الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾، معنى العود هاهنا: الابتداء كما ذكرنا، والذي عليه أهل العلم [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 2، و"معاني النحاس" 3/ 55، والسمرقندي 1/ 555، والماوردي 2/ 240، والبغوي 3/ 257، وابن عطية 6/ 2.]] والسنة في هذه الآية: إن شعيبًا وأصحابه قالوا: ما كنا لنرجع في ملتكم [[في (ب): (ملتهم).]] بعد إذ وقفنا على أنها ضلالة تُكسبُ دخول النار إلا أن يريد الله إهلاكنا، فأمورنا راجعة إلى الله [[في (ب): (راجعة إليه).]]، غير خارجة عن قبضته، يسعد من يشاء بالطاعة، ويشقي من يشاء بالمعصية، وهذا من شعيب وقومه استسلام للمشيئة، ولم يزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر، ألا ترى إلى قول الخليل عليه السلام ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]، وكثيرًا ما كان يقول [[في (ب): (وكثير ما كان نبينا محمد ﷺ يقول).]] نبينا محمد ﷺ: "يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك" [[أخرج مسلم في "صحيحه" رقم (2654) كتاب القدر، باب: تعريف الله القلوب كيف يشاء، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "اللَّهُمَّ مُصَرَفَ القُلُوب صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ" اهـ، وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 168 (30396)، وأحمد في "المسند" 2/ 168 و173، وابن ماجه كتاب المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية رقم (199)، رقم 3834، والترمذي كتاب القدر، باب: ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن رقم (2140)، (3522)، وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 101 - 104، والآجري في "الشريعة" 2/ 730، والحاكم في "المستدرك" 2/ 288 - 289، من عدة طرق جيدة أن النبي ﷺ كان يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، قال الترمذي: (حديث حسن)، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة"، وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 4/ 261 رقم (1689).]].
وقال أبو إسحاق: (المعنى: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن [يكون] [[لفظ: (يكون) ساقط من (ب).]] قد سبق في علم الله جل وعز و [[لفظ: (الواو) ساقط من (أ).]] في مشيئته أن نعود فيها. وتصديق ذلك قوله: ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، قال: وهذا مذهب أهل السنة)، ثم ذكر وجهين آخرين، هما من قول من لا يؤمن بإرادة الله تعالى الخير والشر:
أحدهما: إن هذا على طريق التبعيد، كما يقال: لا نفعل ذلك إلا أن يبيض القار ويشيب الغراب [[انظر: شرح ذلك فيما تقدم (سورة الأعراف: آية 40 من هذا المجلد).]]، وهذا لا يصح مع قوله: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: 31]، وقوله: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ﴾ [الأنعام: 39]، وآيات كثيرة تصرح بأن الله تعالى يشاء [كل] [[لفظ: (كل) ساقط من (أ).]] ما يحدث في العالم.
والثاني: أن في ملتهم ما يجوز التعبد به من وجوه البر الذي كانوا يتقربون به إلى الله تعالى [[لفظ: (تعالى) ساقط من (أ).]]، ويكون معنى الآية: وما يكون لنا أن نعود في بعض ملتكم، وفي معنى من معاني شرائعكم إلا أن يردنا الله إليه بأن يتعبدنا به).
قال ابن الأنباري: (و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] هذا قول مُتَنَاولُهُ بعيد؛ لأن فيه تبعيض الملة) [[ذكره السمين في "الدر" 5/ 383.]].
وقال الزجاج: (والقول هو القول [[لفظ (القول) ساقط من (أ).]] الأول؛ لأن قوله: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} أنه النجاة من الكفر ومن أعمال المعاصي، لا من أعمال البر) [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 355 - 357، وانظر: "تفسير الطبري" 9/ 2، و"إعراب النحاس" 1/ 626، والسمرقندي 1/ 555 - 556، والماوردي 2/ 239 - 240، والبغوي 3/ 257، وابن عطية 6/ 4، و"البحر" 4/ 343 - 344، وقال ابن كثير في معنى الآية 2/ 259: (هذا رد إلى الله مستقيم فإنه يعلم كل شيء وقد أحاط بكل شيء علمًا) اهـ. وانظر: "بدائع التفسير" 2/ 261، ونقل قول الواحدي الخازن في "تفسيره" 2/ 263.]].
وقوله تعالى: ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ منصوب على التمييز [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 357، و"الفريد" 2/ 333، و"الدر المصون" 5/ 383.]]. قال ابن عباس: (يريد يعلم ما يكون قبل أن يكون) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 210، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 231.]].
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف:89]. قال ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 9/ 2 - 3 من عدة طرق جيدة عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي.
وأخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1523 بسند جيد عن ابن عباس وفي "صحيح البخاري" 8/ 297 كتاب التفسير، في تفسير سورة الأعراف قال ابن عباس: (الفتاح: القاضي، ﴿افْتَحْ بَيْنَنَا﴾: اقض بيننا).]]، والحسن، وقتادة [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/233 بسند جيد وهو قول الأكثر. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 220، و"غريب القرآن" لليزيدي ص 148، و"تفسير غريب القرآن" 1/ 179، و"تفسير الطبري" 12/ 563، و"الزاهر" 1/ 93، و"نزهة القلوب" ص 126، و"معاني النحاس" 3/ 55، و"تفسير المشكل" ص 85.]]، والسدي: (احكم واقض).
قال الفراء: (وأهل عُمَان يسمون القاضي الفاتح والفتاح) [["معاني الفراء" 1/ 385، وجاء في "مجاز القرآن" 1/ 221، والطبري 9/ 2 - 3، == (أن هذا لغة مراد بطن من كهلان من القحطانية) وفي "تهذيب اللغة" 3/ 2732، (أنها لغة أهل اليمن).]].
وروي أبو العباس عن ابن الأعرابي: (الفتاح: الحكومة، ويقال للقاضي: الفَتَّاح لأنه يفتح مواضع الحق) [["تهذيب اللغة" 3/ 2732، والفَتْح أصله من فتح الباب بعد إغلاقه ثم كثر واتسع فيه حتى سمي الحاكم فاتحًا لأنه يفتح المستغلق بين الخصمين ويفتح الباب إلى الحق ويبينه. انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص 39، و"اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 189.]].
وروي عن ابن عباس أنه قال: (ما كنت أدري قوله: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا﴾ حتى سمعت ابنة ذي يزن [[ذو يَزَن -ملك من ملوك اليمن- اسمه النعمان بن قيس الحِمْيَري، وقيل: عامر بن أسلم بن غَوْث، ويزن وادٍ باليمن أضيف إليه، انظر: "معجم البلدان" 5/ 436، و"نزهة الألباء" لابن حجر 1/ 313.]] تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي: أحاكمك) [[أخرجه الطبري 9/ 2 - 3، وابن أبي حاتم 5/ 1523 بسند جيد عن قتادة عن ابن عباس، لكن قتادة لم يسمع من ابن عباس. انظر: "المراسيل" ص 168، وذكر الأثر عن ابن عباس. وابن دريد في "الجمهرة" 1/ 386، والسمرقندي 1/ 556، والثعلبي في "الكشف" 194 ب، والماوردي 2/ 241، والرازي 14/ 180 ، والسيوطي في "الدر" 3/ 191.]].
قال أبو إسحاق: (وجائز أن يكون ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا﴾ أي: أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف، فجائز أن يكون يسألون بهذا أن ينزل بقومهم من العذاب والهلكة ما يظهر أن الحق معهم) [["معاني الزجاج" 2/ 358.]].
وعلى هذا فالفتح يراد به الكشف والتبيين، ويؤكد هذا ما روى سعيد [[سعيد بن أبي عروبة العدوي مولاهم أبو النضر بن مهران البصري، إمام حافظ ثقة من أثبت الناس في قتادة، وله تصانيف، واختلط في آخر عمره، توفي سنة 157 هـ أو قبلها. انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 65، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 413، و"تذكرة الحفاظ" 1/ 177، و"تهذيب التهذيب" 2/ 33.]] عن قتادة في هذه الآية قال: (اقض بيننا وبين قومنا) [[سبق تخريجه.]].
{"ayah":"قَدِ ٱفۡتَرَیۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِی مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا یَكُونُ لَنَاۤ أَن نَّعُودَ فِیهَاۤ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰتِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق