الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ أي لو خلق فيهم خيرًا؛ لأن ما خلقه الله يعلمه، وما لا يعلمه الله فهو ما لم يخلقه على معنى أنه لا يعلمه مخلوقًا [[يشير المؤلف إلى تعلق علم الله بالكون من ناحية الوجود والعدم ، وذلك قسمان: أحدهما: جملة الموجودات. الثاني: جملة المعدومات. فالموجود يعلمه الله موجودًا، والمعدوم لا يعلمه الله موجودًا، بمعنى أنه يعلمه معدومًا.]]، كما قال تعالى: ﴿أتنبئون الله بما لا يعلم [في الأرض﴾ [يونس: 18] أي: بما لم يجعله ولم يخلقه، ومعنى الآية: ولو علم الله أنهم يصلحون بما يورده] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]] من حججه وآياته لأسمعهم إياها ولم يخلف [[هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: يخف.]] عنهم شيئًا منها. وقال ابن جريج وابن زيد: لأسمعهم الحجج والمواعظ سماع تفهيم وتعليم، ولو أسمعهم بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون [[ما ذكره المؤلف هو قول ابن زيد كما رواه بلفظ مقارب ابن جرير 9/ 212، وأما قول ابن جريج فنصه: ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لقالوا ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾ [يونس: 15] ولقالوا ﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: 203] ولو جاءهم بقرآن غيره لتولوا وهو معرضون.]]. وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾: يريد: لهداهم [[رواه بمعناه الفيروزأبادى في "تنوير المقباس" ص 179 من رواية الكلبي وهو واهٍ.]]. ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ رجع تبارك وتعالى إلى ما سبق في علمه وقضائه وقدره فأخبر بما كان قبل أن يكون، ومعنى قوله [[أى ابن عباس في قوله السابق.]]: (لهداهم) أي: لأسمعهم ما يهتدون به سماع تفهيم. وشرح أبو علي الجرجاني هذا القول شرحًا شافيًا فقال: إن الله يعلم ما يكون، وما لا يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون، فتأويل قوله: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ أي ليس فيهم خير فلا يسمعهم؛ لأنه جبلهم على ذلك، وهذا مثل قولك للرجل: لو علمت أنك تفهم لأخبرتك، أي: أنك لا تفهم، ثم قال: ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ -أي إسماع الإفهام الذي ينفع [[في (م): (ينتفع به).]] ويجدي إذا كان في الإنسان خير، وكان سعيدًا- ﴿لَتَوَلَّوْا﴾ أيضًا ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ إخبارًا منه عز وجل عما لا يكون لو يكون كيف يكون [[ساقط من (ح).]]، ومثل هذا قوله إخبارًا عن المنافقين: ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ [[حذف الجرجاني أو المؤلف بعض الآية ونصه: ﴿وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا﴾ وقد فعل ذلك الرازي أيضًا في "تفسيره" 15/ 150 وهو كثير النقل من تفسير الواحدي "البسيط".]] [الحشر: 11] فقال الله تعالى: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ [[في جميع النسخ: (ولئن). وهو خطأ.]] [الحشر: 12] فأعلمنا أن ذلك لا يكون منهم، ثم قال: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ﴾ [الحشر: 12] فأعلم عز وجل عما لا يكون بأنه لو كان كيف يكون. وسلك أبو إسحاق في معنى هذه الآية طريقة حسنة فقال: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ جواب كل ما يسألون عنه، ثم قال [[في "معاني القرآن وإعرابه": ثم قال جل وعز. وفي (م): (وقوله).]]: ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا﴾ أي لو بين لهم كل ما يختلج [[في المصدر السابق: يعتلج. اهـ، والكلمتان متقاربتان في المعنى، ففي "لسان العرب" (خلج) 3/ 1223: اختلج الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك، وأصل الاختلاج: الحركة والاضطراب. وفي المصدر نفسه (علج) 5/ 3065: اعتلج القوم: اتخذوا صراعًا وقتالاً، واعتلج الموت: التطم، وهو منه، وأعتلج الهمّ في صدره، كذلك على المثل.]] في نفوسهم ﴿لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ لمعاندتهم [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 409.]]. واختاره ابن الأنباري وشرحه فقال: ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه مما يقترحون ويطالبون [[ساقط من (ح).]] من المعجزات، ولو أسمعهم ذلك وأجابهم إلى ما يحبون منه لأعرضوا لعنادهم الحق، وحرصهم على إبطال أعلامه. قال أصحابنا [[يعني الأشاعرة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة قاطبة، انظر: "مقالات الإسلاميين" للأشعري 2/ 346، و"عقيدة السلف وأصحاب الحديث" للصابوني ص 284، و"شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 353، و"القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة" ص 247.]]: وفي الآية دليل واضح على أن المقادير والكفر والإِسلام والخير والشر سابقة ماضية، وأن الشقي لا ينتفع بدعوة الرسول واستماع الحق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب