الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ الآية. قال سعيد بن جبير: (﴿أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ﴾ يعني: خلقنا لكم) [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 7/ 184. وانظر: "تفسير الرازي" 14/ 51، و"البحر المحيط" 4/ 282.]].
قال أبو علي: (﴿أَنْزَلْنَا﴾ هنا كقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: 25]. وكقوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: 6] أي: خلق) [["الحجة" لأبي علي 4/ 12.]].
وقال صاحب النظم: (هذا من باب التدريج [[ذكر نحوه مكي في "المشكل" 1/ 286، والماوردي 2/ 213، وابن عطية 5/ 470، وقال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في "الفتاوى" 12/ 254 - 257: (قد تبين أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن، فإنه نزل بلغة العرب ولا تعرف العرب نزولًا إلا بهذا المعنى ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابًا بغير لغتها، ومما يبين هذا أنه لم يستعمل فيما خلق من السفليات، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال، وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام، وقد قيل فيه: خلقناه، وقيل: أنزلنا أسبابه، وقيل: ألهمناهم كيفية صنعته، وهذا الأقوال ضعيفة، واللباس والرياش ينزل من ظهور الأنعام، وكسوة الأنعام منزلة من الأصلاب والبطون، فهو منزل من الجهتين، فإنه على ظهور الأنعام لا ينتفع به حتى ينزل) اهـ. ملخصًا.]] والترقي، وذلك أن الله تعالى أنزل المطر، فأنبت به النبات، فاتخذ الناس من النبات اللباس، فأوقع الإنزال على اللباس، لما كان بسبب [[في (ب): (لما كان لسبب مما ينزل).]] ما يُنزل وهو المطر) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 168 - 169.]].
قال ابن عباس: ([و] [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] ذلك أن أهل مكة كانوا يطوفون حول البيت عراة، فقال الله تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ [[ذكره أكثر أهل التفسير بدون نسبة. انظر: "تفسير الثعلبي" 189 أ، والماوردي 2/ 213، والبغوي 3/ 221، وابن عطية 5/ 470، وسيأتي مزيد بيان له في سبب نزول قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].]] يريد: يستر عوراتكم)، ونحو هذا قال مجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 223، وأخرجه الطبري 8/ 146، 147، وابن أبي حاتم 5/ 1456 من عدة طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 140.]].
وقال الكلبي: (يعني: الثياب التي تستر العورة من العُري، وذلك لما ذكر من عُري آدم وحواء منّ علينا باللباس) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 168، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 181 بدون نسبة.]].
وقوله تعالى: ﴿وَرِيشًا﴾، وقرئ: ﴿وَرِياشًا﴾ [[قرأ الجمهور (السبعة): ﴿وَرِيشًا﴾ بإسكان الياء من غير ألف، وقرأ جماعة منهم: عثمان وعلي وابن عباس والحسن، وعاصم وأبو عمرو في رواية عنهما: ﴿ورياشا﴾ بفتح الياء وألف بعدها، وهو إما جمع ريش، أو مصدر راش ريشًا ورياشًا.
انظر: "تفسير الطبري" 8/ 147، و"إعراب النحاس" 1/ 606، و"معاني القراءات" 1/ 402، و"إعراب القراءات" 1/ 178، و"مختصر الشواذ" ص 48، و"التذكرة" 2/ 417، و"تفسير ابن عطية" 5/ 471، و"البحر المحيط" 4/ 282، و"الدر المصون" 5/ 287.]]. قال ابن السكيت. (قالت بنو كلاب [[بنو كلاب: بطن من عامر بن صعصعة، كانت ديارهم في جهات المدينة ثم انتقلوا إلى الشام. انظر: "نهاية الأرب" للقلقشندي ص 365.]]: الرياش هو الأثاث من المتاع ما كان من لباس أو حشو من فراش أو وثار [[الوِثَار، بالفتح والكسر: الفراش الوطيء. انظر: "اللسان" 8/ 4763 (وثر)، وجاء في (أ): (أو دثار)؛ والدثار، بفتح الدال المشددة: ما يتدثر به والثوب الذي == يستدفأ به فوق الشَّعار. انظر: "اللسان" 3/ 1326 (دثر)، والنص في "تهذيب اللغة" 2/ 1147. وانظر: "إصلاح المنطق" ص30، وذكر مثله ابن جني في "المحتسب" 1/ 246 عن أبي الحسن الأخفش.]]، والريش من الأموال، وقد يكون في الثياب [[في (ب): (النبات)، وهو تصحيف.]] دون المال، وإنه لحسن الريش أي: الثياب).
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: (كل شيء يعيش [به] [[لفظ: (به) ساقط من (ب).]] الإنسان من متاع أو مال ومأكول فهو ريش ورياش) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 14/ 51، وفي "مجالس ثعلب" 1/ 35، قال: (الريش والرياش: اللباس الحسن) اهـ. وفي "تهذيب اللغة" 2/ 1318، عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: (راش فلان صديقه يريشه ريشًا: إذا جمع الرَّيش وهو المال والأثاث) اهـ.]]
قال ابن الأنباري: (يقال: هما المال، ويقال: هما المعاش) [[انظر: "الزاهر" 1/ 250 - 251، وفيه قال: (الرياش في قول جماعة من المفسرين: المال، وكذلك الريش، والرياش: المعاش، ويقال: الرياش ما ستر الإنسان وواراه، وقد تريش الرجل معناه: قد صار إلى معاش ومال) اهـ. ملخصًا.]].
وقال أبو عبيدة: (الريش [[في "مجاز القرآن" 1/ 213: (الرياش والريش واحد وهو ..). وأيضًا قال: (والرياش أيضًا الخصب والمعاش) اهـ.
ومثله ذكر السجستاني في "نزهة القلوب" ص 251.]] ما ظهر من اللباس والشارة [[الشارة: الحُسن والهيئة واللباس، وما يلبس من عمامة ونحوهما. انظر: "اللسان" 4/ 2357 (شور).]]، قال: ويقال: أعطاه رجلاً بريشه يراد: بكسوته [و] [[لفظ: (الواو) ساقط من (أ).]] جهازه).
وقال رؤبة: إِلَيكَ أشْكُو شِدَّةَ المَعِيشِ ... وَجَهد أَعْوَامٍ نَتَفْنَ ريِشي [["ديوانه" ص 78، وقد تقدم تخريجه.]]
أي: ذهبن بخصبي وجدتي.
وقال الفراء: (يجوز أن يكون الرياش جمع الريش، ويجوز أن [[في "معاني الفراء" 1/ 375، قال: (وإن شئت جعلت الرياش مصدرًا في معنى الريش) اهـ.]] يكون بمعنى الريش كما قرأ: لِبْس ولباس) [[ذكر نحوه الطبري في "تفسيره" 8/ 147، وابن خالويه في "إعراب القراءات" 1/ 178، وابن جني في "المحتسب" 1/ 246، والريش اسم لهذا الشيء المعروف، أو مصدر راشه يريشه ريشًا إذا جعل فيه الرَّيش. قال السمين في "الدر" 5/ 287: (ينبغي أن يكون الريش مشتركًا بين المصدر والعين، وهذا هو التحقيق) اهـ.]].
وقال الزجاج: (الرياش: اللباس، والريش: كل ما ستر الرجل في معيشته، يقال: تريش فلان أي: صار له ما يعيش به) [["معاني الزجاج" 2/ 328.]].
وأنشد [[الشاهد لجرير في "ديوانه" ص 410، وللراعي النميري، أيضًا في "ديوانه" ص 243، و"الكتاب" 3/ 187، وبلا نسبة في: "الزاهر" 1/ 250، و"معاني النحاس" 3/ 23، و"الماوردي" 2/ 214، و"أمالي ابن الشجري" 1/ 375، و"ابن الجوزي" 3/ 182، و"القرطبي" 7/ 184، و"رصف المباني" ص 394، و"اللسان" 7/ 4234 (معع)، و"الدر المصون" 5/ 287، واللمَّام: الشيء اليسير، انظر: "لسان العرب" 7/ 4079 (لمم).]]:
فَرِيشي [[في (ب): (وريشي) بالواو وهي كذلك في "ديوان جرير"، والراعي وبعض المراجع، وفي هامش نسخة (أ): (وهواي فيكم بدل معكم)، وهو كذلك في "ديوان جرير".]] مِنْكُمُ وَهَواىَ مَعْكُمْ ... وإنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا وقال عبد الله بن مسلم: (الريش والرياش: ما ظهر من اللباس، وريش الطائر ما ستره الله به) [["تفسير غريب القرآن" ص 176، ونحوه ذكر اليزيدي في "غريب القرآن" ص 145، ومكي في "تفسير المشكل" ص 84.]] هذا قول أهل اللغة [[انظر: "العين" 2/ 283، و"الجمهرة" 2/ 736، و"الصحاح" 3/ 1008، و"مقاييس اللغة" 2/ 466، و"المجمل" 2/ 409، و"المفردات" ص 372، و"اللسان" 3/ 1792 (ريش). وقال النحاس في "معانيه" 3/ 23: (الريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة) اهـ. وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 182: (على قول الأكثرين الريش والرياش بمعنى) اهـ. وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" 12/ 255: (الصحيح أن الريش هو الأثاث والمتاع) اهـ.]].
فأما المفسرون فقال ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148 بسند جيد، وهو في "تنوير المقباس" 2/ 86، و"مسائل نافع بن الأزرق" ص 87، وذكر البخاري في "صحيحه" 5/ 195، عن ابن عباس قال: (﴿ورياشا﴾: المال) وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1457 بسند جيد. وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 148، وابن أبي حاتم 5/ 1457 بسند ضعيف عن ابن عباس قال: (الرياش: اللباس والعيش والنعيم) اهـ.
انظر: "الدر المنثور" 3/ 141، ولعله يقصد باللباس هنا لباس الزينة والجمال؛ لأن اللباس الضروري لستر العورة ذكر في الآية قبل ذلك، وهذا لا يختلف مع تفسير الريش بالمال، لأنه هو وسيلة الحصول على لباس الزينة والعيش النعيم.]] ومجاهد [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148 بسند جيد، وذكره النحاس في "معانيه" 3/ 23، وفي تفسير مجاهد 1/ 233 (الرياش المال) اهـ.]] والضحاك [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148 بسند ضعيف، بلفظ: (رياشا)، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1457 عن مجاهد والضحاك.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148 بسند جيد بلفظ: (رياشًا) وذكره الثعلبي في "تفسيره" 189 أ، والبغوي 3/ 222، عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي == والسدي، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148 بسند ضعيف عن عروة بن الزبير، وقال سفيان الثوري في "تفسيره" ص 112: (الريش: المال، والرياش: الثياب) اهـ، وذكر هود الهواري في "تفسيره" 2/ 12 عن الحسن أنه قال: (الريش: المال والمتاع) اهـ.]]: (﴿وَرِيشًا﴾ يعني: مالًا).
وقال الكلبي: (المعيشة والمال) [["تنوير المقباس" 2/ 86.]].
وقال ابن زيد: (الريش: الجمال) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 148، وابن أبي حاتم 5/ 1457 بسند جيد، ولفظ ابن أبي حاتم: (الرياش).]]، وهو قول زيد [[زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو الحسين المدني، إمام زاهد فقيه، فصيح، ثقة، وهو الذي ينسب إليه الزيدية، خرج في خلافة هشام بن عبد الملك فقتل بالكوفة سنة 122 هـ، وكان مولده سنة ثمانين من الهجرة.
انظر: "وفيات الأعيان" 5/ 122، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 389، و "تهذيب التهذيب" 1/ 668، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" 6/ 17، و"الأعلام" 3/ 59.]] بن علي قال: (اللباس هذا الذي يلبسون ﴿يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾، والريش والرياش: الذي يتجملون به من الثياب) [[أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1456 بسند ضعيف. وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 141، وفي "تفسير غريب القرآن" لزيد بن علي ص 139، قال: (الريش والرياش: ما ظهر من اللباس، والرياش أيضًا: المعاش والخِصْب) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ قُرئ [[قرأ نافع وابن عامر والكسائي ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ بنصب ﴿وَلِبَاسُ﴾ وقرأ الباقون بالرفع. انظر: "السبعة" ص 280، و"المبسوط" ص 180، و"التذكرة" 2/ 417، و"التيسير" ص 109، و"النشر" 2/ 268.]] بالنصب والرفع، فمن نصب فعلى أنه حمل على أنزل من قوله: ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ﴾. وقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ على هذا مبتدأ وخبره ﴿خَيْرٌ﴾، ومن رفع قطع اللباس من الأول واستأنف به فجعله مبتدأ، وقوله ﴿ذَلِكَ﴾ على هذا صفة [[وأكثرهم على أنه صفة، وهو قول الفراء في "معانيه" 1/ 375، والطبري في "تفسيره" 8/ 150، والأزهري في "معاني القراءات" 1/ 403، وابن خالويه في "إعراب القراءات" 1/ 178، و"الحجة" ص 154. وقال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 606: (أولى ما قيل في النصب أنه معطوف، و ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ، وأولى ما قيل في الرفع أن ترفعه بالابتداء و ﴿ذَلِكَ﴾ نعته) اهـ.]]، أو بدل أو عطف بيان، ومن، قال إن (ذلك [[نقل قول الواحدي السمين في "الدر" 5/ 288، وقال: (قوله: (لغو) هو قريب من القول بالفصل؛ لأن الفصل لا محل له من الإعراب على قول الجمهور) اهـ، والذي قال هو فصل الحوفي كما ذكره أبو حيان في "البحر" 4/ 283، والرماني كما ذكره الهمداني في "الفريد" 2/ 286.
وقال ابن هشام في "الإعراب عن قواعد الإعراب" ص 108 - 109: (وكثير من المتقدمين يسمون الزائد صلة وبعضهم يسميه مؤكدًا وبعضهم يسميه لَغْوا ولكن اجتناب هذه العبارة في التنزيل واجب) اهـ.]]) لغو لم يكن على قوله دلالة؛ لأنه يجوز أن يكون علي أحد ما ذكرنا، و ﴿خَيْرٌ﴾ خبر اللباس [[هذا نص كلام أبي علي في "الحجة" 4/ 12 - 13، واختيار أبي حيان في "البحر" 4/ 283، والسمين في "الدر" 5/ 288، أن يكون ﴿وَلِبَاسُ﴾ مبتدأ، و ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿خَيْرٌ﴾ خبر الثاني، والجملة خبر الأول، والرابط هنا اسم الإشارة. قال السمين: (وهذا الوجه هو أوجه الأعاريب في هذه الآية الكريمة) اهـ، وانظر: "وضح البرهان" للغزنوي 1/ 357.]]، ومعنى قولنا: صفة أن ﴿ذَلِكَ﴾ أشير به إلى اللباس كأنه قيل: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ المشار إليه ﴿خَيْرٌ﴾ [وقولنا: يجوز أن يكون بدلاً أو عطف بيان؛ لأن المعنى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ خير] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب). وانظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 472.]] وكذلك [[في (أ): (ولذلك).]] هو في قراءة عبد الله [[قرأ عبد الله بن مسعود وأبى -رضي الله عنهما-: (ولباس التقوى خير). ذكره == الفراء في "معانيه" 1/ 375، وابن خالويه في "إعراب القراءات" 1/ 178، و"مختصر الشواذ" ص 48، وذكرها النحاس في "معانيه" 3/ 24 عن الأعمش.]]، ثم جعل ﴿ذَلِكَ﴾ مترجمًا عنه وبيانًا له، وهذا كله معنى قول الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 328، وفيه ﴿ذَلِكَ﴾ صفة.]] وأبي علي [["الحجة" 4/ 12 - 13، وانظر "الحجة" لابن زنجلة ص280.]] وابن الأنباري [[ذكره السمين في "الدر" 5/ 288 - 289، ونحوه ذكر مكي في "الكشف" 1/ 461، وانظر: "الإيضاح" لابن الأنباري 2/ 652.]].
وأما معنى ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾، فقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد. إن ستر عوراتكم بعضكم من بعض من التقوى فلا تطوفوا عراة) [[لم أقف عليه.]] وهو قول ابن زيد [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 150، وابن أبي حاتم 5/ 1458 بسند جيد.]] واختيار الزجاج.
[قال ابن زيد: (هو ستر العورة؛ يتقي الله فيواري عورته)، وقال الزجاج: (أي] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] وستر العورة (لباس المتقين) على أن يكون (لباس التقوى) مرفوعاً بإضمار (هو)، المعنى: وهو ﴿لِبَاسُ التَّقْوَى﴾ أي: اللباس الذي أنزل الله تعالى ليواري سوءاتكم هو ﴿لِبَاسُ التَّقْوَى﴾) [["معاني القرآن" 2/ 329.]] وهذا وجه آخر [[وعليه يكون ﴿وَلِبَاسُ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي: هو، وقوله ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ جملة أخرى من مبتدأ وخبر، وقدره النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 606، ومكي في "المشكل" 1/ 286، وستر العورة لباس المتقين، وانظر: "البيان" 1/ 358 ، و"التبيان" 1/ 371، و"الفريد" 2/ 286، و"الدر المصون" 5/ 288.]] في رفع اللباس سوى ما ذكرنا، قال أبو بكر: (وعلى هذا، ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ هو اللباس الأول، وإنما أعاده الله لما أخبر عنه بأنه خير من التعري إذ كان جماعة من أهل الجاهلية يتعبدون بالتعري وخلع الثياب في الطواف بالبيت، فجرى هذا في التنكير مجرى قول القائل: (قد عرَّفتُك الصدقَ وأبوابَ [[في (ب): (واثواب).]] البر، والصدقُ خير لك من غيره) فيعيد الصدق لإخباره عنه بالخبر المحدد) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 169، والبغوي 3/ 222، وابن الجوزي 3/ 183، وقال القرطبي 7/ 185، وأبو حيان في "البحر" 4/ 283: (قال ابن زيد: هو ستر العورة، وهذا فيه تكرار؛ لأنه قد قال: ﴿لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾) اهـ.]].
وقال قتادة [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 149 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 141.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 149 بسند جيد.]] وابن جريج [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 149 بسند جيد، وذكره الثعلبي في "الكشف" 189 أ، والماوردي في "تفسيره" 2/ 214، والبغوي 3/ 222، عن قتادة والسدي، وذكره ابن الجوزي 3/ 183 عن قتادة والسدي وابن جريج.]] [(﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾: الإيمان).
وقال ابن عباس في رواية عطية، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] (﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾: العمل الصالح) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 149، وابن أبي حاتم 5/ 1457 بسند ضعيف.]]، وهو قول سعيد بن جبير [[لم أقف عليه، وفي "الوسيط" للمؤلف 1/ 170 عن سعيد بن جبير قال: (السمت الحسن)، وجاء في أصل نسخة: (أ) سعيد بن جريج، ثم ضرب عليه وصحح إلى ابن جبير.]]، وروى الذيال [[الذيال بن عمرو، تابعي روى عنه محمد بن موسى، وعبد الله بن داود الواسطي، وذكر ابن الأثير في "الكامل" 4/ 339 في حوادث سنة 71 هـ الذيال الكلبي، ولم أجد له سوى ما ذكرت. انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 468، وتعليق الشيخ أحمد شاكر الملحق في "تفسير الطبري" 12/ 589 (7).]] بن عمرو عنه [[أي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- كما هو ظاهر رواية الطبري في "تفسيره" 8/ 149، وذكره الثعلبي في "الكشف" ص 189، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 183، وابن كثير 2/ 323.]] قال: (هو السمت الحسن).
وقال الكلبي: (﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾: العفاف والتوحيد؛ لأن المؤمن لا تبدو له عورة، وإن كان عاريًا من الثياب، والفاجر لا يزال تبدو [[في (أ): (يبدوا).]] له عورة وإن كان كاسيًا) [[في "تنوير المقباس" 2/ 86، قال: (التوحيد والعفة)، وذكر الواحدي في "الوسيط" 1/ 170، والبغوي في "تفسيره" 3/ 222، وابن الجوزي 3/ 183 عنه قال: (العفاف).]].
وقال معبد [[معبد الجهني، يقال: هو معبد بن خالد، أو معبد بن عبد الله، نزيل البصرة، تابعي، صدوق مبتدع، وهو أول من أظهر القدر بالبصرة، وقد نهى جماعة من التابعين عن مجالسته وقالوا عنه: هو ضال مضل، قتل سنة 80 هـ، انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 185، و"البداية والنهاية" 9/ 34، و"تهذيب التهذيب" 4/ 115.]]: (هو الحياء) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 149، وابن أبي حاتم 5/ 1458 من عدة طرق جيدة، وذكره ابن الأنباري في "الزاهر" 1/ 250، والسيوطي في "الدر" 3/ 142.]]، وينشد على هذا [[الشاهد لسَوَّار بن مُضَرَّب في "النوادر" لأبي زيد ص 45، و"الحماسة" لأبي تمام 2/ 138، وبلا نسبة في "غريب القرآن" ص177، و"تفسير السمرقندي" 1/ 536، والثعلبي ص 189/ أ، وابن الجوزي 3/ 183.]]:
إني كأنّي أرَى مَنْ لاَ حَيَاءَ لَهُ ... وَلاَ أَمَانَةَ بين النَّاسِ [[في المصادر السابقة (وسط الناس) بدل (بين الناس).]] عُرْيانا
قال أبو علي: (معنى الآية وتأويله: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به، قال: وأضيف اللباس إلى ﴿التَّقْوَى﴾، كما أضيف إلى الجوع في قوله: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ﴾ [النحل: 112] [["الحجة" لأبي علي 4/ 13.]] والمعنى: ما ظهر عليهم من السكينة والإخبات [[هذا نص كلام ابن قتيبة في "تأويل المشكل" ص 165، والأحسن في معنى الآية العموم، فكل ما يحصل به الاتقاء المشروع فهو من لباس التقوى، وهو يصدق على كل ما فيه تقوى الله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال، فهي كلها مثل ومن لباس التقوى، وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 151، وابن عطية 7/ 39 - 40، والقرطبي 7/ 185، وأبو حيان 4/ 283.]] والعمل الصالح، فاستعير لذلك اسم اللباس، وهذا معنى قول ابن عباس: (﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أي: أزكى عند الله) [[لم أقف عليه.]].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾، قال الكلبي: (يعني: اللباس والرياش ﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾) [[لم أقف عليه.]]. قال ابن عباس: (يريد: من فرائض الله) [[لم أقف عليه، وفي "تنوير المقباس" 2/ 87: (﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ من عجائب الله) اهـ.]]، يعني: إن ستر العورة مما أوجبه الله بآياته [[انظر: "تفسير القرطبي" 7/ 182.]].
وقال غيره: (أي: إنزاله اللباس وخلقه إياه مما يدل على توحيده) [[ذكر نحوه مقاتل في "تفسيره" 2/ 33، وانظر: "تفسير الطبري" 8/ 151، والسمرقندي 1/ 536.]].
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾، قال ابن عباس: (يريد: كي [[في (ب): (كي يتعطفوا) وهو تحريف.]] يتعظوا) [["تنوير المقباس" 2/ 87.]].
{"ayah":"یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمۡ لِبَاسࣰا یُوَ ٰرِی سَوۡءَ ٰ تِكُمۡ وَرِیشࣰاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱۚ ذَ ٰلِكَ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق