الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾، التضرع: التذلل والتخشع، وهو إظهار الذل الذي في النفس من قولهم: ضرع فلان لفلان، وتضرع له إذا ما تخشع له وسأله أن يعطيه، ومضى الكلام في هذا في سورة الأنعام عند قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام:42]، والخُفية: خلاف العلانية، وهو من أخفيت الشيء إذا سترته [[في (أ): (أي سترته).]]، ويقال: خِفية أيضًا بالكسر [[انظر: "العين" 4/ 313، و"الجمهرة" 1/ 617 - 618، و"تهذيب اللغة" 1/ 1070، و"الصحاح" 6/ 2329، و"المجمل" 2/ 297، و"مقاييس اللغة" 2/ 202، و"المفردات" ص 289، و"اللسان" 2/ 1217 (خفي).]] وقد قرئ بالوجهين [[قرأ عاصم في رواية أبي بكر هنا وفي الأنعام آية 63: ﴿وَخُفْيَةً﴾ بكسر الخاء، وقرأ الباقون بضمها في السورتين، وهما لغتان مشهورتان. انظر: "السبعة" ص 283، و"المبسوط" ص 170، و"التذكرة" 2/ 400، و"التيسير" ص 103، و"النشر" 2/ 259، وانظر: في "توجيه القراءات "الحجة" لأبي علي 4/ 29 - 30، و"معاني القراءات" 1/ 362، و"إعراب القراءات" 1/ 159، و"الحجة" لابن خالويه ص 141، ولابن زنجلة ص 255، و"الكشف" 1/ 435.]]. قال الزجاج: (﴿تَضَرُّعًا﴾ تملقًا، وحقيقته: أن يدعوه خاضعين متعبدين) [["معاني الزجاج" 2/ 344، وفيه: (قال قوم: تضرعوا تملقًا - حقيقته ..).]]. قال [[لفظ: (قال) ساقط من (ب).]] أهل العلم: والسنة [[انظر: "الفتاوى" 15/ 10 - 28، و"بدائع التفسير" 2/ 219 - 238.]] والأدب في الدعاء أن يكون خفيًا لهذه الآية، ولما روي عن النبي ﷺ أنه قال: "خير الدعاء ما خفي" [[لم أقف عليه بهذا اللفظ بعد طول بحث، وروي وكيع في "الزهد" 1/ 341 == رقم 118، وابن أبي شيبة 6/ 86 (29654)، وأحمد في "المسند" 3/ 44، و"الزهد" ص 16، وابن حبان في "صحيحه" 2/ 125 رقم 797، وابن السني في "القناعة" ص 26 - 27 رقم 28 - 29 بسند ضعيف عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي ﷺ قال: "خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي" اهـ. وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة لين الحديث، كثير الإرسال. انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 627، وانظر: "المفاسد الحسنة" للسخاوي ص 247.]]. وقال أيضًا لقوم رفعوا أصواتهم بالدعاء: "إنكم لستم تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، إنه معكم" [[أخرجه البخاري رقم (2992) كتاب الجهاد والسير، باب: ما يكره من رفع الصوت في التكبير، ومسلم كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر رقم (2704)، عن أبي موسى الأشعري قال: (كنا مع النبي ﷺ في سفر فجعل الناس يجهرون التكبير فقال النبي ﷺ: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعا قريبًا وهو معكم") اهـ.]]. وقال الحسن: (إن الله يحب القلب النقي والدعاء الخفي، ولقد أثنى علي زكريا فقال: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: 3]، وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] ما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [[أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص 45 - 46، والطبري في "تفسيره" 8/ 206، 207 بسند جيد، وأخرجه وكيع في "الزهد" 2/ 616، وابن أبي شيبة 6/ 87 (29662)، بلفظ: (كانوا يجتهدون في الدعاء ولا تسمع إلا همسًا) اهـ.]]. وقال الزجاج في قوله ﴿وَخُفْيَةً﴾ (أي: واعتقدوا عبادته في أنفسكم؛ لأن الدعاء معناه: العبادة) [["معاني الزجاج" 2/ 344، ونحوه قال النحاس في "معانيه" 3/ 43.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: المجاوزين ما أمروا به، قال الكلبي: (﴿لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ بالجهر في الدعاء) [["تنوير المقباس" 2/ 100، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 195، وابن الجوزي 3/ 215.]]. وقال ابن جريج: (من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء) [[أخرجه الطبري 8/ 207 بسند جيد، ومحبة الله تعالى لا تنتفي عمن يجهر بالدعاء لمجرد الجهر، فالدعاء مأمور به مطلقًا ﴿الله لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ في كل شيء دعاء كان أو غيره، وأعظمهم الذين يدعون معه غيره أو يعتدون بترك التضرع والدعاء، وكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله، والدعاء خفية أحب إلى الله تعالى وأفضل، وفيه فوائد عظيمة وكثيرة، ذكرها ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 219 - 233، وانظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 784، والقرطبي 7/ 223.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب