الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الآية فيها طريقان للمفسرين: أحدهما: أن المراد بالخبيث والطيب [[ساقط من (س).]] في هذه الآية: الكافر والمؤمن، وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي [[سيذكر المؤلف روايته ورواية مرة.]] ومرة الهمداني [[هو: مرة بن شراحيل الهمداني أبو إسماعيل الكوفي، المفسر أدرك النبي ﷺ ولم يره، كان عالمًا كبير الشآن بصيرًا بالتفسير، توفي سنة 76 هـ أو قريبًا من ذلك. انظر: "طبقات ابن سعد" 6/ 116، و"حلية الأولياء" 4/ 161، و "تذكرة الحفاظ" للذهبي 1/ 67، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 74، و"طبقات المفسرين" للداودي 2/ 317.]]، وعلى هذا (اللام) في قوله: (ليميز) متعلق بقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ أي: إنما يحشرون إليها للميز بين المؤمن والكافر، قال الوالبي عن ابن عباس: ليميز أهل الشقاوة من أهل السعادة [[رواه بنحوه ابن جرير 9/ 246.]]، وقال مُرّة: يميز المؤمن في علمه السابق الذي خلقه حيث [[في" تفسير الثعلبي": حين.]] خلقه طيبًا من الكافر الذي خلقه خبيثًا في علمه السابق [[رواه الثعلبي 6/ 60 أ.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾، قال مرة: يلحق بعضهم ببعض فيجعلهم في جهنم [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾، قال الليث: الركم: جمعك شيئًا فوق شيء حتى تجعله ركامًا مركومًا كركام الرمل والسحاب ونحو ذلك من الشيء المرتكم بعضه على بعض [[في "تهذيب اللغة" (ركم) 2/ 1463، والنص في كتاب "العين" (ركم) 5/ 369]]. قال المفسرون: ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ أي: يجمعه حتى يصير كالسحاب المركوم فيجعله في جهنم [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 60 ب، والبغوي 4/ 356، وبنحوه في" تفسير ابن جرير" 9/ 246 - 247.]]. ووحد الخبر [[ساقط من (م).]] لتوحيد قوله: ﴿الْخَبِيثَ﴾. وروى عطاء عن ابن عباس للآية معنى آخر على هذا الطريق وهو أنه قال في قوله: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ يريد أنه أخر أجل هذه الأمة إلى يوم القيامة، وكل أمة قبل أمة محمد إذا كذبوا نبيهم لم يؤخروا وعذبوا، فجعل الله ميقات هذه الأمة إلى يوم القيامة فقال: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ قال: يريد المؤمن والكافر، يريد أن في أصلاب الكفار مؤمنين، وكذلك يميزون يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)﴾ [يس: 59]، ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ يريد في جهنم يضيقها عليهم، ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ مثل ما يدرج الثوب، يريد: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ [[الرحمن: 41، ونصها: فيؤخذ.]] مثل قوله: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة: 32] كلما يسلك الخرز [[في (ح): (الخرزة).]] في الخيط، يريد يدخل من دبره ويخرج من حلقه ويجمع بين ناصيته وقدميه [[ظاهر سياق المؤلف أن الكلام السابق من قوله. روى عطاء، إلى هنا من كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- ولم أجد من روى هذا الأثر أو بعضه، وقد سبق بيان أن رواية عطاء عن ابن عباس مفقودة، وهي موضوعة.]]. الثاني: أن المراد بالخبيث والطيب: نفقة الكافر على عداوة محمد ﷺ ونفقة المؤمن في جهاد المشركين، وهو قول الكلبي وابن زيد، واختيار أبي إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 412.]] وابن الأنباري [[لم أقف عليه.]]، قال الكلبي: يعني العمل الخبيث من العمل الطيب فيثيب على الخبيث النار وعلى الطيب الجنة [[رواه الثعلبي 6/ 60 أ، والبغوي 3/ 356، وذكره السمرقندي 2/ 17.]]. وقال ابن زيد: يعني الإنفاق الطيب في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان، فتجعل نفقاتهم [[في (ح): (نفاقهم)، وهو خطأ.]] في قعر جهنم ثم يقال لهم: الحقوا بها [[رواه الثعلبي 6/ 60 أ، وذكره ابن الجوزي 3/ 356 دون قوله: فيجعل ... إلخ.]]. وقال أبو إسحاق: أي: ليميز ما أنفقه المؤمنون في طاعة الله مما أنفقه المشركون في معصية الله [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 412.]]. قال أبو بكر [[يعني ابن الأنباري، ولم أقف على قوله هذا.]]: فإن قيل على هذا: فأي فائدة في إلقاء أموالهم في جهنم وهي لا تستحق تعذيبًا ولا تجد ألمًا [[في (ح): (إثمًا)، وهو خطأ.]]؟ فيقال: إن الله تعالى يجعل أموالهم الحرام في النار ليعذبهم بها، ويوصل الآلام إليهم من جهتها كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: 35]، وقد ذكر الزجاج هذا بعينه وقال في قوله: ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ أي: يجعل ما أنفقه المشركون بعضه على بعض ويجعل ذلك عليهم في [[ساقط من (ح).]] النار فيعذبون به كما قال الله تعالى: ﴿فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ﴾ [التوبة: 35] الآية [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 413.]]. قال أبو بكر: وجواب آخر وهو أن الله تعالى يدخل أموالهم جهنم [[في (س): (إلى جهنم).]] لتعززهم بها وافتخارهم بجمعها وأنه لا شيء كان أجلّ عندهم منها، فأراهم هوانها عليه، والحال الدنية التي أصارها إليه، قال: ويكشفه حديث النبي ﷺ: "إذا كانت القيامةُ تزيَّنت الدُّنيا بأحسنِ هيئتها وتزخرفت بأجملِ زخارفها وقالت: يا ربِّ هبني لوليٍّ من أوليائك، فيقول الله تعالى: أنت أقل شأنًا عندي من ذلك، ثم يأمر بها إلى النار" [[لم أعثر عليه في مظانه من كتب الترغيب والترهيب والموضوعات.]] فيرون أنه يفعل ذلك بها ليُري المؤثرين بها قلتها عنده وهوانها عليه. قال: واللام في قوله: ﴿لِيَمِيزَ﴾ متعلقة بالكلام المتقدم ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ لكي يمييز الله الخبيث من الطيب [[لم أقف على قول أبي بكر ابن الأنباري هذا.]]. وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ يعني الذين كفروا وأنفقوا أموالهم في طاعة الشيطان هم الذين غبنت صفقتهم وخسرت تجارتهم أنهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب