الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ الإشارة في قوله (أولئك) إلى من وصف بالأوصاف التي تقدمت.
قال ابن عباس: يقول: (برئوا من الكفر) [[رواه ابن جرير 9/ 180، وابن أبي حاتم 5/ 1657 ب.]]، وقال الكلبي: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ صدقًا منهم لأنه لم يكن يوم بدر مع رسول الله ﷺ إلا الصادق في إيمانه [[في "تنوير المقباس" ص177 عن الكلبي عن ابن عباس: صدقًا يقينًا.]].
وقال مقاتل: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ لا شك في إيمانهم كشك المنافقين [["تفسير مقاتل" 118 أ.]]، وقال أهل المعاني: أولئك الذين أخلصوا الإيمان لا كمن كان له اسمه على ظاهر الحال وهم عن ذلك بمعزل لما يشوبه من الفساد [[ذكر معنى ذلك ابن جرير في "تفسيره" 9/ 180 ولم أجد من ذكره من أصحاب المعاني كأبي عبيدة والفراء والأخفش والزجاج والنحاس والأزهري.]].
فأما وجه انتصاب قوله (حقًّا) فمذهب الفراء فيه أنه انتصب على معنى أخبركم بذلك حقًا [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 154.]]، أي: إخبارًا حقًا، وهذا كما ذكرنا في قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء: 151]، فعنده أن هذا نصب من نية الخبر، ومذهب سيبويه وأصحابه أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف دل عليه الكلام [[انظر: "كتاب سيبويه" 1/ 383.]]، قال المبرد: (حقوا حقًّا) [[قال المبرد في "المقتضب" 3/ 266: هذا باب ما وقع من المصادر توكيدًا، وذلك قولك: هذا زيد حقًّا؛ لأنك لما قلت: هذا زيد، فخبرت، إنما خبرت بما هو عندك حق، فاستغنيت عن قولك: أحق ذلك، وكذلك: هذا زيد الحق لا الباطل؛ لأن ما قبله صار بدلاً من الفعل.]]، ومعنى حقوا حقًا أي: أتوا ما وصفوا به وفعلوه حقًّا صدقًا، من قول العرب: حققته حذره وأحققته أي: فعلت ما كان يحذر [[انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (حقق) 1/ 216.]]، وقال الزجاج: (حقًا) منصوب بمعنى دلت [[في (ح) و (س): (دل)، وما أثبته من (م) وهو موافق للمصدر التالي.]] عليه الجملة وهي قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ أي: أحق ذلك حقًّا [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 401 وقد تصرف الواحدي في عبارة الزجاج.]].
ومعنى هذا كأنه قال: أخبركم بذلك أحقه حقًا، ومعنى هذا راجع إلى معنى قول الفراء، فعلى قول الزجاج والفراء يعود هذا التأكيد المذكور بقوله (حقًا) إلى إخبار الله تعالى، وعلى قول المبرد يعود إلى تأكيد إيمانهم وتحقيقه، وعلى هذا فكل من استجمع شرائط الإيمان واعتقادها فهو مؤمن في الحال على الحقيقة من غير استثناء [[يعني يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ومسألة الاستثناء في الإيمان من المسائل الكلامية التي أشغلت الفكر الإسلامي دون طائل، وقد انقسمت الأمة في هذه المسألة على ثلاث أقوال:
أ- قيل إن ذلك محرم، وهو مذهب المرجئة والجهمية الذين يرون أن الإيمان شيء واحد لا تفاضل فيه، فالاستثناء في الإيمان شك فيه -كما يرون-.
ب- أن ذلك واجب؛ لأن في تركه تزكية للنفس، وشهادة لصاحبها بأنه من الأبرار المتقين. وهذا قول بعض من ينتسب للحنابلة.
ج- أنه محرم إذا كان للشك، جائز فيما عدا ذلك، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقد جوزوا الاستثناء في الإيمان لاعتبارات ثلاث:
1 - أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك ما نهاه عنه كله، والمؤمن لا يستطيع أن يجزم بذلك.
2 - أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه، فلا عبرة بالإيمان قبل الموافاة عليه، فالمستثني لا يشك في إيمانه وإنما أراد عدم علمه بالعاقبة.
3 - تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى، والإخبار أن إيمانه وعدمه مرهون بمشيئة الله كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43]، وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [التكوير: 29].
انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 7/ 429 - 460، و"شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 494 - 498.]]، وإنما الاستثناء للحالة المقابلة؛ لأن العبد على غير أمن من العاقبة فيرجو الموافاة على الإيمان إن شاء الله [والناس مختلفون في هذا فأهل الحديث ذهبوا إلى أن المؤمن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] لا على الشك فيما يجب عليه الإيمان به، ولكن على معنى: أن المؤمن الحقيقي من يكون من أهل الجنة، قالوا: وجميع عمر العبد كطاعة واحدة يتوقف بعضها على بعض في الصحة، فإذا شرع في صلاة أو صوم فما لم يفرغ منها ولم يخرج منها على الصحة لا يقال: إنه مصل على الحقيقة وصائم على الحقيقة، وكذلك ما لم تحصل موافاته على السلامة والإيمان لا يعلم أنه مؤمن على الحقيقة [[ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا التعليل يذكره بعض المتأخرين من أصحاب الحديث، ولكنه ليس قول السلف، وإنما المأثور عن السلف بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل الواجبات كلها فلا يشهدون لأنفسهم بذلك لما فيه من تزكية النفس بلا علم. انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 7/ 439.]]، فأما في علم الله فيجوز أن يكون مؤمنًا على الحقيقة ولكنا لا ندري ذلك.
وقال قوم من أصحابنا [[يعني الأشاعرة، ومنهم أبو المعالي الجويني في كتاب "الإرشاد" ص 336.]] وهو مذهب الإمام أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله: إنه يكون في الحال مؤمنًا على الحقيقة وإن جاز أن يتغير في العاقبة [[في (ح) و (س): (الباني)، من غير نقط.]]، وليس سلامة العاقبة من شرط استحقاق الاسم على الحقيقة، وتغير [[في (ح): (لغير)، وهو خطأ.]] الأحكام في المستقبل لا يمنع ثبوتها في الحقيقة في الحال كالحركة إذا وجدت بالمحل أوجبت له حكم المتحرك، وجواز [[في (ح): (وهو جواز)، وهذا خطأ من الناسخ.]] وجود السكون لا يمنع من استحقاق حكم المتحرك وكذلك في جميع الأسماء المشتقة من معان، قالوا: والأصل في هذا أن الأسامي مبقاة على استعمال أهل اللغة، وأهل اللغة لم يطلقوا هذا الاسم بشرط موافاة العاقبة، فللرجل أن يقول: أنا مؤمن حقًا، وأنا مؤمن على الحقيقة، أموت على الإيمان إن شاء الله، وهذا مذهب مخالفينا في هذه المسألة [[يعني المعتزلة والكرامية، انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 7/ 441.]].
وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال عطاء: يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم [[ذكره أبو إسحاق الثعلبي في "تفسيره" 6/ 39 أ.]]، ونحو هذا قال أهل المعاني: لهم مراتب بعضها أعلى من بعض على قدر أعمالهم [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 401، وروى نحوه ابن جرير 9/ 181 عن عبد الله بن محيريز الجمحي.]].
وقوله تعالى: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ قال أهل اللغة: الكرم اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن [["تهذيب اللغة" (كرم) 4/ 3132، و"لسان العرب" (كرم) 7/ 3861.]]، والكريم: المحمود فيما يحتاج إليه فيه، فالله تعالى يوصف بأنه كريم [[كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: 6].]]، وقال تعالى: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: 7]، ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة: 77]، ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)﴾ [النمل: 29]، ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: 31]، ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]، ونذكر شرح كل واحد في موضعه، فالرزق الكريم: هو الشريف الفاضل الحسن الممدوح.
قال هشام بن عروة: يعني ما أعد الله لهم في الجنة من لذيذ المآكل والمشارب [[في (م): (المأكل والمشرب).]] وهنيء العيش [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 6/ 39 أ، واعتمده ابن جرير تفسيرًا للجملة من الآية == دون أن ينسبه إلى أحد. انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 181.]].
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق