الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾، قال ابن عباس: (بلا إله إلا الله) [["تنوير المقباس" 2/ 88، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 189 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 172، والبغوي 3/ 223، والرازي 14/ 57، والقرطبي 7/ 188، و"الخازن" 2/ 222.]]، ونحوه قال الضحاك (بالتوحيد) [[ذكره الثعلبي 189 أ، والواحدي 1/ 172، والبغوي 3/ 223.]]. وقال عطاء [[ذكره الرازي في "تفسيره" 14/ 57، وأبو حيان في "البحر" 4/ 287.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 155 بسند جيد عن مجاهد والسدي، وأخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1462 بسند ضعيف عن ابن عباس، وقال: (روي عن مجاهد والسدي وقتادة مثل ذلك) وهو قول الطبري والزجاج في "معانيه" 2/ 330، والنحاس 3/ 25، والمعاني متقاربة، فالقسط العدل والحق والاستقامة فيحمل ما ذى على التمثيل. انظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 478، وابن كثير 2/ 133.]]: (بالعدل). قال الزجاج: (هذا رد لقولهم: ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ في الآية الأولى) [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 330، و"الفتاوى" 15/ 8 - 9، و"بدائع التفسير" 2/ 203 - 204.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، قال أبو علي الجرجاني: (نسق الأمر على الخبر [[ذكره السمين في "الدر" 5/ 296 - 297 عن الجرجاني صاحب النظم، وفيه: (نسق الأمر على الجر) بدل لفظ (الخبر)، والأمر ﴿وَأَقِيمُوا﴾ والجر ﴿بِالْقِسْطِ﴾.]]، وجاز ذلك لأن قوله ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي﴾ قول؛ لأن الأمر لا يكون إلا كلامًا، والكلام قول فكأنه قال: قل يقول ربي أقسطوا ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ﴾) [[في "الدر المصون": (أقسطوا وأقيموا) يعني أنه عطف على المعنى) اهـ. واختار أبو حيان في "البحر" 4/ 287، والسمين في "الدر" 5/ 295 - 297، أنه معطوف على الأمر المقدر الذي ينحل إليه المصدر وهو ﴿بِالْقِسْطِ﴾ وذلك أن القسط == مصدر فهو ينحل لحرف مصدري وفعل والتقدير: قل أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا. وانظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 75، وابن عطية 5/ 478، والرازي 14/ 57، و"التبيان" ص 372، و"الفريد" 2/ 288.]] ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، أي: وجهوا وجوهكم [[في (ب): (وجهوا لوجوهكم)، وهو تحريف.]] حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة، قال [[في (ب): (قال)، وهو تحريف.]] مجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 234. وأخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 155، وابن أبي حاتم 5/ 1462 من عدة طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 143.]] والسدي وابن زيد [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 155 من عدة طرق جيدة عن السدي، وابن زيد، وذكره الثعلبي 189 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 185 عن مجاهد والسدي وابن زيد، وهو قول مقاتل في "تفسيره" 2/ 33، والقرطبي 7/ 188.]]. وقال عطاء عن ابن عباس: (صلوا لله وحده في كل مسجد) [[ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 185، والرازي 14/ 58، وأبو حيان في "البحر" 4/ 287.]]، وبيان هذا القول ما قاله الضحاك، وهو أنه قال: (إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه، ولا يقولن أحدكم: أصلي في مسجدي) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 189 أ، والبغوي 3/ 223، وابن الجوزي 3/ 185، و"الخازن" 2/ 222، وأبو حيان في "البحر" 4/ 287.]]. ونحو هذا قال الفراء؛ يقول [[هنا وقع اضطراب في ترتيب نسخة: (ب)، فتقدم تفسير بعض الآيات.]]: (إذا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصل فيه، ولا تقولن: آتي مسجد قومي) [["معاني الفراء" 2/ 376، وهو قول الكلبي كما ذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 537، واختاره ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص 177.]]. وقال أبو إسحاق: (أي [[في (أ): (أي في وقت).]]: وقت كل صلاة اقصدوه بصلاتكم) [["معاني الزجاج" 2/ 330، والظاهر أن المعنى: اقصدوا عبادته وحده وتوجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي وقت ومسجد، وهو ظاهر كلام الطبري في "تفسيره" 8/ 155، وأخرجه بسند جيد عن الربيع بن أنس، وانظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 479، وابن كثير 2/ 233، و"بدائع التفسير" 2/ 203 - 204، و"فتح البيان" لصديق خان 4/ 329.]] ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ يريد: وحدوه ولا تشركوا به شيئًا [[قال الزجاج في "معانيه" 2/ 331: (أي: مخلصين له الطاعة) اهـ. والمعنى: اعبدوه وحده حال كونكم مخلصين العبادة والدعاء له لا لغيره، وهو ظاهر كلام الطبري في "تفسيره" 8/ 155، والسمرقندي 1/ 537، وصديق خان 4/ 329.]]. وقوله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، قال ابن عباس: (إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] كافرًا، كما قال جل ثناؤه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: 2]، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنًا وكافرًا، فيبعث المؤمن مؤمنًا والكافر كافرًا) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 156، وابن أبي حاتم 5/ 1462 بسند جيد.]]، وهذا قول أكثر المفسرين [[ومنهم مجاهد في "تفسيره" 1/ 235، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 225 - 226 بسند جيد عن مجاهد والكلبي، وأخرجه الطبري 8/ 156، 157 من عدة طرق جيدة عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والسدي وأخرجه بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وأخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1463 من عدة طرق جيدة عن مجاهد وأبي العالية، وذكره عن أبي رزين وإبراهيم النخعي وسعيد ابن جبير، وهو قول مقاتل في "تفسيره" 2/ 34، وأخرجه الثوري في "تفسيره" ص 112 بسند جيد عن مجاهد.]]، واختيار الفراء [["معاني القرآن" 1/ 376.]]. قال عطاء: (يريد: من خلقه للجنة يعود في البعث إلى الجنة، ومن خلقه للنار يعود في البعث إلى النار) [[لم أقف عليه.]]. وقال القرظي [[القرظي: هو محمد بن كعب، إمام. تقدمت ترجمته.]]: (من ابتدأ الله خلقه على [[في (أ): (إلي).]] الشقوة، صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه، [وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، وإن عمل بأعمال [أهل] [[لفظ: (أهل) ساقط من (أ).]] الشقاء؛ كإبليس والسحرة) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 157، وابن أبي حاتم 5/ 1463 بسند ضعيف، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 144.]]. وقال الفراء: (يقول بدأكم [[في (ب): (كما بداكم).]] في الخلق شقيًا وسعيدًا، فكذلك تعودون على الشقاء والسعادة) [["معاني الفراء" 1/ 376.]]، وهذه أقوال معناها واحد. وقال الحسن ومجاهد: (كما بدأكم فخلقكم في الدنيا، ولم تكونوا شيئًا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 157 بسند جيد عن مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد، وأخرجه عن ابن عباس بسند ضعيف، وأخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1463 بسند جيد عن السدي، وأخرجه عن ابن عباس بسند ضعيف.]]، وهذا المعنى اختيار الزجاج؛ لأنه قال: (ثم احتج عليهم بإنكارهم البعث فقال: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ أي: فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم) [["معاني القرآن" 2/ 331، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 158، 159، == والزمخشرى في "الكشاف" 2/ 75 - 76، والقرطبي 7/ 188 والظاهر الجمع بين القولين، وأن الآية إعلام بالبعث، أي: كما خلقكم يعيدكم بعد الموت على ما سبق لكم في علم الله تعالى من سعادة أو شقاوة، فمن سبق له العلم بأنه سعيد صار إلى السعادة، ومن سبق له العلم بأنه شقي صار إلى الشقاوة، والآيات الدالة على ذلك كثيرّةً جدَّا، ومنها قوله تعالى بعد هذه الآية: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ [الأعراف:30]. وقوله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: 104] وغيرها من الآيات التي يحتج الله سبحانه فيها على النشأة الثانية بالأولى، وعلى المعاد بالمبدأ، فجاء باحتجاج في غاية الاختصار والبيان ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾. وأخرج البخاري في "صحيحه" رقم (4625) في كتاب التفسير آخر تفسير سورة المائدة، ومسلم رقم (2860) كتاب الجنة ونعيمها، باب: متاع الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (خطب رسول الله ﷺ فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غُرلاً" ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]) اهـ. وأخرج مسلم رقم (2878) كتاب الجنة ونعيمها، باب: الأمر بحسن الظن. عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -ﷺ- قال: "يبعث كل عبد على ما مات عليه" اهـ قال الشنقيطي في "أضواء البيان" 2/ 297 - 298: (في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير كل واحد منهما حق ويشهد له القرآن) اهـ. ثم حكى نحو ما ذكره الواحدي. وانظر: "معاني النحاس" 3/ 26، و"تفسير السمرقندي" 1/ 537، والماوردي 2/ 217، والبغوي 3/ 223 - 224، وابن عطية 5/ 479، وابن الجوزي 3/ 185 - 186، والرازي 14/ 58، و"بدائع التفسير" 2/ 204 - 206، و"البحر المحيط" 4/ 288.]]. قال ابن الأنباري: (موضع الكاف في ﴿كَمَا﴾ نصب بـ ﴿تَعُودُونَ﴾ وهو على مذهب العرب في تقديم مفعول الفعل [[لفظ: (الفعل) ساقط من (أ) وملحق بالهامش.]] عليه أي: تعودون كما ابتدأ خلقكم) [[ذكره السمين في "الدر" 5/ 297.]]. وقال أبو علي الفارسي: (قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، ليس معنى الكلام على الظاهر؛ لأن الظاهر (تعودون كالبدء) [[في (أ): (على البدء). وفي "الحجة" لأبي علي 5/ 263: (تعودون كالبدء).]]، وليس المعنى على تشبيههم بالبدء، إنما المعنى على إعادة الخلق كما ابتدئ فتقدير ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ (كما بدأ خلقكم) أي: يعود خلقكم عودًا كبدئه [[في (ب): (عودًا لبدئه). وفي "الحجة" 5/ 263: (فتقدير ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ كما بدأ خلقكم يعود خلقكم أي: يعود خلقكم عودًا كبدئه) اهـ.]]، فكما أنه لم يُعْنَ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه، [كذلك لم يعن بالعود من غير حذف المضاف الذي هو الخلق، فلما حذف قام المضاف إليه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] مقام الفاعل [فصار الفاعلون] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] مخاطبين، كما أنه لما حذف المضاف من قوله: كما بدأ خلقكم صار المخاطبون مفعولين في اللفظ)، ومثل هذه الآية في المعنى قوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: 104] [["الحجة" لأبي علي 5/ 263 وفيه: (فكما أنه لم يُعْنَ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه منه، كذلك لا يعني بالعود من غير حذف المضاف إليه منه فَحُذِف المضافُ الذي هو الخلق فلما حذف قام المضاف إليه مقام الفاعل وصار الفاعلون مخاطبين كما أنه لما حُذف المضاف من قوله: (كما بدأ خلقكم) صار المخاطبون مفعولين في اللفظ ومثل ذلك في المعنى ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ والخلق هنا اسم الحدث لا الذي يراد به المخلوق) اهـ. وذكره السمين في "الدر" 5/ 297، وقال: (يعني: أن الأصل كما بدأ خلقكم يعود خلقكم فحذف الخلق في الموضعين فصار المخاطبون في الأول مفعولين بعد أن كانوا مجرورين بالإضافة، وفيِ الثاني صاروا فاعلين بعد أن كانوا مجرورين بالإضافة أيضًا، وقوله ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ﴾ الكاف في محل نصب نعتًا لمصدر محذوف تقديره: تعودون عودًا مثل ما بدأكم، وهذا أليق بلفظ الآية الكريمة) اهـ. وانظر: == "إعراب النحاس" 1/ 608، و"المشكل" 1/ 287، و"البيان" 1/ 359، و"التبيان" ص 372، و"الفريد" 2/ 288.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب