الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن زيد وابن إسحاق: (أي شرك) [[انظر: أقوال المذكررين سوى ابن إسحاق، في "تفسير ابن جرير" 9/ 248 - 249 ، وابن أبي حاتم 5/ 1701، وابن كثير 2/ 341، وانظر: قول ابن إسحاق في "السيرة النبوية" 2/ 318.]]، وقال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه [[رواه الثعلبي 6/ 61 أ، والبغوي 3/ 357.]]، وقال عروة بن الزبير: كان المؤمنون يفتنون عن دين الله في أول ما دعا رسول الله ﷺ إلى الإسلام، وآمنت به طائفة فكانت فتنة شديدة، فافتتن من افتتن، وعصم الله من شاء، وأمر رسول الله ﷺ المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة، وفتنة ثانية وهي: لما بايعت الأنصار رسول الله ﷺ بيعة العقبة [[في (س): (يوم العقبة).]] توامرت [[توامرت: لغة غير فصيحة في تآمرت، انظر: "النهاية في غريب الحديث" (أمر) 1/ 66، و"لسان العرب" (أمر) 1/ 129.]] قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكة عن دينهم فأصاب المؤمنين جهد شديد؛ فأنزل الله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [[رواه ابن جرير 9/ 250، وقد ذكر المؤلف قول عروة بمعناه مع تصرف وزيادات.]]. قال الزجاج: أي حتى لا يفتنوا [[في "معاني القرآن وإعرابه": يفتن.]] الناس فتنة كفر، ويدل على أن معنى ﴿فِتْنَةٌ﴾: كفر: قوله: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 413.]]. قال أهل المعاني: وإنما كان الكفر فتنة لأنه يخلّص صاحبه بالفساد الذي ظهر منه ممن يجب أن يتولى على ظاهره [[يعني أن الكفر يميز ويفصل بين الكافر الذي تحرم موالاته وبين المؤمن أو المنافق الذي يجب أن يتولى على ظاهره، ويوكل باطنه إلى الله تعالى.]]؛ إذ أصل الفتنة: تخليص الشيء من غيره، من قولهم: فتنتُ الذهب في النار: إذا خلصته من الغش الذي كان فيه [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾، قال ابن عباس: يريد: الدين الذي أرسلتَ به دينًا حنيفيًا [[لم أجده بهذا اللفظ، وقد رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 181، بلفظ: حتى لا يبقى إلا دين الإِسلام، ورواه ابن أبي حاتم 5/ 1701، بلفظ: يخلص التوحيد لله عز وجل، ورواه ابن جرير 9/ 248 بلفظ: حتى لا يكون شرك.]]، وقال الربيع: ويكون التوحيد لله خالصًا ليس فيه شرك، ويُخلع ما دونه من الأنداد [[رواه الثعلبي 6/ 61 أ، ورواه ابن جرير 9/ 248 - 249 بنصه لكن عن ابن جريج، والنص نفسه مذكور في "السيرة النبوية" 2/ 318 قولًا لابن إسحاق، وقد رجح محمود شاكر في تعليقه على رواية ابن جريج أن القول لابن إسحاق وأن في"تفسير ابن جرير" سقطًا ولا دليل على هذا الترجيح إذ لا مانع أن يكون القول لأحد الثلاثة ثم يعتمده غيره فيعتبر قولًا له، وبما أن الرجال الثلاثة كانوا في عصر واحد (توفي الربيع بن أنس عام 140هـ أو قبلها، وتوفي ابن إسحاق وابن جريج عام 150 هـ أو بعدها) فإنه يتعذر معرفة السابق بالقول.]]، وقال ابن زيد: لا يكون مع دينكم كفر [[رواه ابن جرير 9/ 249.]]. قال أهل العلم: أمر الله تعالى بالقتال إلى أن يعم الإسلام الدنيا كلها ولا يبقى على وجه الأرض كافر، فتكليف القتال ممدود إلى هذا الميعاد [[انظر: "الأم" 4/ 241، و"أحكام القرآن" للشافعي ص 46، و"تفسير أبي الليث السمرقندي" 2/ 18، وهو قول فيه نظر لدلالة الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29]، فجعل تكليف القتال ممدودًا حتى إعطاء الجزية لا الإسلام، وأما السنة فأحاديث أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، ومنها: ما رواه مسلم في"صحيحه" (1731) كتاب الجهاد والسير، باب: تأمير الإمام الأمراء ضمن وصية رسول الله ﷺ لأمراء الجيوش والسرايا، وفيها: " .. ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم .... فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم"، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. " الحديث: فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك قتال مؤدي الجزية والمعاهد؟ فالجواب من وجوه: أحدها: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية وإلغاء المعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث. ثانيها: أن يكون من العام الذي خص منه البعض. ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله: "أقاتل الناس" أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: "أمرت أن أقاتل المشركين". رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها: التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتال، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها. سادسها: أن يقال: الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام؛ وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا ما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن. "فتح الباري" 1/ 77 باختصار وبمثل هذا توجه الآية، والله أعلم.]]، لقوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33]. ومنهم من قال: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ يعني في جزيرة العرب لا يعبد غير الله [[انظر: "المحرر الوجيز" 5/ 302، و"تفسير الفخر الرازي" 15/ 164.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ققال ابن عباس: يريد: عالم بمن ينتهي، بصير بأعمالهم [[رواه بمعناه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 181.]]، والمراد بالانتهاء هاهنا: عن الشرك، لا عن القتال؛ لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال كان فرضًا على المؤمنين قتالهم [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 248 - 250، فقد ذهب إلى هذا القول وردّ على من قال إن المراد الانتهاء عن القتال.]]. قال أهل المعاني: فإن انتهوا فإن الله يجازيهم مجازاة البصير بهم [[ساقط من (ح).]]، وبأعمالهم لا يخفى عليه شيء منها [[لم أقف عليه.]]، وقال صاحب النظم: قوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ راجع [بالمعنى إلى قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ ثم اعترض قولٌ سواه فقال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ ثم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]] رجع إلى ما قبله فقال: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب