قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾
قال الكلبي: على شهوته. وقال مقاتل: على حب الطعام [["النكت والعيون" 6/ 166.]].
قال الزجاج: هذه (الهاء) تعود على الطعام، المعنى: يطعمون الطعام أشد ما يكون حاجتهم إليه، وصفهم الله بالأثرة على أنفسهم [["تفسير مقاتل" 219/ ب، المرجع السابق، "تفسير القرآن العظيم" 4/ 485.]].
وقوله: ﴿وَأَسِيرًا﴾ قال الحسن: الأسير [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 259 بنحوه.]] من أهل الشرك [[الأسير في اللغة: من الأسر، أصل واحد، وقياس مطرد، وهو: الحبس، وهو الإمساك، من ذلك: الأسير، وكانوا يشدونه بالقِدِّ، وهو الإسار. انظر: "مقاييس اللغة" 1/ 107 (أسر).]].
وهو قول ابن عباس [[بمعناه في: "جامع البيان" 29/ 210، و"النكت والعيون" 6/ 166، و"المحرر الوجيز" 5/ 410، و"زاد المسير" 8/ 146، و"التفسير الكبير" 30/ 245، و"الدر المنثور" 8/ 371 وعزاه إلى: سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه. وانظر: "تفسير الحسن البصري" 384.]]، وقتادة، قال: كان أسيرهم يومئذ مشركًا، فأخوك المسلم، أخوك أحق أن تطعمه [["تفسير عبد الرزاق" 2/ 377، "التفسير الكبير" 30/ 245، "القرطبي" 19/ 127، "تفسير القرآن العظيم" 4/ 485، "الدر المنثور" 8/ 371 وعزاه إلى ابن المنذر.]].
ونحو هذا قال مقاتل [["تفسير عبد الرزاق" 2/ 336، "جامع البيان" 29/ 210، "الكشف والبيان" 13/ 14/ ب، معالم التنزيل: 4/ 428، "المحرر الوجيز" 5/ 410، "زاد المسير" 8/ 146، "التفسير الكبير" 30/ 245، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 127.]] في الأسير: إنه من المشركين؛ إلا أنه قام ثم نسخ طعام الأسير [[وممن قال بنسخ إطعام الأسير من المشركين بآية السيف: هبة الله بن سلامة؛ قال: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا" هذا محكم في أهل القبلة، "وأسيرًا" "هذا منسوخ بآية السيف، وهو من غير أهل القبلة، وهم المشركون". الناسخ والمنسوخ: 191. وقد وضح محقق كتاب الناسخ والمنسوخ: لهبة الله أن مراد المؤلف بالمنسوخ في الآية هو عدم قتل الأسير الكافر، أما إطعامه فلا خلاف في أنه محكم. وممن قال بنسخ الآية أيضًا بآية السيف: ابن البارزي في: ناسخ القرآن ومنسوخه: 56. وقد رد دعوى النسخ ابن الجزري في "نواسخ القرآن" 250، == وبين أن الأسير يقتل، ولا يفادى، وأما إطعامه فقال: ففيه ثواب بالإجماع والآية محمولة على التطوع بالإطعام، فأما القرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار.]].
قال أهل العلم [[قال بذلك الجصاص في: "أحكام القرآن" 3/ 471، وابن العربي في: "أحكام القرآن" 4/ 1898، والقرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 127. قال الإمام النووي في "المجموع": "ولا يجوز دفع شيء من الزكوات إلى كافرة سواء زكاة فطر وزكاة المال، وهذا لا خلاف فيه عندنا" 6/ 228.]]: هذه الآية تدل على أن إطعام الأسرى [[في (ع): الأسارى]]، وإن كانوا من غير أهل ملتنا حسن يرجى ثوابه، فأما فريضة الكفارات، (والزكوات) [[ساقطة من (أ).]]، فلا يجوز وضعها في فقراء المشركين، وأسراهم.
وفي الأسير قولان (آخران) [[ساقطة من (أ).]]:
أحدهما: أن المسجون من أهل القبلة، وهو قول مجاهد [["جامع البيان" 19/ 210، "الكشف والبيان" 13: 14/ ب، "النكت والعيون" 6/ 166، معالم التنزيل: 4/ 428، " المحرر الوجيز" 5/ 410، "زاد المسير" 8/ 146، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 127.]]، وعطاء [[المراجع السابقة عدا: "النكت والعيون"، وانظر أيضًا: "الدر المنثور" 8/ 371 وعزاه إلى ابن أبي شيبة.]]، وسعيد بن جبير [[المراجع السابقة.]]، وروي ذلك مرفوعًا من طريق أبي (سعيد) [[ساقط من (ع).]] الخدري أن النبي -ﷺ- قال في قوله: ﴿مِسْكِينًا﴾: فقيرًا، ﴿وَيَتِيمًا﴾ لا أب له، ﴿وَأَسِيرًا﴾ قال: المملوك والمسجون [[ورد الحديث في: "حلية الأولياء" 5/ 105، وقال عنه أبو نعيم: غريب من حديث عمرو، تفرد به عباد عن عمه. كما ورد في: "التفسير الكبير" 3/ 245، "الدر المنثور" 8/ 371 وعزاه إلى ابن مردويه، وأبو نعيم.]].
القول الثاني: أن المراد بالأسير: المرأة، وهن أسرى [[في (أ): أسروا.]] عند الأزواج، يدل عليه الحديث: "اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان" [[الحديث أخرجه ابن ماجه 1/ 341 ح 1856 من طريق سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه: أبواب النكاح: حق المرأة على الزواج. كما أخرجه الترمذي 3/ 458، ح: 1163، كتاب الرضاع: باب 11، وقال عنه أيضًا: حديث حسن صحيح، كما أخرجه أيضًا في كتاب التفسير: 5/ 274: ح: 3087: باب 10، وقال عنه أيضًا: حديث حسن صحيح. وقد حسنه الألباني. انظر: "صحيح سنن ابن ماجه" 1/ 311، ح: 1501، باب 3.
عوان: جمع عانية، والعاني: الأسير. انظر: "تحفة الأحوذي" المباركفوري: 4/ 273: كتاب الرضاع: باب 11.]]، وهو قول الثمالي [["المحرر الوجيز" 5/ 411، "زاد المسير" 8/ 146، "الجامع" للقرطبي 19/ 127.]].
قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن عليًا رضي الله عنه أجر نفسه يسقي نخلًا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح، فلما أصبح [[في (أ): الصبح.]] وقبض الشعير طحن ثلاثة، فجعلوا منه شيئًا ليأكلوه، يقال له: الخَزيرَة [[الخزيرة: لحم يقطع صغارًا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل: هي حسًا من دقيق ودَسم، وقيل: إذا كان من دقيق فهي حَريرة، وإذا كان من نُخالة فهو خزيرة. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 28 باب الخاء مع الزاي.]]، فلما تم نضاجه [[في (ع): إنضاجه. وكذا التي في السطر التالي.]] أتى مسكين، فأخرجوا إليه الطعام، ثم عملا الثلث الثاني، فلما تم نضاجه أتى يتيم، (فسأل، فأطعموه) [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]]، (فأخرجوا له الطعام) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]]، ثم عملا الثلث الباقي، فلما تم نضاجه [[في (ع): إنضاجه.]] أتى أسير من المشركين، فسأله، فأطعموه، وطووا يومهم ذلك [[وردت الرواية مطولة في: "الكشف والبيان" 13: من ورقة: 16 إلى ورقة 19 عند تفسيره لقوله: "يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا"، وانظر معالم التنزيل: 4/ 428، وذكرت أيضًا مطولة بمعناها في: الكشاف: 5/ 169، وفي "التفسير الكبير" 30/ 244، وفي الجامع لأحكام القرآن: 19/ 131 - 132. وقد رد القرطبي هذه الرواية وأمثالها مما روي عن علي وفاطمة -رضي الله عنهما-، ووصفها بأنها من أحاديث السجون التي يعمد أصحابها إلى السهر بكتابة مثل هذه الروايات، وهم في سجونهم، كما بين أن الروايات المطولة بزيادات وأشعار عن علي وفاطمة -رضي الله عنهما- فيها ما يبين كذبها وبطلانها. وقد ذكرت أيضًا في: أسباب النزول: 378، وقد أوردها الماوردي عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾. "النكت والعيون" 6/ 168. وقال ابن حجر: رواه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس، ومن رواية الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ الآية. فذكر تمامه، وزاد في أثنائه أشعارًا لعلي وفاطمة. قال الحكيم الترمذي: ومن الأحاديث التي تنكرها القلوب، حديث رووه عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره بشعره، ثم قال: هذا حديث مزوق مفتعل، لا يروج إلا على أحمق جاهل. ورواه ابن الجوزي في: الموضوعات من طريق أبي عبد الله السمرقندي، عن محمد بن كثير، عن الأصبغ بن نباتة، ثم قال: وهذا لا شك في وضعه. انظر: "الكافي الشاف" 180. كما فند هذه الرواية بالحجة والبرهان محققا "الوسيط" 4/ 401.]].
قول تعالي: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ قال مجاهد: أما إنهم لم يتكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب فيه راغب [["جامع البيان" 29/ 211، "الكشف والبيان" 13/ 14/ ب، "النكت والعيون" 6/ 167، "معالم التنزيل" 4/ 428، "زاد المسير" 8/ 146، "البحر المحيط" 8/ 395.]].
وقال الكلبي: لم يتكلم أهل هذه الصدقة، ولكن عرف (الله) [[ساقطة من (أ).]] نياتهم، فأظهر فعالهم [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال عطاء عن ابن عباس: إن الله تعالى أثنى عليهم بما علم من نياتهم، فذكر ما أتوا به؛ ولأن اليتيم والمسكين [[في (ع) اليتيم والمسكين.]] والأسير لم يكن عندهم جزاء، ولا مكافأة، ولا شكر، ولكن الله تعالى قبل اليسير الذي فعلوه، وشكره، وعلم من نياتهم أنهم فعلوا ذلك خوفًا من الله عز وجل، ورجاء ثوابه [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال الأخفش في قوله: (شكورًا): إن شئت جعلته (جماعة الشُّكْر، مثل: برد وبرود، وإن شئت جعلته) [[ما بين القوسين ساقطة من (أ).]] مصدرًا واحدًا في معنى جمع [[في (ع): جميع.]]، مثل: القعود [[في (ع): العقود.]]، والخروج [["معاني القرآن" 2/ 722 بتصرف.]]، (ونحو هذا قال في: (الكفور) في قوله: ﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: 99]) [[ما بين القوسين لم يرد عند الأخفش في معانيه. المرجع السابق.]].
قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ قال الكلبي [[بمعناه في: "الكشف والبيان" 13/ 15/ أ، ومعالم التنزيل: 4/ 429.]]، ومقاتل [[بمعناه في: "تفسير مقاتل" 220/ أ، "الكشف والبيان" 13/ 15/ أ.]]: تعبس [[في (أ): تعبيس.]] الوجوه من هول ذلك اليوم وشدته، فلا تنبسط.
قال ابن قتيبة: جعل (عبوسًا) من صفة ذلك اليوم، والمعنى: أن الوجوه تعبس في ذلك اليوم، كما يقال: يوم عاصف، أي ذو عصوف [["تفسير غريب القرآن" 502 بيسير من التصرف.]]. كذلك المعنى -هاهنا- ذو [[في (أ): ذوا.]] عبوس [[قال ابن منظور: عَبَس يَعْبِس عَبْسًا، وعَبس: قطب ما بين عينيه، ويوم عابس وعَبُوس: شديد. انظر: "لسان العرب" 6/ 128: مادة: (عبس). وقال ابن فارس: عبس: أصل يدل على تكرُّه في شيء، وأصل العَبَس: ما يبس على هُلْب الذنب من بَعر وغيره، وهو من الإبل كالوَذج من الشاء، ثم اشتق من هذا: اليوم العَبوس، وهو الشديد الكريه، واشتق منه عبس الرجل يعبس عبوسًا، وهو عابس الوجه: غضبان. انظر: "مقاييس اللغة" 4/ 210 - 212 مادة: (عبس).]] فيه.
وقوله: ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ قال مجاهد: تقبض الوجوه بالشرور [["الكشف والبيان" 13/ 15/ أ.]]. ونحو هذا قال مقاتل [[بمعناه في "تفسير مقاتل" 220/ أ، "الكشف والبيان" 13/ 15/ أ، "معالم التنزيل" 4/ 429، "زاد المسير" 8/ 146.]]، وقتادة [[المراجع السابقة عدا "زاد المسير"، وانظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 337.]]: تقبض الجباه، وما بين العينين من شدته، (وهو قول ابن عباس [["جامع البيان" 29/ 211 - 212.]] في رواية عَنْتَرَة) [[ما بين القوسين ساقطة من (أ).]].
قال أبو إسحاق: جاء في التفسير أن (قمطريرًا) معناه: تُعَبّسُ الوجوه، فيجمع ما بين العينين، قال: وهذا سائغ في اللغة، يقال: اقمطرت الناقة إذا رفعتْ ذنبها، وجَمَعَتْ قَطْريها، ورَمَت بأنْفها [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 259 بنصه.]]، يعني أن معنى اقمطر في اللغة: جمع [[ورد عن أبي عبيدة بنحو من ذلك، فقد جاء عنه في: "الصحاح" المُقْمَطِرُّ: المجتمع. 2/ 797: (قمطر).]].
وقال أبو عبيد: رجل قمطرير: منقبض ما بين العينين، وقد اقمطرّ [["تهذيب اللغة" 9/ 408: (قمطر).]].
وقال الكلبي: قمطريرًا يعني: شديدًا [["الكشف والبيان" 13/ 15/ أ، "البغوي" 4/ 429، "المحرر الوجيز" 5/ 411.]].
وهو قول (الفراء [["معاني القرآن" 3/ 216.]]، وأبي عبيدة [["مجاز القرآن" 2/ 279.]]، والمبرد [["التفسر الكبير" 3/ 247.]]، وابن قتيبة) [["تفسير غريب القرآن" 502.]] [[ما بين القوسين ورد بدلًا عنه في نسخة (أ) وهو قول جماعة.]]، قالوا: يوم قمطرير، وقماطر، إذا كان صعبًا شديدًا أشد ما يكون من الأيام، وأطوله في النبلاء. وهذا معنى، والتفسير هو الأول.
{"ayah":"وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا"}