364، والماوردي 2/ 323، ونسبه للجمهور.]]. قال محمد بن إسحاق: وكان ما أراه من ذلك نعمة عليهم؛ لأنه شجعهم بها على عدوهم [["السيرة النبوية" 2/ 319.]]. وكانت، تلك الرؤيا بشارة له وللمؤمنين بالغلبة. قال أهل المعاني: وإنما جاز أن يريه الله الشيء في النوم على خلاف ما هو لأن الرؤيا تخيّل للمعنى من غير قطع عليه، وإن جاء معه قطع من الإنسان [[يعني أن الرؤيا رمز وإشارة للمعنى، وتحتاج إلى تأويل، وقد يقطع الإنسان ويجزم بتأويلها ولكن هذا لا يغير من حقيقتها شيئًا، قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" 5/ 1709: يحتمل أنه رآهم قليلاً عددهم، فكان تأويل رؤياه انهزامهم اهـ. وأقول: يستدرك على ما ذكره المؤلف عن أهل المعاني الذي لم أقف على مصدره أن رؤيا الأنبياء حق ويقطع على معناها.]]. وروي عن الحسن وابن جريج أنهما ذهبا إلى أن هذه الإراءة كانت في اليقظة، وقالا: المراد بالمنام هاهنا: العين التي هي موضع النوم [[رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1709، عن الحسن وفي سنده سهل السراج، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" 1/ 25 (2663): صدوق له أفراد، كان القطان لا يرضاه، ورواه البغوي 3/ 363، وفي سنده عمرو بن عبيد المعتزلي، قال الحافظ في "التقريب" ص 424 (5071): كان داعية إلى بدعة، اتهمه جماعة، وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره" 2/ 348 قول الحسن هذا ثم عقبه بقوله: هذا القول غريب اهـ. وقال الزمخشري في "الكشاف" 2/ 161: هذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته اهـ. ولم أجد من ذكره عن ابن جريج.]]. قال أبو إسحاق: وكثير من أصحاب النحو يذهبون إلى هذا المذهب، ومعناه عندهم: إذ يريكم الله في موضع منامك أي: بعينك ثم حذف الموضع وأقام المنام مقامه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 419، وهو أحد قولي أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 247، وإليه ذهب المازني والنقاش كما في "المحرر الوجيز" 6/ 325، وهو قول ضعيف من وجوه: == 1 - أن في الآية تصريح بالمنام، وحمله على العين التي بها المنام عدول عن الظاهر بلا دليل، انظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 348. 2 - أنه تعالى صرح في الآية التالية برؤية العين فقال: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾ فعلى هذا القول تكون الآيتان بمعنى واحد، إذ أن النبي ﷺ مخاطب في هذه الآية، والأصل عدم التكرار. 3 - أنه مخالف لما رواه مجاهد أن النبي ﷺ رآهم في منامه قليلاً فأخبر النبي ﷺ بذلك. رواه ابن جرير 10/ 12، وهذا الحديث وإن كان مرسلًا لكن يعضده موافقته لظاهر الآية، وعلى الأقل هو تفسير ثابت عن مجاهد.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا﴾ أي: لو أراك الله يا محمد القوم كثيرا في اليقظة -على قول الحسن-، أو في المنام -على قول الباقين- فأخبرت بذلك أصحابك لجبنوا ولم يقدموا على الحرب؛ وذلك قوله: ﴿لَفَشِلْتُمْ﴾، قال أبو إسحاق: لتأخرتم عن حربهم وكِعْتم [[أي جبنتم، يقال: كعت عن الشيء أكيع وأكاع لغة في كععت: إذا هبته وجبنت عنه. انظر: "لسان العرب" (كوع) 7/ 3956.]] [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 319.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ معنى التنازع في الأمر: الاختلاف الذي يحاول به كل واحد نزع صاحبه عما هو عليه، وهذا ما سبق بيانه [[انظر: تفسير آل عمران: 152، النساء: 59.]]، يقول: لاضطرب أمركم، واختلفت كلمتكم، قال الكلبي: واختلفتم فيما بينكم [["تنوير المقباس" ص 182، عن الكلبي، عن ابن عباس.]]. وقال ابن عباس: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ يا محمد ﴿فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا﴾ لتحتقرهم وتجترئ عليهم ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ﴾ ولكن هذه منتي عليك وعلى المؤمنين حيث أراكهم الله قليلًا ، ولم يكن منهم فشل ولا منازعة [[ذكره مختصرًا المؤلف في "الوسيط" 2/ 463، وانظر بعض معناه في: "تنوير المقباس" ص 482.]] يريد الاختلاف وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾، قال ابن عباس: يريد: عصمكم [[رواه بمعناه ابن أبي حاتم 5/ 1709، وذكره كذلك القرطبي 8/ 22.]] كأنه يريد: سلمكم من المخالفة فيما بينكم، وقال ابن عباس أيضًا: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم [[رواه ابن جرير 10/ 13، والثعلبي 6/ 64 أ، وابن أبي حاتم 5/ 1709.]]. [وقال أبو روق: سلم: أتم أمرهم بالظفر على عدوهم [[رواه ابن أبي حاتم 5/ 1710 مختصرًا عن أبي روق، عن ابن عباس، وذكره القرطبي 8/ 22 ولم يعين القائل.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (س).]]. وقال الكلبي: ولكن الله سلمكم من الهزيمة يوم بدر [[لم أقف عليه.]]. والأظهر أن المعنى: ولكن الله سلمكم من التنازع والفشل على ما حكينا عن ابن عباس أولاً. قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من اليقين والحب لله والطاعة لرسوله [[رواه البغوي 3/ 363 مختصراً.]]، قال الكلبي: أي لما في صدور المؤمنين من أمر عدوهم [[رواه بمعناه مختصراً الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 182، عن الكلبي، عن ابن عباس.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب