الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾، معنى نزع الشيء: قلعه عن مكانه [[انظر: "العين" 1/ 357، و"الجمهرة" 2/ 817، و"تهذيب اللغة" 4/ 3552، و"الصحاح" 3/ 1289، و"المجمل" 3/ 863، و"اللسان" 7/ 4395 (نزع).]]، والغِلُّ: الحقد الكامن في الصدر [[انظر: "معاني الأخفش" 2/ 298، و"غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 200، و"تفسير غريب القرآن" ص 177.]].
قال أهل اللغة [[انظر: "العين" 4/ 347، و"الجمهرة" 1/ 159، و"تهذيب اللغة" 3/ 2689، و"المجمل" 3/ 679، و"المفردات" ص 610، و"اللسان" ص 3285 (غلل).]]: (وهو الذي ينغل بلطفه [[في (ب): (بلفظه)، وهو تحريف.]] إلى صميم القلب، أي: يدخل، ومنه الغُلول، وهو الوصول بالحيلة إلى دقيق الخيانة، يقال: انغل في الشيء وتغلغل فيه، إذا دخل فيه بلطافة [[في (ب): (بطاقة)، وهو تحريف.]] كالحب يدخل في صميم الفؤاد).
قال ذو الرمة:
أَصَابَ خَصاَصَةً فَبَدَا كَليلًا ... كَللا وانْغَلَّ سَائِرُهُ انْغِلالًا [["ديوانه" ص 515 هـ. وقال الخطيب التبريزي في "شرحه": (خصاصة فرحة، والكليل الضَّعيف، وانغل غاب ودخل، وكلا كقولك: لا) اهـ.]]
ومعنى نزع الغل: إبطاله بإعدامه من الصدر.
وذكر أهل التأويل هاهنا قولين محتملين:
أحدهما: وهو الذي عليه المعظم [[انظر: "معاني النحاس" 3/ 37، والسمرقندي 1/ 541، والماوردي 2/ 224.]] أن معناه: أذهبنا الأحقاد التي كانت لبعض على بعض في دار الدنيا، وإلى هذا أشار علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: (إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله جل ذكره: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾) [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 229، والطبري 8/ 183، وابن أبي حاتم 5/ 1478 بسند جيد عن قتادة عن علي -رضي الله عنه- وهو مرسل، قتادة لم يسمع من علي، انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم ص 168، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 113 عن إبراهيم النخعي، ومن طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، قال الحافظ ابن حجر في "الشاف الكاف" ص 64: (أخرجه ابن سعد والطبري عن علي، وكلاهما منقطع، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ربعي بن حراش عن علي وهو متصل) اهـ.
انظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي 1/ 462، و"الفتح السماوي" للمناوي 2/ 635 - 636.]].
وقال الحسن في هذه الآية: (يعني: الجاهلية) [[ذكره الماوردي في "تفسيره" 2/ 224؛ وأبو حيان في "البحر" 4/ 298.]].
والقول الثاني: أن نزع الغل إنما هو لئلا يحسد بعضهم بعضًا في تفاضل منازلهم وتفاوت مراتبهم في الجنة، واختار الزجاج هذا فقال: (وحقيقته -والله أعلم- أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضًا؛ لأن الحسد غل) [["معاني الزجاج" 2/ 339، وقال ابن الأنباري في "الزاهر" 1/ 364: (معناه نزعنا الحسد من قلوبهم؛ لأن أهل الجنة لا يحسد بعضهم بعضًا). والظاهر أنه لا يحسد بعضهم بعضًا في علو المرتبة في الجنة، وفيما كان بينهم في الدنيا، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 183، والنحاس في "معانيه" 3/ 37، وانظر "تفسير ابن عطية" 5/ 505، 506.]].
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾. قال ابن عباس: (حمدوا الله على [[في (ب): (إلي).]] ما أرشدهم إليه ووفقهم له) [[في "تنوير المقباس" 2/ 95 نحوه، ونقل ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 201 عن ابن عباس في الآية أنه قال: (يعنون ما وصلوا إليه من رضوان الله وكرامته) اهـ.]]. وقال مقاتل: (إذا استقروا في منازلهم في الجنة ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [["تفسير مقاتل" 2/ 38، وزاد فيه: (أي للإسلام ولهذا الخير) اهـ.]].
ومعنى ﴿هَدَانَا لِهَذَا﴾ [[لفظ: (هدانا) ساقط من (ب).]] أي: هدانا لهذا الثواب بالعمل الذي أدّى إليه، وهو معنى قول سفيان الثوري [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 190 أ، والبغوي 3/ 230 بلفظ: (معناه هدانا لعمل هذا ثوابه) اهـ. وانظر: "إعراب النحاس" 1/ 612.]]، ونحو هذا قال الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 339، ومثله قال النحاس في "معانيه" 3/ 37،وقال الطبري في "تفسيره" 8/ 184: (يقول أهل الجنة الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه عنا) اهـ. وانظر "تفسير السمرقندي" 1/ 541 - 542، والماوردي 2/ 225.]]: (هدانا لما صيرنا إلى هذا [[لفظ: (إلى هذا) ساقط من (أ).]]).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ دليل على أن المهتدي مَنْ هَدَى الله [[لفظ: (الله) ساقط من (ب).]] وأن من لم يهده الله لم يهتد [[في (ب): (لم يهتدوا) ومثله ذكر الرازي في "تفسيره" 14/ 81، و"الخازن" 2/ 230، وانظر: "تفسير القرطبي" 7/ 208.]].
وقرأ ابن عامر [[قرأ ابن عامر: ﴿مَا كُنَّا﴾ بغير واوٍ قبل ما، وقرأ الباقون: ﴿وَمَا كُنَّا﴾ بالواو. انظر: "السبعة" ص280، و"المبسوط" ص 180، و"التذكرة" 2/ 419، و"التيسير" ص 110، و"النشر" 2/ 269.]] ﴿مَا كُنَّا﴾ بغير واو، وكذلك هو في مصاحف أهل الشام [[ذكره ابن مجاهد في "السبعة" ص 280، وابن الجزري في "النشر" 2/ 269، وقال ابن أبي داود في "كتاب المصاحف" ص 45: (في إمام أهل الشام وأهل الحجاز ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ﴾ وفي إمام أهل العراق: ﴿وَمَا كُنَّا﴾) اهـ.]]، ووجه الاستغناء [[هذا قول أبي علي في "الحجة" 4/ 25، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 407، و"الحجة" لابن خالويه ص 156، و"الكشف" 1/ 464.]] عن حرف العطف [هنا أن الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسُها به عن حرف العطف] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، وقد تقدم ذكر هذه المسألة [[انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية 1/ 81 ب؛ 82 أ]].
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾)، [هذا من قول [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 185، والسمرقندي 1/ 542.]] أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانًا قالوا: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]].
وقوله: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾. قال أبو إسحاق: (أن) في موضع نصب، وهي مخففة من الثقيلة، والهاء مضمرة، المعنى: ونودوا بأنه تلكم الجنة أي: نودوا بهذا القول، قال: والأجود عندي أن تكون (أن) في معنى تفسير النداء، كأن المعنى: ونودوا أي تلكم الجنة [[عند الزجاج في "معانيه" 2/ 340: (ونودوا أن تلكم الجنة).]]، المعنى: قيل لهم تلكم الجنة، كقوله: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا﴾ [ص: 6] يعني [["معاني الزجاج" 2/ 340.
وقد ذكر الوجهين أكثرهم، انظر: "تفسير الطبري" 8/ 185، 186، و"إعراب النحاس" 1/ 216، و"الكشاف" 2/ 79، و"تفسير ابن عطية" 5/ 508، و"التبيان" ص 376، و"الفريد" 2/ 302، و"البحر المحيط" 4/ 300.
وقال النحاس في "معانيه" 3/ 38: (يجوز أن يكون المعنى (بأنه تلكم الجنة)، ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء، والبصريون يعتبرونها بأي، والكوفيون يعتبرونها بالقول، والمعنى واحد، كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا، ويجوز أن يكون لما رأوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة) اهـ. وانظر: "الدر المصون" 5/ 324.]] امشوا.
قال: وإنما قال: ﴿تِلْكُمُ﴾ لأنهم وعدوا بها في الدنيا، فكأنه قيل لهم: هذه تلكم التي وعدتم بها، وجائز أن يكون عاينوها، فقيل لهم من قبل دخولها إشارة إلى ما يرونه: ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾.
وقوله تعالى: ﴿أُورِثْتُمُوهَا﴾ فيه قولان؛ أحدهما، وهو قول أهل المعاني [[انظر: "تفسير الرازي" 14/ 81، 82 فقد ذكر مثله.]]: (أن معناه: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله).
والإرث قد يستعمل في اللغة [[الإرث: إبقاء الشيء وانتقاله إلى الغير وأصل الميراث هو أن يكون الشيء لقوم، ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب.
انظر: "العين" 8/ 234، و"تهذيب اللغة" 4/ 3868، و"الصحاح" 1/ 295، و"مقاييس اللغة" 6/ 105، و"المفردات" ص 863، و"اللسان" 8/ 4808 (ورث).]] ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي، كما يقال: هذا الأمر يورثك الشرف، ويورثك العار [[في (ب): (القار)، وهو تصحيف.]] أي: يصيرك إليه برحمة الله [[أخرج البخاري في كتاب الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل رقم (6463)، ومسلم في كتاب صفة الجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة رقم (2816 إلى 2818) من طرق عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن رسول الله ﷺ قال: "لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة".]] وليس له في ذلك متعلق؛ لأن العمل الصالح لم ينالوه ولم يبلغوه إلا بالرحمة، وإذا كان العمل الصالح لا يكون إلا برحمته، فإذا دخلوا الجنة بأعمالهم فقد دخلوها برحمته، إذ لم يكن ذلك العمل [الصالح] [[لفظ: (الصالح) ساقط من (ب).]] إلا برحمته) [[لم أقف عليه عن الجرجاني صاحب "نظم القرآن"، وذكر مثل ذلك الرازي في "تفسيره" 14/ 82، والقرطبي 7/ 209.]].
{"ayah":"وَنَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلࣲّ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوۤا۟ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق