الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ يعني: يوم السؤال ﴿وَالْوَزْنُ﴾ ابتداء، وخبره ﴿الْحَقُّ﴾ [[انظر "معاني الفراء" 1/ 373، و"إعراب النحاس" 1/ 600، و"المشكل" 1/ 282.]] وابن عباس [[يأتي تخريجه فيما بعد.]] وعامة المفسرين [[ذكره مثله الواحدي في "الوسيط" 1/ 158، والبغوي في "تفسيره" 3/ 214، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 80/ 122، عن عمرو بن دينار والسدي.]] على أن المراد بهذا الوزن أعمال العباد. قال ابن الأنباري: (أكد الله به الاحتجاج على العباد وقطع به عذرهم وبين به [[لفظ: (به) ساقطة من (ب).]] لهم عدله وأنه لا يظلم أحدًا) [[لم أقف عليه: وقال ابن الجوزي في زاد المسير 3/ 171 (في الميزان خمسة حكم - أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الآخرة، والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، والرابعة: إقامة "الحجة" عليهم، والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم) اهـ.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ورد الخبر (أن الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فتوزن [[في (ب): (فيوزن) بالياء.]] به أعمال العباد خيرها وشرها) [[لم أقف عليه بهذا اللفظ وهو مشهور من قول ابن عباس، وسيأتي تخريجه. وقال الزجاج في "معانيه" 2/ 319: (الأولى من هذا أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان من حيث ينقل أهل الثقة فينبغي أن يقبل ذلك) اهـ.]]. قال ابن عباس: (يوزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل [[في (ب): (فيثقل) بالياء.]] حسناته على سيئاته، فذلك قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون، قال: وهذا كما قال في سورة الأنبياء: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾) [[ذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 531 والثعلبي 187 ب، والواحدي في "الوسيط" 1/ 158، والبغوي في "تفسيره" 3/ 315، وابن الجوزي 3/ 171، والرازي 14/ 24، والقرطبي 7/ 166، وغيرهم، وذكره السيوطي في "الدر" 8/ 129، 130، وقال: (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وأخرجه أبو الشيخ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس) اهـ.]] [الأنبياء: 47]. وقال مقاتل: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ وزن الأعمال يومئذ العدل ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ من المؤمنين وزن ذرة على سيئاته ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾) [["تفسير مقاتل" 2/ 30.]]. فأما كيفية وزن الأعمال فله وجهان: أحدهما: أن أعمال المؤمن تتصور في صورة حسنة، وأعمال الكافر تتصور في صورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس. والثاني: أن الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد مكتوبة، وسئل رسول الله ﷺ عما يوزن [[في (ب): (ما يوزن).]] يوم القيامة، فقال: "الصحف" [[لم أقف عيه.]]. هذا الذي ذكرنا مذهب عامة المفسرين [[قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 2/ 226: (يمكن الجمع بين الآثار الواردة في ذلك بأن يكون ذلك كله صحيح فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم). وانظر: "فتح الباري" 13/ 537 - 540.]] وأهل العلم في هذه الآية، وكان مجاهد والضحاك والأعمش [[ذكره الرازي في "تفسيره" 8/ 25، والقرطبي 7/ 165، وأبو حيان في "البحر" 4/ 270 عن الأعمش.]] يفسرون الوزن والميزان: (العدل والقضاء) ويذهبون إلى أن هذا تمثيل وتحقيق للقسط والعدل يومئذٍ، فقال مجاهد: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ والقضاء [[لفظ: (الواو) ساقطة من (ب).]] يومئذٍ العدل) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 122، وابن أبي حاتم 5/ 1440 بسند جيد.]]. وروى جويبر [[جويبر -تصغير جابر-: جويبر بن سعيد الأزدي. ضعيف، تقدمت ترجمته.]] عن الضحاك (أن الميزان العدل) [[ذكره الزجاج في "معانيه" 2/ 319، والأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3886، والرازي في "تفسيره" 8/ 25، والقرطبي 7/ 165، وأبو حيان في "البحر" 4/ 270.]]. فعلى مذهب هؤلاء: الوزن والميزان عبارة عن العدل كما تقول: هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه أي: أنه يعادله ويساويه وليس هناك وزن في الحقيقة، وقد قال الشاعر: قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لقائِكُمُ ذا مِرَّةٍ ... عِنْدى لكلِّ مُخَاصِمٍ ميزانُه [[لم أهتد إلى قائله، وهو في تفسير ابن الجوزي 3/ 170، والرازي 14/ 25، و"اللسان" 8/ 4829 (وزن).]] أراد: عندي لكل مخاصم كلام يُعادل كلامه؛ فجعل الوزن مثلًا للعدل، والميزان مثلا للكتاب الذي فيه أعمال العباد من حيث أنه لا يزيد [[في (أ): (لا تزيد فيه ولا تكذب).]] فيه ولا يكذب ويخبر بما له وما عليه، فكنى عن الكتب بالموازين، وجعل ما يكثر في الكتاب من الحسنات بمنزلة ما يثقل في الميزان. قال أبو إسحاق: (وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ [[في (ب): (شائع) وقال القرطبي في "التذكرة" ص 364: (وهذا القول مجاز وليس بشيء وإن كان شائعًا في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفتين ولسان وإن كل كفة منهما طباق السموات والأرض) اهـ. وقال أيضًا في "تفسيره" 7/ 165: (قد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير == تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصًا) اهـ. ونحوه ذكر ابن عطية في "تفسيره" 5/ 432، والشوكاني 2/ 277، وصديق خان 4/ 305، والقاسمي 7/ 2617.]]، والأولى من هذا [[في (ب): (والأولى أن يتبع من هذا).]] أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان) [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 319.]]. وقال ابن الأنباري: (والقول الأول هو اختيارنا لتتابع الأخبار به واتفاق أكثر أهل العلم عليه ولشهادة ظاهر القرآن له، قال: وإنما جمع الله تعالى فقال: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ولم يقل: ميزانه من أجل أن العرب توقع الجمع على الواحد فيقولون: خرج إلى البصرة في السفن، وخرج إلى مكة على البغال. قال: ويجوز أن يكون جمع الميزان إذ [[في (ب): (إذا).]] كانت ﴿مَنْ﴾ في معنى [[في (ب): (موضع).]] جمع فصرف الكلام إلى معنى ﴿مَنْ﴾ يدل على صحة هذا قوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ بالجمع تغليبًا لمعنى ﴿مَنْ﴾ على لفظه) [[ذكره بدون نسبة الواحدي في "الوسيط" 1/ 158، وذكره الرازي في "تفسيره" 14/ 26 عن الزجاج، وانظر: "معاني الفراء" 1/ 373، و"تفسير الطبري" 8/ 123.]]. وقال غيره: (الموازين هاهنا جمع موزون لا جمع ميزان وأراد بالموازين الأعمال الموزونة) [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 216، و"الرازي" 14/ 27، و"الدر المصون" 5/ 256.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب