الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. قال الزجاج: (معنى الوسع: ما يقدر عليه) [["معاني الزجاج" 2/ 339، وزاد فيه: (أي: عملوا الصالحات بقدر طاقتهم) اهـ. ونحوه قال الطبري في "تفسيره" 8/ 182، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 612، والسمرقندي 1/ 541.]]. قال مجاهد: (إلا ما افترض عليها) [[ذكره الخازن في "تفسيره" 2/ 229.]] يعني: أن ما افترض عليها هو وسعها الذي يسعها [[لفظ: (الذي وسعها) ساقط من (ب).]] ويُقدر عليه ولا تعجز عنه. فقد بينه مقاتل فقال: (إلا طاقتها؛ ولا يكلف الله العباد إلا ما يطيقون) [["تفسير مقاتل" 2/ 37، وفيه: (يقول: لا نكلفها من العمل إلا ما تطيق) اهـ.]]، فقوله: (إلا طاقتها) ليس معناه: أقصى ما يطيقه؛ لأنه لو كلف ذلك لشق وتعذر، ولكن معناه: إلا مما يطيقه ولا يعجز عنه. ألا ترى أن معاذ بن جبل -رحمه الله- قال في هذه الآية: (إلا يُسرها لا عسرها ولو كلفها طاقتها لبلغ مجهودها) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 181، والرازي 14/ 79.]]، فقوله: (لو كلفها طاقتها) أراد أقصى ما تطيقه. وقد بيَّن أبو زبيد [[في (ب): (أبو زيد)، وهو تحريف. وهو: حَرْمَلَة بن المُنْذر بن مَعْدِ يَكرِب الطائي.]] الطائي في قوله: أُعْطِيهُم الجَهْدَ مِنّي بَلْهَ ما أَسَعُ [[الشاهد في "ديوانه" ص 109، و"الزاهر" 1/ 94، و"الصحاح" 5/ 2075، و"اللسان" 1/ 178 (أون)، و"الخزانة" 6/ 235 - 236 وبلا نسبة في "الجمهرة" 1/ 380، و"تهذيب اللغة" 4/ 3890، و"كتاب الشعر" لأبي علي 1/ 25، وأوله: حَمَّال أَثْقَال أَهْلِ الوُدَّ آوِنَةً وآونة، جمع أوان بمعنى الحين، والجهد بالفتح النهاية والغاية، وقيل: الوسع والطاقة، وَبَلْه أي دع، والوسع الطاقة والجدَة أيضًا. وقال البغدادي في "الخزانة" 6/ 237: (المعنى: أني أعطيهم فوق الوسع فتركًا للوسع، أو فدع الوسع، أي: ذكره أو فكيف الوسع لا أعطيه) اهـ. وفي "اللسان" 1/ 354 (بله) قال: (المعنى: أعطيهم ما لا أجده إلا بجهد ودع ما أحيط به وأقدر عليه) اهـ.]] أن ما يسعه [[كذا في النسخ: (إن ما يسعه) والأولى: (أي ما يسعه).]] دون أقصى طاقته، وأن أقصى الطاقة يسمى جهدًا لا وسعًا، وغلط من ظن أن الوسع [[انظر: (وسع) في "تهذيب اللغة" 4/ 3890، و"الصحاح" 3/ 1298، و"اللسان" 8/ 4834، وبمثل قول الواحدي، قال الرازي 14/ 79، و"الخازن" 2/ 229.]] بذل المجهود، وأكثر أصحاب المعاني [[ذكر مثله الرازي 14/ 78، و"الخازن" 2/ 229.]] على أن قوله: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ اعتراض بين الابتداء والخبر، والخبر الجملة التي هي قوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾، و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] هذا فصل بين الابتداء والخبر بما هو من جنس هذا الكلام؛ لأنه لما ذكر عملهم الصالح ذكر أن ذلك العمل مما يسعهم ولا يعسر عليهم، وقد مضت نظائر هذا فيما تقدم [[لم أقف عليه بعد طول بحث عنه في مظانه.]]، وعلى هذا لا موضع لقوله: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وقال قوم من أهل المعاني: (موضعه رفع بأنه الخبر على حذف العائد كأنه قيل: لا نكلف نفسًا منهم إلا وسعها، وحذف العائد للعلم به) [[ذكره أكثرهم، والأول هو قول الزجاج في "معانيه" 2/ 339، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 612، والزمخشري في "الكشاف" 2/ 79، وابن عطية 5/ 505، وانظر: "البيان" 1/ 361، و"التبيان" ص 375، و"الفريد" 2/ 301، و"الدر المصون" 5/ 323، وفي "بدائع التفسير" 2/ 212 قال ابن القيم: (اعترض بين المبتدأ والخبر بقوله: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ لما تضمنه ذلك من الاحتراز الدافع لتوهم متوهم أن الوعد إنما يستحقه من أتى بجميع الصالحات، فرفع ذلك بقوله: ﴿لَا نُكَلِّفُ﴾، وهذا أحسن من قول من قال: إنه خبر عن الذين آمنوا، ثم أخبر عنهم بخبر آخر فهما خبران عن مخبر واحد، فإن عدم التكليف فوق الوسع لا يخص الذين آمنوا، بل هو حكم شامل لجميع الخلق معه ما في هذا التقدير من إخلاء الخبر عن الرابط، وتقدير صفة محذوفة أي نفسًا منها، وتعطيل هذه الفائدة الجليلة) اهـ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب