الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ الآية. قال الليث: (السِّتُّ والسِّتة في التأسيس على غير لفظيهما، وهما في الأصل سِدْس وسِدْسَة، ولكنهم أرادوا إدغام الدال في السين فالتقتا عند مخرج التاء فغلبت [[في (ب): (فقلبت)، وهو تصحيف.]] عليهما، وبيان ذلك أنك [تصغر] [[لفظ: (تصغر) ساقط من (أ).]] ستة سُدَيْسة، وكذلك الأسداس، وجميع تصريفهما [[في (ب): (تصريفها) وعند الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1623: (تصغيرها).]] على ذلك) [["تهذيب اللغة" 2/ 1623، وانظر: "العين" 7/ 186 (ست).]].
ابن السكيت: (يقال: جاء فلان سادسًا، وساديًا، وساتًّا؛ فسادس على لفظ السُّدس، وساتّ على لفظ ستَّة أدغموا الدال في السين فصارت تاء مشددة، ومن قال ساديًا أبدل من السين ياء) [["إصلاح المنطق" ص 301، و"تهذيب اللغة" 2/ 1623. وانظر: "الصحاح" 1/ 251 (ستت)، و"المفردات" ص 403 (سدس)، و"اللسان" 4/ 1935 (ستت).]].
قال أهل التفسير: (قوله ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، أراد: في مقدار ستة أيام؛ لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فكيف [يكون] [[لفظ: (يكون) ساقط من (ب).]] يوم ولا شمس ولا سماء؟ وهذا كقوله: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 62] على مقادير البكرة والعشي في الدنيا؛ إذ لا ليل ثم ولا نهار [[قال ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 211: (أي في مقدار ذلك ولم تكن الشمس حينئذ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب: مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة. ولا نعلم خلافًا في ذلك) اهـ. بتصرف.
وانظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 545، والبغوي 3/ 235، وابن عطية 5/ 525، والرازي 14/ 118، والقرطبي 7/ 219.]]، فإن قيل: لأي علة ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، ولو خلقهن في طرفة عين كان أدل على نفاذ قدرته، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: 50]، والجواب: ما قال سعيد بن جبير: (قدر الله على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة، وإنما خلقهن في ستة أيام تعليمًا لخلقه الرفق والتثبت في الأمور) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 191 أ، والبغوي 3/ 235، و"الخازن" 2/ 237.]].
وقال أهل المعاني: (إن تدبير الحوادث على إنشاء شيء بعد شيء على ترتيب، أدل على عالم مدبر يصرفه على اختياره ويجريه على مشيئته) وقيل: (أراد بذلك زيادة البصيرة للملائكة في يقينهم [[في (ب): (في نفسهم).]] لما يشاهدونه من ظهور شيء وإنشاء خلق بعد خلق) [[ذكر هذه الأوجه الماوردي 2/ 230، وابن الجوزي 3/ 212، والرازي 14/ 118 و"الخازن" 2/ 237، وقال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 617: (لأنه علم أن ذلك أصلح ليظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء) اهـ.]].
وقال أبو بكر بن الأنباري: (إن الله [[في (ب): (الله تعالى).]] خلق السموات والأرض والليل والنهار تكرمة لآدم وذريته، وقد بيّن هذا في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ الآية [البقرة: 22]، وفي قوله: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [القصص: 73]، فلما كان خلق هذه الأشياء تكرمة لآدم وولده، وكانت الأيام سبعة أوقع في كل يوم منها ضربًا من التكرمة نبه به الملائكة على عظم شأن آدم وولده عنده، وكان خلق السموات والأرض في ستة أيام عن غير عجز من الله عز وجل أن يكون في لمحة، ولكنه تعالى أراد أن يوقع في كل يوم منها أمرًا من خلقه تستعظمه الملائكة وجميع المشاهدين له) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 191، وابن الجوزي 3/ 212 مختصرًا.]]، وهذا معنى قول مجاهد: (إن ذلك رُتِّب على الأيام: الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، فاجتمع الخلق فيه) [[أخرجه الطبري 8/ 205، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 243 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 169.]].
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي: أقبل على خلقه، وقصد إلى ذلك بعد خلق السموات والأرض، وهذا قول الفراء [["معاني الفراء" 1/ 25 وفيه حكى أوجه منها: (أن يستوي الرجل وينتهي شبابه أو يستوي عن اعوجاج، وبمعنى أقبل، وبمعنى صعد، وكل في كلام العرب جائز).]] وأبي العباس [["تهذيب اللغة" 2/ 1794، وفي "مجالس ثعلب" 1/ 174 و269 قال: (يقال فيه ضروب، الفراء وأصحابنا يقولون أقبل. ويقال: استوى عليه من الاستواء، والمعتزلة يقولون: استولى) اهـ.]] والزجاج [["معاني الزجاج" 1/ 107 قال: (فيه قولان: عمد وقصد إلى السماء، كما تقول: قد فرغ الأمير من بلد كذا وكذا ثم استوى إلى بلد كذا، معناه قصد الاستواء إليه، وقد قيل أيضاً: استوى أي صعد أمره إلى السماء).]].
وقال آخرون: ﴿اسْتَوَى﴾ معناه استولى [[هذا قول أهل التأويل من المعتزلة والجهمية والحرورية وغيرهم، وقد اتفق أهل العلم على إبطاله وأجمعوا على أن المراد بالاستواء على العرش، إنما هو الاستعلاء والارتفاع عليه، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يلزم لهذا أي لازم باطل مما يلزم لاستواء المخلوقين. انظر: "الإبانة" ص 36، و"الأسماء والصفات" 2/ 306 - 308، و"الفتاوى" 5/ 143 - 149، و"مختصر العلو" للألباني ص 26.]] واحتجوا بقول البعيث [[البعيث: هو خداش بن بشير بن خالد المجاشعي، أبو مالك البصري المعروف بالبَعِيث، شاعر أموي مجيد وخطيب بني تميم، كانت بينه وبين جرير مهاجاة دامت نحو 40 سنة، توفي سنة 134. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 386، و"الشعر والشعراء" ص 329، و"معجم الأدباء" 3/ 289، و"الأعلام" 2/ 302.]]:
ثم اسْتَوَى بِشْرُ على العِرَاقِ ... من غير سيفٍ ودمٍ مُهْرَاقِ [[الشاهد بدون نسبة فى "الصحاح" 6/ 2385 (سوا)، و"تفسير الماوردي" 2/ 229، و"الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 309، و"زاد المسير" 3/ 213، والقرطبي 7/ 220، و "رصف المباني" ص 434، و"اللسان" 4/ 2163 (سوا)، و"الخازن" == 2/ 339، و"الدر المصون" 1/ 243، ونسب في "تاج العروس" 19/ 551 (سوا)، إلى الأخطل، وفي هذه المراجع (قد استوى)، وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" 5/ 146: (لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة) اهـ. ونسبه ابن كثير في "البداية والنهاية" 9/ 7 إلى الأخطل، وقال: (الأخطل نصراني، والاستدلال به باطل من وجوه كثيرة) اهـ. وهو ليس في ديوان الأخطل والواحدي نسبه هنا وفي "الوسيط" 1/ 192 (إلى البعيث) وانظر: "مختصر الصواعق المرسلة" 3/ 890، 898.]] يعني: بشر بن مروان [[بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي: أمير كان سمحًا جوادًا، ولى إمرة العراق لأخيه عبد الملك، وتوفي سنة 75 هـ، وله نيف وأربعون سنة. انظر: "سر أعلام النبلاء" 4/ 145، و"البداية والنهاية" 9/ 7، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" 3/ 251، و"الأعلام" 2/ 55.]]، وعلى هذا خصّ العرش بالإخبار عن الاستيلاء عليه؛ لأنه أعظم المخلوقات.
وقال الأخفش: (﴿اسْتَوَى﴾ أي: علا، يقال: استويت على ظهر البيت أي: علوته) [["تهذيب اللغة" 2/ 1794، وانظر: "معاني الأخفش" 1/ 55 - 56.]] وهذا القول اختيار ابن جرير، قال: (معناه: ارتفع ارتفاع ملك وسلطان، لا ارتفاع انتقال وزوال) [["تفسير الطبري" 1/ 192، واختار أن معنى قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: (علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات) اهـ.]]، وهذا يعود إلى معنى الاستيلاء [[الطبري -رحمه الله تعالى- رجح في معنى الاستواء ما قال به السلف، ثم أخذ يناقش المؤولين، ومن باب إلزام الحجة لهم، قال: (قل علا عليها علو ملك وسلطان) اهـ، وهذه العبارة ليست من نهج السلف في الإثبات، والله اعلم.]]. وقد شرحنا الاستواء في صفة الله تعالى مستقصى في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" البقرة: 29.]].
و ﴿الْعَرْشِ﴾ في كلام العرب [[العرش: سرير الملك وسقف البيت، انظر: "العين" 1/ 249، و"الجمهرة" 2/ 728، و"تهذيب اللغة" 3/ 2391، و"الصحاح" 3/ 1009، و"المجمل" 3/ 658، و "مقاييس اللغة" 4/ 264، و"المفردات" ص 558، و"اللسان" 5/ 2880 (عرش).]] سرير الملك، يدل على ذلك سرير ملكة سبأ، سماه الله عرشًا فقال: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)﴾ [النمل: 23]، والعرش في اللغة: قد يكون عبارة عن الملك، يقال: [[هذا مثل يضرب لمن ذهب عزه وزال قوام أمره وساءت حاله. انظر: "جمهرة الأمثال" 1/ 290، و"المستقصى" للزمخشري 2/ 43، و"مجمع الأمثال" 1/ 271.]] ثُلَّ عَرْشُه، إذا ذهب عزه وملكه، ومنه قول زهير:
تَدَاركتُما الأَحلافَ قد ثُلَّ عَرْشُهَا [["ديوان زهير" ص 105، و"العين" 1/ 249، و"المنجد" لكراع ص 105، و"تهذيب اللغة" 3/ 2392، و"الصحاح" 3/ 1010، و"مقاييس اللغة" 4/ 265، و"اللسان" 5/ 2881 (عرش)، وتمامه:
وَذُبْيَانَ قد زَلَّتْ بِأَقْدامِهَا النَّعْلُ
قال ثعلب في "شرحه": (الأحلاف عبس وفزارة وثل عرشها هذا مثل أي: أصابها ما كسرها وهدمها) اهـ.]]
غير أنه لا يسوغ أن يكون المراد بالعرش في هذه الآية الملك؛ لأنه يوجب أن الله لم يكن مستويًا على ملكه قبل خلق السموات [[هذا هو الصحيح والآيات والأحاديث والآثار تدفع أن يكون المراد بالعرش الملك، وأهل السنة والجماعة يثبتون العرش واستواء الله تعالى عليه كيف يشاء، قال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" 6/ 584 - 585: (العرش موجود بالكتاب والسنة وإجماع الأمة والآيات والأحاديث فيه صريحة متواترة وهو غير الكرسي والكرسي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع جمهور السلف) اهـ. ملخصًا.
وانظر: "الأسماء والصفات" ص 272، و "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز ص 256، 257.]] والأرض.
وقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ وقرئ ﴿يُغْشِي﴾ [[قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: ﴿يُغْشِي﴾ بفتح الغين، وتشديد الشين، وقرأ الباقون بإسكان الغين وتخفيف الشين. انظر: "السبعة" ص 282، و"المبسوط" ص 180 - 181، و"التذكرة" 2/ 419، و"التيسير" ص 110، و"النشر" 2/ 269.]] مخففا، والإغشاء [[الغِشَاء: الغطاء والإغشاء، والتغشية: تغطية شيء بشيء. انظر: "العين" 4/ 429، و"المنجد" لكراع ص 274، و"تهذيب اللغة" 3/ 2668، و"الصحاح" 6/ 2446، و"مقاييس اللغة" 4/ 425، و"المجمل" 3/ 696، و"المفردات" ص 607، و"اللسان" 6/ 3261 (غشى).]].
والتغشية: إلباس الشيء [[في (ب): (إلباس الشيء بالشيء).]] الشيء، وقد جاء التنزيل بالتشديد والتخفيف، فمما جاء [[في (ب): (فما جاء).]] بتضعيف [[في "الحجة" لأبي علي 4/ 27 - 28: (غشى فعل متعدٍّ إلى مفعول واحد فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعًا) ثم ذكر نحو ما ذكره الواحدي.]] العين قوله: ﴿فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ [النجم: 54]، ومما [[في (ب): (وما جاء).]] جاء بنقل الهمزة: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [[في (أ): (وهو لا ينصرون)، وهو تصحيف.]] [يس: 9]، والمفعول الثاني محذوف على معنى: فأغشيناهم العمى أو فقد الرؤية.
قال أبو إسحاق: (والمعنى: أن الليل يأتي على النهار ويغطيه ولم يقل: يغشي [[في (ب): (ويغشى).]] النهار الليل؛ لأن في الكلام دليلًا عليه، وقد قال في موضع آخر: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [["معاني الزجاج" 2/ 342، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 42.]] [الزمر: 5].
قال أبو علي: (وهذا [[في (ب): (فهذا).]] كما قال: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: 81]، ولم يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق، وكل واحد من الليل والنهار منتصب بأنه مفعول به، والفعل قبل النقل غشي الليلُ النهارَ [[في (ب): (بالنهار).]]، فإذا نقلت قلت: أغشى الله الليل النهار، أو غَشَّى الله الليل النهار، فصار ما كان فاعلًا قبل النقل مفعولًا أول) [["الحجة" لأبي علي 4/ 28، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 408، و"إعراب القراءات" 1/ 185، و"الحجة" لابن خالويه ص 156، ولابن زنجلة ص 284، و"الكشف" لمكي 1/ 464، ونقل قول الواحدي، والرازي في "تفسيره" 14/ 117.]].
وقوله تعالى: ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾، قال الليث: (الحث: الإعجال والاتصال [[في (ب): (والإيصال)، وعند الأزهري في "تهذيب اللغة" 1/ 739، عن الليث: (الإعجال في الاتصال).]]، تقول: حثثت فلانًا فاحْتث وهو حثيث محثوث: جاد سريع) [["تهذيب اللغة" 1/ 739، وانظر: "الجمهرة" 1/ 81، و"الصحاح" 1/ 278، و"المجمل" 1/ 221، و"مقاييس اللغة" 2/ 29، و"المفردات" ص 218، و"اللسان" 2/ 773 (حثث).]].
قال الأعشي:
تَدَلَّى حثيثًا كَأَنَّ الصِّوَارَ ... أَتْبَعَهُ أَزْرِقيٌّ لَحِمْ [["ديوانه" ص 199، وهو في "تهذيب اللغة" 1/ 740، و"اللسان" 2/ 774 (حثث)، و"الدر المصون" 5/ 342، وجاء في حاشية "الديوان" (الصوار: القطيع من بقر الوحش، وحثيثًا: سريعًا والأزرقي اللحم: الصقر، والمعنى يشبه هذا الفرس بسرعة الصقر الشره إلى أكل اللحم) اهـ.]] شبه الفرس في السرعة بالبازي [[في (ب): (شبه الفرس لسرعته بالبازي). والبازي واحد البُزاة التي تَصِيد، ضَرْب من الصُّقور. انظر: "اللسان" 1/ 278 (بزا).]].
قال ابن عباس: (يريد [[لفظ: (يريد) ساقط من (ب).]] يطلب الليل النهار لا غفلة له) [[ينظر: "تنوير المقباس" 2/ 100، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 193، وأخرج الطبري 8/ 206 بسند جيد عن ابن عباس قال: (يطلبه سريعًا) اهـ.]].
و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] قال المبرد: (يعني: يطلب الليل النهار دائبًا) [[لم أقف عليه.]].
وقال غيره: (معنى: ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ هو أن يستمر الليل في طلب النهار على منهاج من غير فتور يوجب الاضطراب، كما يكون في السوق الحثيث) [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 206، والسمرقندي 1/ 546، والماوردي 2/ 230، والرازي 14/ 117.]]، وهذا معنى قول ابن عباس: (لا غفلة [له)] [[لفظ: (له) ساقط من (ب).]].
وقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾، معنى التسخير: التذليل [[انظر: "الصحاح" 2/ 679، و"المفردات" ص 402، و"اللسان" 4/ 1963 (سخر).]]. قال الزجاج: (وخلق هذه الأشياء جاريات مجاريها بأمره) [["معاني الزجاج" 2/ 342.]]. وقال المفسرون: (معنى تسخيرهن: تذليلهن لما يراد منها من طلوع وأفول وسير ورجوع؛ إذ لَسْنَ قادرات ولا مميزات، وإنما يتصرفن في متصرفاتهن على حسب إرادة المدبر فيهن) [[انظر: الطبري 8/ 206، والسمرقندي 1/ 546، والماوردي 2/ 230، والبغوي 3/ 236، وابن الجوزى 3/ 214، و"الخازن" 2/ 240.]].
وقرأ [[في أصل (أ): (وقول) ثم صحح إلى (قرأ).]] ابن عامر [[قرأ ابن عامر: (﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ﴾ بالرفع في الأربع، وقرأ الباقون بالنصب غير أن التاء مكسورة من ﴿مُسَخَّرَاتٍ﴾ لأنها تاء جمع المؤنث السالم. انظر: "السبعة" ص 282 - 283، و"المبسوط" ص 181، و"التذكرة" 2/ 419، و"التيسير" ص 110، و"النشر" 2/ 169.]]: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ﴾ رفعًا كلها، والنصب [[وكذا قال مكي في "الكشف" 1/ 465، ونقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" 14/ 118.]] هو وجه الكلام لقوله تعالى: ﴿وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ [فصلت: 37] فكما أخبر في هذه الآية أنه خلق الشمس والقمر، كذلك يُحمل على ﴿خَلَقَ﴾ [[انظر: "معاني الأخفش" 2/ 300، و"إعراب النحاس" 1/ 617.]] في قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾ [الأعراف:54]، وحجة ابن عامر قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا في اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا في اَلأَرْضِ﴾ [الجاثية: 13]، ومما في السماء الشمس والقمر، فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنك إذا قلت: ضربت زيدًا استقام أن تقول: زيد مضروب [[هذا نص كلام أبي علي في "الحجة" 4/ 29 غير أنه لم يختر قراءة النصب. وانظر: "معاني القراءات" 1/ 408، و"إعراب القراءات" 1/ 185 - 186، و"الحجة" لابن خالويه ص 156 - 157، ولابن زنجلة ص 284.]].
وقوله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾، قال أصحاب المعاني: (﴿لَهُ الْخَلْقُ﴾ لأنه خلقهم، وله أن يأمر فيهم بما أحب [[في (ب): (بما حب).]]، وله الحكم في الخلق يأمرهم بما يشاء)، وعلى هذا [المعنى] [[لفظ: (المعنى) ساقط من (ب).]] ﴿الْأَمْرُ﴾ هاهنا الذي هو نقيض النهي [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 206، والسمرقندي 1/ 546، والماوردي 2/ 230، والبغوي 3/ 236.]]، واستخرج سفيان بن عيينة من هذا أن كلام الله لا يجوز أن يكون مخلوقًا فقال: فرّق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بينهما فقد كفر) [["تفسير سفيان بن عيينة" ص 249، وأخرجه الثعلبي في "الكشف" ص 191/ أ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 556، وزاد السيوطي في "الدر" 3/ 171 نسبته إلى ابن أبي حاتم، وذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 546، والبغوي 3/ 236، والقرطبي 7/ 221، و"الخازن" 2/ 240، وفي "أصول السنة" لأبي بكر الحميدي في مجلة الحكمة 1/ 286 قال سفيان بن عيينة: (القرآن كلام الله، ومن قال مخلوق فهو مبتدع لم نسمع أحدًا يقول هذا) اهـ. وقال النحاس في "معانيه" 3/ 42 - 43 في تفسير الآية: (فرق بين الشيء المخلوق وبين الأمر وهو كلام، فدل أن كلامه غير مخلوق، وهو قول "كن") اهـ. وقال القرطبي في "تفسيره" 7/ 222: (وفي تفريقه بين الخلق والأمر دليل بيّن على فساد قول من قال يخلق القرآن؛ إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقًا لكان قد قال: ألا له الخلق والخلق وذلك عِيٌّ من الكلام ومستهجن ومستغث والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه) اهـ. وهذا هو الحق وأهل السنة والجماعة من السلف والخلف متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. انظر: "الإبانة" ص 21، و"الفتاوى" 12/ 37، و"شرح الطحاوية" لابن أبي العز ص 137.]] يعني: من جعل الأمر الذي هو قوله من جملة ما خلقه فقد كفر. وقال ابن عباس في تفسير قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ (يريد: لم يبق شيء، من وجد بعد ذلك شيئًا فليأخذه) [[لم أقف عليه.]]، وهذا كلامه، ومعنى هذا: أن جميع [[في (أ): (أن جميع الخلق ما في العالم). ثم ضرب على لفظ (الخلق) وهو الأولى.]] ما في العالم لله تعالى، فالخلق له لأنه خلقهم، وجميع الأمور تجري بقضائه وقدره، وهو مجريها ومنشئها فلا يبقى بعد هذا لأحد شيء [[ذكره الخازن 2/ 240.]].
وقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، قال الليث: (تفسير ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ﴾ تمجيد وتعظيم) [["تهذيب اللغة" 1/ 319، وانظر: "العين" 5/ 368، و"الجمهرة" 1/ 325، و"الصحاح" 4/ 1575، و"المجمل" 1/ 121، و"مقاييس اللغة" 1/ 230، و"المفردات" ص 119، و"اللسان" 1/ 226 (برك).]].
وقال أبو العباس: (﴿تَبَارَكَ اللَّهُ﴾ ارتفع، والمتبارك المرتفع) [["تهذيب اللغة" 1/ 319.]].
وقال ابن الأنباري: (﴿تَبَارَكَ اللَّهُ﴾ باسمه يتبرك في كل شيء) [["تهذيب اللغة" 1/ 319، وفي "الزاهر" 1/ 53، قال ابن الأنباري: (فيه قولان: قال قوم: معنى تبارك: تقدس أي: تطهير، والقدس عند العرب: الطهر، وقال قوم: معنى تبارك اسمك: تفاعل من البركة أي: البركة تُكسب وتنال بذكر اسمك) اهـ.]].
وقال الزجاج: (﴿تَبَارَكَ﴾ تفاعل من البركة، كذلك يقول أهل اللغة) [["تهذيب اللغة" 1/ 319، ولم أقف عليه في "معانيه".]].
وكذلك روي عن ابن عباس: (ومعنى: البركة الكثرة في كل خير، وقال في موضع آخر: (﴿تَبَارَكَ﴾ تعالى وتعاظم) [["تهذيب اللغة" 1/ 319، و"تفسير السمرقندي" 1/ 546، والبغوي 3/ 236، وابن الجوزي 3/ 214، و"الخازن" 2/ 240، و"تنوير المقباس" 2/ 100.]].
وقال أصحاب المعاني: (﴿تَبَارَكَ اللَّهُ﴾ أي: ثبت ما به استحق التعظيم فيما لم يزل ولا يزال) [[ذكره البغوي 3/ 236، و"الخازن" 2/ 240 عن المحققين.]]، وأصل الحرف من الثبوت والدوام، وقد ذكرنا هذا في سورة الأنعام عند قوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: 92].
{"ayah":"إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ یُغۡشِی ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَ یَطۡلُبُهُۥ حَثِیثࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَ ٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦۤۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق