الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]. قال عطاء، عن ابن عباس: (يريد: بالشرك بالله، وقطع الأرحام، وتكذيب النبي ﷺ بعد توحيد الله والتصديق بما جاء به النبي ﷺ) [[في "تنوير المقباس" 2/ 100 نحوه.]]. قال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 207، والسمرقندي 1/ 547، والماوردي 2/ 231.]]: (الإفساد في الأرض: العمل فيها بالمعاصي، وسفك الدماء، وقوله تعالى: ﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ أي: بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسول، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله عز وجل)، وهذا معنى قول الحسن، والسدي، والضحاك [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 195، والبغوي 3/ 238، و"الخازن" 2/ 241 عن الحسن والسدي والضحاك والكلبي، وذكره الماوردي 2/ 231، عن الحسن والكلبى، وذكره ابن عطية 5/ 532، عن الضحاك.]]. وقال عطية: (معناه: لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم) [[ذكره الثعلبي 191 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 195، والبغوي 3/ 238.]]، وطى هذا معنى قوله ﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ أي: بعد إصلاح الله تعالى إياها بالمطر والخصب [[والآية عامة في كل فساد قل أو كثر بعد أن أصلح الله خلق الأرض على الوجه الملائم لمنافع الخلق وما جاء من تعيين نوع الفساد والإصلاح ينبغي أن يحمل على التمثيل وهو قول جمهور المحققين. انظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 532، والقرطبي 7/ 226، و"بدائع التفسير" 2/ 234، و"البحر" 4/ 311.]]. وقوله تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾، معنى الخوف [[انظر: "العين" 4/ 312، و"تهذيب اللغة" 1/ 966، و"الصحاح" 4/ 1358، و"مقاييس اللغة" 2/ 230، و"المفردات" ص 303، و"اللسان" 2/ 1291 (خوف).]] الانزعاج لما لا يؤمن من المضار، ومعنى الطمع [[انظر: "العين" 2/ 27، و"تهذيب اللغة" 3/ 2218، و"الصحاح" 3/ 1254، و"مقاييس اللغة" 3/ 425، و"المفردات" ص 524، و"اللسان" 5/ 2704 (طمع).]] توقع المحبوب، قال ابن عباس: (﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا﴾ من عقابه، ﴿وَطَمَعًا﴾ في ثوابه) [["تنوير المقباس" 2/ 100، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 195، وهو بدون نسبة في عامة كتب التفسير. انظر: الطبري 8/ 207، والسمرقندي 1/ 547، والماوردي 2/ 231، والبغوي 3/ 238، وابن الجوزي 3/ 216.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. قال الفراء: (رأيت العرب [[في (ب): (القراء)، وهو تحريف.]] تؤنث القريبة في النسب لا يختلفون فيها، فإذا قالوا: دارك منا قريب، أو فلانة منك قريب، في القرب والبعد ذكروا وأنثوا، وذلك أن القرب إذا لم يكن في النسب كان في معنى المكان، فكأنه في تأويل هي: في مكان قريب، فجعل القريب خلفًا من المكان، كما قال الله [[لفظ: (الله) ساقط من (ب).]] تعالى: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 83] وقال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: 63]، ولو أنث ذلك فبُني على بعدت فهي بعيدة، وقربت فهي قريبة، كان صوابًا حسنًا. وقال عروة بن حزام [[عُروة بن حِزام بن مُهاجر العُذْرى، شاعر إسلامي أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى، وعامة شعره في بنت عمه عفراء، توفي سنة 30 هـ. انظر: "الشعر والشعراء" ص 413، و"الأغاني" 24/ 122، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي 1/ 415، و"الأعلام" 4/ 226.]]: عَشِيَّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ ... فَتدْنُو ولا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ [[الشاهد في "ديوانه" ص 5، و"معاني الفراء" 1/ 381، و"تفسير الطبري" 8/ 208، و"الأغاني" 24/ 129، و"تهذيب اللغة" 3/ 2916، و"الخصائص" 2/ 412، و"تفسير الماوردي" 2/ 232، وابن عطية 5/ 534، وابن الجوزي 3/ 216، و"اللسان" 6/ 3566 (قرب)، و"البحر المحيط" 4/ 313، و"الدر المصون" 5/ 346.]] فمن أنَّث جمع وثنى، ومن ذكر لم يُثنِّ ولم يجمع؛ لأنه ذهب إلى تأويل المكان) [["معاني الفراء" 1/ 381.]]، وهذا الذي ذكره الفراء هو مذهب أهل الكوفة، وبه قال ابن السكيت. أخبرني العروضي [[العروضي: هو أحمد بن محمد الصفار. تقدمت ترجمته.]]، قال: أخبرني الأزهري عن المنذري [[المنذري: هو محمد بن أبي جعفر الهروي. تقدمت ترجمته.]] عن الحراني [[الحراني: هو عبد الله بن الحسن الأموي. تقدمت ترجمته.]] عن ابن السكيت قال: (تقول العرب: هو قريب مني، وهما قريب مني، وهم قريب [[في (أ): (قرايب)، وهو تحريف.]] مني، وكذلك المؤنث، توحد قريبًا وتذكره؛ لأنه وإن كان فاعلًا فهو في تأويل (هو في مكان قريب مني)، وقد يجوز قريبة وجيدة بالهاء تبنيها على قربت وبعدت) [["تهذيب اللغة" 3/ 2916 (قرب)، وانظر: "إصلاح المنطق" ص 119.]]. وأما مذهب البصريين فقال الزجاج: (إنما قيل: ﴿قَرِيبٌ﴾ لأن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي) [["معاني الزجاج" 2/ 344.]]. ونحو هذا قال الأخفش قال: الرحمة بمعنى الإنعام [[في "معاني الأخفش" 2/ 300، وكذلك عند الزجاج عن الأخفش (بمعنى المطر).]]، فلذلك ذكر. ومثل هذا قال سعيد بن جبير: (الرحمة هاهنا: الثواب) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 195، والبغوي 3/ 238، و"الخازن" 2/ 242، وأبو حيان في "البحر" 4/ 313.]]. وأما مذهب أهل الكوفة فقال الزجاج [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]]: (وهو غلط؛ كل ما قرب في مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التأنيث والتذكير) [["معاني الزجاج" 2/ 345.]]. والذي قاله الفراء هو مذهب أبي عمرو بن العلاء [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 191 ب، والبغوي 33/ 238، وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2915.]]، وقول الكسائي [[لم أقف عليه.]] وأبي عبيدة [[في (ب): (أبو عبيد)، وفي مجاز القرآن 1/ 216 قال: (هذا موضع يكون في == المؤنثة والثنتين والجميع منها بلفظ واحد ولا يدخلون فيها الهاء لأنه ليس بصفة، ولكنه ظرف لهن، وموضع والعرب تفعل ذلك في قريب وبعيد، فإذا جعلوها صفة في معنى مقتربة قالوا: هي قريبة، وهما قريبتان، وهن قريبات) اهـ.]]. وقال النضر بن شميل [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 191 ب، والواحدي في "الوسيط" 1/ 196، والرازي 14/ 137، والقرطبي 7/ 227، وأبو حيان في "البحر" 313، والسمين في "الدر" 5/ 344.]]: (الرحمة مصدر، ومن حق المصادر التذكير كقوله: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾) [[لفظ: (من ربه) ساقط من (أ).]] [البقرة: 275]، وهذا راجع إلى قول الزجاج؛ لأنه الموعظة أريد بها الوعظ، فلذلك ذكر [[في (ب): (ذكرا).]] كما قال: إنَّ السَّمَاحَةَ والمُرُؤءَةَ ضمِّنا [[الشاهد لزياد الأعجم في "ديوانه" ص 54، و"معاني الفراء" 1/ 128، و"الشعر والشعراء" ص 280، و"إعراب النحاس" 1/ 617، و"ذيل أمالي القالي" 3/ 9، و"المدخل" للحدادي ص 168، و"تفسير الثعلبي" 191 ب، والرازي 14/ 137، وعجزه: قَبْرًا بِمَرْوَ عَلَى الطَرِيقِ الوَاضِحِ والشاهد قوله (ضمنًا) والقياس ضمنتا؛ لأن خبر عن مؤنث وهو السماحة والمروءة.]] قيل: أراد بالسماحة السخاء، وبالمروءة الكرم [[ذكر هذه الوجوه في الآية عامة أهل اللغة والتفسير. انظر: "تفسير الطبري" 8/ 208، و"إعراب النحاس" 1/ 617، و"إعراب القراءات" 1/ 187، و"تفسير السمرقندي" 1/ 547، و"الخصائص" 2/ 411 - 412، و"المشكل" 1/ 294 وقد أطال ابن القيم -رحمه الله تعالى- كما في "بدائع التفسير" 2/ 232 - 258، فذكر اثني عشر مسلكًا في الإخبار عن الرحمة وهي مؤنثة بالتاء بقوله: (قريب) وهو مذكر، وبين ما فيها من الصحيح والمقارب والسقيم، واختار (إن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر تبعًا له، ومعنى من "معانيه"، فالأصل: إن == الله قريب من المحسنين، وإن رحمة الله قريبة من المحسنين، فاستغنى بخبر المحذوف عن خبر الوجود، وسوغ ذلك ظهور المعنى والرحمة صفة قائمة بالموصوف لا تفارقه، وقرب رحمته تبع لقربه هو تبارك وتعالى، وقربه يستلزم قرب رحمته وهما متلازمان، ففي حذف التاء التأكيد على أن ذلك يستلزم القربين قربه وقربه رحمته، والأعم لا يستلزم الأخص بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص، استلزم الأعم هو قرب رحمته، ففي العدول عن قريبة إلى قريب من استدعاء الإحسان وترغيب النفوس فيه ما لا يتخلف بعده إلا من غلبت عليه شقاوته ولا قوة إلا بالله).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب