الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾. يخاطب المؤمنين؛ يقول: إن تدعوا المشركين إلى الهدى، وهو قول ابن عباس والكلبي [["تنوير المقباس" 2/ 147، وهو اختيار البغوي 3/ 315.]]، قال ابن عباس في هذه الآية: (يريد: إني خذلتهم، وأمليت لهم في الضلالة) [[لم أقف عليه.]]، فدل هذا الكلام على أن المراد بقوله: ﴿لَا يَتَّبِعُوكُمْ﴾. المشركون.
قال الكلبي: (وإن تدعوا المشركين إلى الإِسلام) [[ذكره السمرقندي 1/ 588، عن الكلبي قال: (يعني: الآلهة وإن يدع المشركون آلهتهم إلى أمر لا يتبعهم آلهتهم) اهـ.]].
وقال: قوم [[هذا قول الجمهور وحكاه النحاس في "إعرابه" 1/ 657، عن الأخفش، وانظر: "تفسير الطبري" 9/ 150، والثعلبي 6/ 31 أ، والزمخشري 2/ 137، وابن عطية 6/ 177 - 178، والرازي 15/ 91، والخازن 2/ 326، وابن كثير 2/ 307.]]: (وإن تدعوا الأصنام التي عبدوها لا يتبعونكم لأنها لا تعقل). وهو اختيار الفراء [["معاني الفراء" 1/ 401.]]، والآيات السابقة إخبار عن المشركين، وهذه الآية خطاب للمؤمنين، الدليل على ذلك أن المشركين لا يدعون أحدًا إلى الهدى [[قال أبو حيان في "البحر" 4/ 441، والسمين في "الدر" 5/ 537: (الظاهر أن الخطاب للكفار وضمير النصب للأصنام، والمعنى: وإن تدعو آلهتكم إلى طلب هدى ورشاد كما تطلبونه من الله لا يتابعونكم على مرادكم) قال السمين: (ويجوز أن يكون الضمير للرسول والمؤمنين، والمنصوب للكفار أي: وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإيمان) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿لَا يَتَّبِعُوكُمْ﴾. وقرأ نافع [[قرأ نافع: ﴿يَتَّبِعُوكُمْ﴾ بسكون التاء وتخفيفها وفتح الباء، من تبع، وقرأ الباقون بفتح التاء وتشديدها وكسر الباء من اتبع، انظر: "السبعة" ص 299، و"المبسوط" ص 187، و"التذكرة" 2/ 340، و"التيسير" ص 115، و"النشر" 2/ 274.]] بالتخفيف، وهما لغتان اتبعه اتباعًا وتبعه تبعًا، والمراد به: تركهم الانقياد للحق والإذعان للهدى، والوجه قراءة العامة؛ لأن (اتَّبَع) أكثر في الاستعمال، ألا ترى أنهم أجمعوا على افتعل في قوله: ﴿وَاْتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [[ما تقدم قول أبي علي في "الحجة" 4/ 113 - 114، والجمهور على أنهما بمعنى واحد، وقال بعض أهل اللغة: تبعه مخففًا إذا مضى خلفه ولم يدركه والمعنى: لا يلحقوكم، واتبعه مشددًا إذا مضى خلفه فأدركه، والمعنى لا يسيرون على أثركم ولا يركبون طريقتكم في دينكم، انظر: "معاني القراءات" 1/ 432، و"إعراب القراءات" 1/ 219، و"الحجة" لابن خالويه ص 169، ولابن زنجلة ص 305، == و"الكشف" 1/ 486، و"الدر المصون" 5/ 537، وفيه: (هما لغتان وهو أظهر) اهـ.]] [الأعراف: 176].
وقوله تعالي: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾. مثل قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]. وذكرنا ما فيه، وهناك عطف الفعل على الفعل، وهاهنا عطف الاسم على الفعل؛ لأن المعنى: أدعوتموهم أم صَمَتُّم، فهما جملتان الأولى مركبة من فعل وفاعل، والثانية من مبتدأ وخبر، ويعود معناها إلى معنى الأولى؛ لأن معناها: صمتم، وقال الفراء: (قوله [[وكذلك حكى سيبويه في "الكتاب" 3/ 64: (عن الخليل أن الآية بمنزلة أم صمتم) وهو قول ابن السراج في "الأصول" 2/ 161، وأبي علي في كتاب "الشعر" 1/ 281 - 2/ 544، وقال في "العسكريات" ص 97، و"البصريات" 1/ 711: (اعلم أن بعض الجمل قد تقوم مقام بعض فمن ذلك قوله عز وجل: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ فهذه التي من الابتداء والخبر موقعة موقع التي هي من الفعل والفاعل ألا ترى أنها معادلة كما هو كذلك فقد عادل بالابتداء والخبر الجملة التي هي من الفعل والفاعل والمعنى: أم صمتم) اهـ.]]: ﴿أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾. ولم يقل: أم صمتُّم. وأكثر كلام [[في "معاني الفراء" 1/ 401: (وعلى هذا أكثر كلام العرب أن يقولوا ..) اهـ.]] العرب أن يقولوا: سواء عليَّ أقمت أم قعدت، ويجوز سواء عليَّ أقمت أم أنت قاعد.
قال: وأنشدني الكسائي:
سواء عليك الفقر أم بتَّ ليلة ... بأهل القباب من نمير بن عامر [[لم أقف على قائله وهو في: "تفسير الطبري" 9/ 151، وابن عطية 6/ 178، و"البحر" 4/ 442، و"الدر المصون" 5/ 538، وعند الفراء والطبري وأبي حيان: سواء عليك النفر، يريد النفر من مني في أيام الحج وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، والشاهد: سواء عليك الفقر أم بت ليلة حيث عادلت أم بين المفرد في قوله: الفقر، وجملة قوله: بت ليلة، وقال أبو حيان: (عطف الجملة الفعلية على == اسم مقدر بالفعلية إذ الأصل سواء عليك أنفرت أم بت فأوقع النفر موقع أنفرت) اهـ. والقباب، بالكسر، جمع قبَّة -بالضم- بناء من بيوت العرب معروف، انظر: "اللسان" 6/ 3507 (قبب)، ونمير بن عامر بن صعصعة، انظر: "نهاية الأرب" ص 385.]] وأنشد بعضهم:
..... أو أنت بائت) [["معاني الفراء" 1/ 40، ومثله قال الطبري 9/ 151.]]
وقال غيره من أهل المعاني [[انظر: "إعراب النحاس" 1/ 657، و"غرائب الكرماني" 1/ 431، و"الكشاف" 2/ 138، و"التبيان" ص 398، و"الفريد" 2/ 395، و"الدر المصون" 5/ 538، وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 442: (الآية من عطف الجملة الاسمية على الفعلية، وكانت الجملة الثانية اسمية لمراعاة رؤوس الآي، ولأن الفعل يشعر بالحدوث واسم الفاعل يشعر بالثبوت والاستمرار، فكانوا إذا دهمهم أمر معضل فزعوا إلى أصنامهم، وإذا لم يحدث بقوا ساكتين فقيل: لا فرق بين أن تحدثوا لهم دعاء وبين أن تستمروا على صمتكم فتبقوا على ما أنتم عليه من عادة صمتكم وهي الحالة المستمرة) اهـ.]]: (إنما قال: ﴿أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ ولم يقل: أم صمتم لإفادة الماضي والحال، و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] ذلك أن المقابلة بـ (دعوتم) قد دلت على معنى الماضي، واللفظ قد دل على معنى الحال).
وقال صاحب النظم: (قوله ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ ظاهر هذا النظم أن الاستواء واقع بالداعين، وهو [[في (ب): (وهي)، وهو تحريف.]] في المعنى واقع بالمدعوين [[في (أ): (واقع بالمدعو).]]؛ لأن حال الداعي في الدعاء والصمات مختلفة، وإنما يتفق ويستوي على المدعوين لأنها أصنام لا تسمع ولا تجيب، فاستوى [[في (ب): (واستوى).]] عليها الدعاء والصمات، وإنما جاز ذلك وحسن لأنه إذا استوى عليها الدعاء والصمات كان مرجع هذا الاستواء إلى الداعين لأنهم إنما يدعون ليجابوا، وإذا لم يجابوا بشيء استوى عليهم الدعاء والصمات.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ تأويله: أم صمتم، وإنما جاز هذا النظم لأن رؤوس الآيات كانت على النون [[مجموع فواصل آيات الأعراف: (ن، م، د، ل) الدال في الآية الأولى، واللام في الآيتين 105، 134، والميم في الآيات 16، 73، 59، 109، 112، 116، 141، 153، 167، 200، والباقي بالنون.]]، وهذا النظم وإن كان قليلاً فقد تكلمت العرب بمثله.
قال الأعشى [["ديوانه" ص 149، و"الكتاب" 3/ 51، و"المحتسب" 1/ 195، و"الصاحبي" ص 470، و"الأمالي" ابن الشجري 2/ 219، و"الدر المصون" 4/ 82، و"المغنى" 2/ 693، والرواية عندهم:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل
وأوله في الديوان:
قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا
ويروى: قالوا الطرادُ. وهو من معلقته المشهورة، والشاهد: عطف الجملة الاسمية، أو أنتم تنزلون على جملة الشرط (إن تركبوا)، وقيل: هو عطف توهم كأنه قال. أتركبون فذلك عادتنا أو تنزلون في الحرب فنحن معروفون بذلك، انظر: "شرح القصائد" للنحاس 2/ 153، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي 2/ 565 - 568، و"الخزانة" 8/ 552.]]:
إن تركبوا فظهور [[لفظ: (فظهور)، (ونزلتم) لم أقف عليها إلا في هذه الرواية.]] الخيل عادتنا ... وإن نزلتم فإنا معشر نزل معناه: إن تركبوا ركبنا، وإن تنزلوا نزلنا، فأجاب الشرطين وهما فعلان بخبرين اسمين؛ لأن فيهما دليلًا على الفعل المضمر) [[لم أقف عليه.]].
{"ayah":"وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا یَتَّبِعُوكُمۡۚ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡ أَدَعَوۡتُمُوهُمۡ أَمۡ أَنتُمۡ صَـٰمِتُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











