الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هذه الآية راجعة إلى قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ [مُسْتَضْعَفُونَ﴾] [[في (ح) و (س): (فكثركم) موضع (مستضعفون)، ولا يوجد آية بهذا اللفظ، وفي (م): ﴿اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف: 86] وهي خطاب لقوم شعيب، وكلام المؤلف يدل على أنه أراد ما أثبته، وقد اضطررت لتغيير نص المؤلف لكون الخطأ في آية من كتاب الله.]] يذكرهم الله عز وجل حالهم بمكة ونعمته على رسوله بإبطاله مكر المشركين، وهذه السورة مدنية، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من المفسرين: إن مشركي قريش توامروا [[هكذا في جميع النسخ، وهي لغة في تآمروا، قال مسجد الدين الجزري: آمروا النساء في أنفسهن: أي شاوروهن في تزويجهن، ويقال فيه: (وامرته، وليس بفصيح). "النهاية في غريب الحديث" (أمر) 1/ 66.]] في دار الندوة فقال بعضهم: قيدوه نتربص به ريب المنون، وقال بعضهم: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم، قال أبو جهل: ما هذا برأي ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربونه [[هكذا في جميع النسخ، والصواب: فيضربوه؛ لأنه معطوف على منصوب.]] بأسيافهم ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فلا تقوى بنو هاشم على حرب قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، وأوحى الله عز وجل إلى نبيه بذلك وأذن له بالخروج إلى المدينة فخرج إلى الغار، فذلك قوله: ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [[هذا معنى أثر رواه عن ابن عباس، الإمام ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 2/ 93 ، وأحمد 1/ 348، وابن جرير 9/ 226، والثعلبي 6/ 55 أ، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 100. فيه عثمان بن عمرو والجزري، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ. وقد روى قضية حصار بيت النبي ﷺ ومحاولة قتله ودخوله الغار الإمام أحمد == 1/ 331، والحاكم 3/ 133، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وانظر: قول قتادة ومجاهد وغيرهما في "تفسير ابن جرير" 9/ 226 - 230، وابن أبي حاتم 3/ 239، 240، و" الدر المنثور" 4/ 50 - 53.]]. قال ابن عباس ومجاهد ومقسم [[تقدمت ترجمته.]] وقتادة: (ليوثقوك ويشدوك) [[رواه عنهم ابن جرير 9/ 226، والثعلبي 6/ 56 أ، وقد جمع الواحدي بين قولين، فقتادة يقول: ليشدوك، وغيره يقول: ليوثقوك. والقولان بمعنى واحد.]]، وكل من شُّد فقد أُثبت؛ لأنه لا يقدر على الحركة، ومن هذا يقال لمن اشتدت به علة أو جراحة منعته الحركة: قد أُثبت فلان فهو مثبت. وقال عطاء وعبد الله بن كثير [[هو: عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله الداري المكي الإمام العلم، مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة، كان ثقة فصيحًا واعظًا كبير الشأن، مات سنة 120 هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 318، و"معرفة القراء الكبار" 1/ 86، و"غاية النهاية في طبقات القراء" 1/ 443.]] وابن زيد: (ليسجنوك) [[رواه عنهم ابن جرير 9/ 226، ورواه عن عطاء وابن كثير الإمام ابن أبي حاتم 5/ 1688، والثعلبي 6/ 56 أ.]]، وهو لفظ الفراء [["معاني القرآن" 1/ 409، ولفظه: ليحبسوك في البيت.]] والزجاج [[لم يتطرق الزجاج لتفسير الكلمة في كتابه "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 410، ولم أجد من ذكره عنه.]] وابن قتيبة [["تفسير غريب القرآن" ص 189.]] وابن الأنباري، قال أبو بكر: يريد: ليثبتوك في بيت، فحذف المحل لوضوح معناه. وقوله تعالى: ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾ أي: بأجمعهم قتلة رجل واحد كما قال اللعين أبو جهل، ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ أي: من مكة إلى طرف من أطراف الأرض. وقوله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، قال أبو إسحاق: ومكر الله عز وجل إنما هو [[ساقط من (م).]] مجازاة ونصر للمؤمنين [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 410.]]، وقال الضحاك: ويصنعون ويصنع الله [[رواه البغوي 3/ 350.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: إنه مكر أفضل مما مكروا [[رواه بمعناه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص180، من رواية الكلبي.]]، وقال محمَّد بن إسحاق: قال الله: مكرت لك بكيدي المتين حتى خلصتك منهم [["السيرة النبوية" 2/ 669.]]. وتلخيص معنى قوله: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أي أفضل المجازين بالسيئة العقوبة [[قال الراغب الأصفهاني: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان: مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43]، و"المفردات" (مكر) ص 471.]]؛ وذلك أنه أهلك هؤلاء الذين دبروا لنبيه الكيد، وخلصه منهم، وقد ذكرنا معنى المكر في قوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ في سورة آل عمران [54].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب