قوله تعالى: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)﴾ قال جماعة المفسرين [[قال بذلك مقاتل في "تفسيره" 218/ ب، وقتادة في: "تفسير عبد الرزاق" 3/ 335، و"جامع البيان" 29/ 200، وإليه ذهب: ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" 501،== والثعلبي في "الكشف والبيان" 13: 10/ ب، وانظر: "معالم التنزيل" 4/ 425، و"الجامع لأحكام القرآن" 19/ 112، و"لباب التأويل" 4/ 337.]]: هذا تهديد من الله لأبي جهل، ووعيد. وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة بمعنى: الوعيد، في سورة محمد -ﷺ-. [[سورة محمد: 2، ومما جاء في تفسيرها: قال الواحدي: (ومعنى: أولى، أي وعيد لهم، من قولهم في التهديد: أولى لك وليك وقاربك ما يكره. وقال آخرون: أي وليهم المكروه. وقال غيرهم: أولى يقولها الرجل لآخر يحسره على ما فاته، ويقول له: يا محروم أي شيء فاتك. وقال صاحب النظم: أولى مأخوذ من الويل).]] والمعنى: (وَلِيَك المكروه يا أبا جهل) [[نقله عن الزجاج بنص العبارة. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 5/ 254.]].
قال قتادة [[ورد معنى قوله في "تفسير عبد الرزاق" 2/ 335، و"جامع البيان" 29/ 200، و"الكشف والبيان" 13: 11/ أ، وانظر أيضًا قوله: في "معالم التزيل" 4/ 425، و"التفسير الكبير" 30/ 233، و"الجامع لأحكام القرآن" 19/ 113، و"لباب التأويل" 4/ 337، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 482.]]، (والكلبي [["النكت والعيون" 6/ 159 بمعناه، و"التفسير الكبير" 30/ 233.]] [[ساقطة من (أ).]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 218/ ب، المرجعان السابقان.]]: أخذ رسول الله بيد أبي جهل، ثم قال: أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني [[في (أ): توعدني.]]؟ لا تستطيع أنت وربك أن تفعلا بي شيئًا، وإني لأعز أهل الوادي، ثم انسل ذاهبًا، فأنزل الله كما قال له رسول الله -ﷺ-. ونحو ذلك قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن رسول الله -ﷺ- قالها لأبي جهل، ثم أنزلها الله [["تفسير القرآن العظيم" 4/ 482، وانظر: "مجمع الزوائد" 7/ 132، وقال: رواه الطبراني: [11/ 458: ح: 12298]، ورجاله ثقات.]].
قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ﴾ [[لم أعثر على من قال بذلك، ولعله عني بهم جماعة المفسرين السابق ذكرهم في الآية السابقة. وانظر السمرقندي في "بحر العلوم" 3/ 396، وقال القرطبي: إن الخطاب لابن آدم: "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 114.]] قالوا [[في (أ): سدا.]]: يعني أبا جهل. ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [[أبو عبيدة، هكذا ورد في كلا النسختين، والصواب أنه أبو عبيد كما في "التهذيب".]]﴾ هملاً، مهملاً، لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يوعظ في الدنيا، ولا يحاسب بعمله في الآخرة. (والسدى معناه في اللغة: المهمل، يقال: أسدَيْت إبلي إسداءً أهملتها، والاسم: السُّدَى .. ذكر ذلك (أبو عبيد) [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]]، (عن أبي زيد) [[ما بين القوسين نقله الواحدي عن الأزهري. "تهذيب اللغة" 13/ 40 (سدا).]]، والأشبه بالمعنى في ﴿سُدًى﴾، أي: مهملًا لا يبعث. يدل عليه قوله في الدلالة على البعث: ﴿أَلَمْ يَكُ﴾، أي: هذا الإنسان. ﴿نُطْفَةً﴾، أي: ماءً قليلاً، يعني في ابتداء خلقه. ﴿مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ أي تصب في الرحم، وذكر الكلام في ﴿مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ عند قوله: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)﴾ [النجم: 46]، وقوله [[بياض في (ع).]]: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)﴾ [الواقعة: 58]. وفي (يُمنى) قراءتان [[قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: (مِنْ مني تمنى) على أن الضمير: للنطفة. وقرأ حفص، ويعقوب، وهشام بخلف عنه: بالياء (من مني يمنى) جعل الضمير عائدا على (مني) انظر كتاب السبعة: 662 ، و"الحجة" 6/ 346، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 351، و"حجة القراءات" 737، و"المبسوط" 388، (المهذب) 2/ 314.]]: التاء، والياء، (فالتاء للنطفة على تقدير: ألم تك نطفة، يمنى من المني. والياء) [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]] للمني، كأنه: من مني يمنى، أي يقدر خلق الإنسان منه.
﴿ثُمَّ كَانَ﴾ الإنسان ﴿عَلَقَةً﴾ بعد النطفة. ﴿فَخَلَقَ﴾ يعني: فنفخ فيه الروح، وسوّى خلقه. قاله ابن عباس [["التفسير الكبير" 30/ 234.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 218/ ب، وانظر المرجع السابق.]]. ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ﴾ من الإنسان بعد ما سواه خلقًا سويًّا، خلق من مائه أولادًا (له) [[ساقطة من (ع).]]؛ ذكورًا، وإناثًا. وهو قوله: ﴿الزَّوْجَيْنِ﴾ يعني: الصنفين. ثم فسرهما فقال: ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾.
(قوله) [[ساقطة من (ع).]]: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ﴾ الذي فعل هذا. ﴿بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾، وهذا تقدير لهم أن [[في (أ): أي.]] من قدر على الابتداء قدر على البعث بعد الموت، وذلك إشارة إلى الفاعل المضمر في قوله: ﴿فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾ وهو الله تعالى، وكان النبي -ﷺ- إذا قرأ هذه الآية قال: "سبحانك اللهم فبلى" [[الحديث أخرجه: أبو داود 1/ 225 - 226: كتاب الصلاة: باب الدعاء في الصلاة، وباب مقدار الركوع والسجود من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره، والإمام أحمد في "المسند" 2/ 249، والحاكم 2/ 510 في التفسير، سورة القيامة، وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي؛ وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 132، وقال: رواه أبو داود وغيره، ورواه أحمد وفيه رجلان لم أعرفهما. قال ابن حجر: رواية عن إسماعيل عند الحاكم يزيد بن عياض متروك، ولكن أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل، عن رجل، عن أبي هريرة، واختلف فيه على إسماعيل على أوجه == أخرى ذكرتها في حاشية الأطراف. انظر: "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" 180، ملحق بـ"الكشاف" 4. والحديث ضعفه الألباني. انظر: "ضعيف سنن أبي داود" 86 - 87: ح: 188 - 887، و"ضعيف الجامع الصغير وزيادته" 1/ 238: ح: 5796.]].
وقال ابن عباس: إذا قرأت هذه السورة (فقلت) [[ساقطة من (أ).]]: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)﴾ [فقل] [[في كلا النسختين: فقال، ولا يستقيم المعنى بهما.]]: اللهم ربنا فبلى [[أخرجه الثعلبي في "الكشف والبيان" 12: 11/ ب، وابن كثير في "تفسيره"، وساق إسناده: 4/ 482، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" 8/ 364: ابن المنذر.]]. (والله أعلم بالصواب) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]].
{"ayah":"أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ"}