الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾، قال الزجاج: (موضع ﴿إِذْ﴾ نصب، المعنى [[في (ب): (والمعنى).]] واذكر ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾) [["معاني الزجاج" 2/ 390، وانظر: "إعراب النحاس" 1/ 649، و"المشكل" 1/ 305، و"البيان" 1/ 379، و"التبيان" ص 395، و"الفريد" 2/ 383.]]، وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾، قوله: ﴿مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ بدل من قوله ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ﴾، والمعنى: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم.
قاله الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 390، وفيه: (والمعنى: وإذ أخذ ربك ذريتهم وذرياتهم جميعًا) اهـ. وقال السمين في "الدر" 5/ 511: (﴿مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ بدل من قوله ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ بإعادة الجار، والظاهر أنه بدل بعض من كل) اهـ. وهذا قول الأكثر، انظر: "المشكل" 1/ 306، و"البيان" 1/ 379، و"التبيان" ص 395، و"الفريد" 2/ 383.]]، وهو معنى قول الكناني [[الكناني: حجر الإمام عبد العزيز بن يحيى المكي، تقدمت ترجمته.]]؛ قال: (لم يذكر ظهر آدم، وإنما أخرجوا جميعًا من ظهره؛ لأن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء، لذلك [[في (ب): (كذلك)، وهو تحريف.]] قال: ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾، واستغنى عن ذكر ظهر آدم لما عُلم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره، فترك ذكر ظهر آدم وذكر ظهور [[لفظ: (وذكر ظهور) ساقط من (ب).]] بنيه) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 266 - 267، وهو عند الثعلبي 6/ 19 أ، والبغوي 3/ 299 بلا نسبة.]].
وقوله تعالي: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾. وقرئ [[قرأ ابن عامر وأبو عمرو ونافع: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ بألف على الجمع مع كسر التاء، وقرأ الباقون: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ بجر ألف على التوحيد مع فتح التاء، انظر: "السبعة" ص 298، و"المبسوط" ص 186، و"التذكرة" 2/ 428 "التيسير" ص 114، و"النشر" 2/ 273.]] ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ جمعًا، وقد ذكرنا معنى الذرية والكلام فيها عند قوله: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ [البقرة: 124].
وبينا أن الذرية تقع على الواحد والجمع، فمن أفردها هاهنا فلأنه قد استغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع، فصار كالبشرة فإنه يقع على الواحد كقوله: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: 31]، وعلى الجمع كقوله: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن: 6]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [إبراهيم: 10].
وكما لم يجمع (بشر) بتصحيح ولا تكسير كذلك لا تجمع الذرية، ومن جمع قال: إن الذرية إن كان واحداً فلا إشكال في جواز الجمع فيه، وإن كان جمعًا فجمعه أيضًا حسن لأنك قد رأيت المجموع المكسرة قد جُمعت نحو: الطرقات والجُزرات [[الجُزرات: بالضم جمع الجمع كطُرق وطرقات، وهي جمع جُزُر والجُزُر جمع جَزُور وهي الناقة المجزورة: أي المعدة للذبح، انظر: "اللسان" 1/ 614 (جزر)]] وصَوَاحبات يوسف [[صَوَاحبات يوسف: أي مثلهن في الإلحاح، جمعوا (صواحب) جمع السلامة، انظر: "اللسان" 4/ 2400 - 2401 (صحب)، وقد أخرج أحمد في "المسند" 4/ 412، وابن ماجة رقم (1232 - 1235) كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة النبي في مرضه، والنسائي 1/ 293 (906) كتاب الإمامة من طرق جيدة، == باب: الائتمام بالإمام، أن النبي ﷺ قال في مرضه: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، فقال: " إنكن صواحبات يوسف مروه فليصل بالناس" الحديث. وأصله في "الصحيح" أخرجه البخاري رقم (6641) كتاب الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الإمامة، ومسلم رقم (418 - 420)، وفيه: "إنكن صواحب يوسف" كتاب الصلاة، باب: استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر، قال ابن حجر في "الفتح" 2/ 153: (صواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن) اهـ.
وما تقدم قول أبي علي في "الحجة" 4/ 105 - 106، وقال الأزهري في "معاني القراءات" 1/ 429: (المعنى واحد في الذرية والذريات) اهـ، وانظر: "إعراب القراءات" 1/ 214، و"الحجة" لابن خالويه ص 167، ولابن زنجلة ص 301، و"الكشف" 1/ 483.]].
وأما تفسير الآية ففيه مذهبان: أحدهما -وهو مذهب المفسرين وأهل الأثر- ما روى مسلم [[مسلم بن يسار الجهني البصري تابعي روى عن نعيم بن ربيعة الأزدي، وقيل: روى عن عمر رضي الله عنه وروى عنه عبد الحميد بن عبد الرحمن العدوي، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن حجر في "التقريب" 531 (6654): (مقبول).
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 276، و"تاريخ العجلي" 2/ 278 (1723)، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 514، و"ميزان الاعتدال" 4/ 108، و"تهذيب التهذيب" 4/ 74.]] بن يسار الجهني: (أن عمر - رضي الله عنه - سُئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله ﷺ سئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية [فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون".
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله ﷺ: "إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار" [[أخرجه مالك في "الموطأ" 2/ 898، وأحمد 1/ 289، رقم 311 تحقيق أحمد شاكر، وأبو داود 5/ 79 رقم 4703، والترمذي كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأعراف رقم 3075، وابن أبي عاصم في السنة 1/ 87 رقم 196، والنسائي في "تفسيره" 1/ 504 رقم 210، والطبري 9/ 113، وابن أبي حاتم 5/ 1612، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 650، والآجري في "الشريعة" 2/ 743، وابن منده في "الرد على الجهمية" ص 143، 144، والحاكم في "المستدرك" 1/ 27 - 2/ 324 - و544، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 145، والبغوي في "تفسيره" 3/ 297، والواحدي في "الوسيط" 2/ 161 من طرق جيدة عن مسلم عن عمر، وهو مرسل، وقال الترمذي: (حديث حسن ومسلم لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم بين مسلم وعمر رجلاً مجهولًا) اهـ، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم) وقال البيهقي والذهبي في "التلخيص": (فيه إرسال). وقال الألباني في ظلال الجنة في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم 1/ 87: (إسناده ضعيف لانقطاعه) اهـ.
وقد أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 98، وأبو داود 5/ 80 رقم 4704، وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 88 رقم 201، والطبري في "تفسيره" 9/ 113 - 114، عن مسلم عن نعيم بن ربيعة الأزدي عن عمر، وقال الألباني في "ظلال الجنة": (إسناده ضعيف لجهالة نعيم) اهـ.
والحديث له شواهد مرفوعة عن النبي ﷺ مما يجعله صحيحًا لغيره، وذكر الأحاديث ودرجاتها الألباني في "الصحيحة" 4/ 158 - 163 وقال: (وجملة القول أن الحديث صحيح بل هو متواتر المعنى وجاء عن الإمام إسحاق بن راهويه أنه قال: أجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد واستنطقهم وأشهدهم) اهـ. == وقال النحاس في "معانيه" 3/ 101: (أحسن ما قيل في الآية ما تواترت به الأخبار عن النبي ﷺ أن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق) اهـ.]].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته [[في (ب): (من ذريتي) ثم صحح إلى ذريته في أعلى السطر.]] إلى يوم القيامة" [[أخرجه الترمذي كتاب التفسير، باب: وفي تفسير سورة الأعراف رقم (3076)، وابن أبي حاتم 5/ 1614، وابن منده في "الرد على الجهمية" ص 144، والحاكم 2/ 325، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ) اهـ، وقال ابن منده: (هذا حديث صحيح) اهـ، وقال الحاكم: (حديث صحيح على شرط مسلم) اهـ. ووافقه الذهبي في "التلخيص"، وانظر: "الدر المنثور" 3/ 603.]]. وذكر حديثًا طويلًا.
وقال ابن عباس في رواية عطاء في: قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ (يريد: نفض [[في النسخ: (نقص) وعلى (أ) تصحيح لم أستطع قراءته ولعلها (نفض).]] آدم فأراه ذريته مما خلق إلى يوم القيامة) [[أخرجه الطبري 9/ 111 بسند جيد.]].
وقال ابن عباس أيضاً: (إن الله خلق آدم ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا، ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة) [[أخرجه الطبري في 9/ 116، وابن أبي حاتم 14/ 16 بسند جيد، وقد أخرج الطبري 9/ 111 - 118، وابن أبي حاتم 5/ 1614 من طرق كثيرة جيدة نحوه.]] وقال أبو العالية: (جمعهم يومئذٍ، ثم صورهم، ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد والميثاق، ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾. فقال الله تعالى: فإني أرسل إليكم رسلًا يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: نشهد أنك إلهنا وربنا ، ولا رب ولا إله غيرك) [[أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" 5/ 135، والطبري 9/ 111، وابن أبي حاتم 5/ 1615، وابن منده في "الرد على الجهمية" ص 143، 144، والحاكم 2/ 323 - 324 عن أبي العالية عن أبي بن كعب -رضي الله عنه-، وقال الحاكم: (حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) اهـ ووافقه الذهبي. وقال أحمد شاكر في "حاشية الطبري" (إسناده صحيح) اهـ.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 25 وقال: (رواه عبد الله بن أحمد عن شيخه محمد بن يعقوب الربالي وهو مستور وبقية رجاله رجال الصحيح) اهـ.
وانظر: "الدر المنثور" 3/ 650.]].
وقال ابن جريج: (ضرب الله ظهر آدم فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية، فقال: هؤلاء أهل الجنة، وخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النار أمثال الخردل في سورة الذر) [[أخرجه الطبري 9/ 114 بسند لا بأس به، عن ابن جريج عن الزبير بن موسى المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 259، وذكره القرطبي 7/ 316، عن ابن جريج.]].
وقال القرظي: (أقر له بالإيمان والمعرفة الأرواحُ قبل أن يخلق أجسادها) [[أخرجه الطبري 9/ 117 بسند ضعيف، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 259.]].
وقال مقاتل: (إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، ثم قال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، فقال للبيض: هؤلاء في الجنة برحمتي، وهم أصحاب اليمين، وقال للسود: هؤلاء في النار ولا أبالي، وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة، ثم أعادها جميعًا في صلب آدم، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء. قال الله تعالى فيمن نقض العهد الأول: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾ [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] [الأعراف: 102] [["تفسير مقاتل" 2/ 72 - 74.]].
وهذا أيضاً قول عكرمة [[ذكره الرازي 15/ 47، عن عكرمة والكلبي وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والضحاك.]] والكلبي وسعيد بن جبير و [سعيد [[لفظ: (سعيد بن المسيب) ساقط من (أ)، وذكره عنه ابن القيم في كتاب "الروح" ص 215.]] بن المسيب] والضحاك [[أخرجه الطبري 9/ 114، 117 من طرق جيدة عن سعيد بن جبير، وعطاء والنضر ابن عربي الباهلي والضحاك والسدي والكلبي، وانظر: "الرد على الجهمية" لابن منده ص 144.]] وأبي صالح [[ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" ص 214، عن السدي، عن أبي صالح، عن ناس من الصحابة.]]، هذا كلام أهل التفسير في هذه الآية.
فأما أصحاب المعاني فقال أبو إسحاق: (جائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال [[في (ب): (جعل الأمثال)، وهو تحريف.]] الذَّر فهمًا يعقل به، كما قال: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل: 18]. وكما قال: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾ [الأنبياء: 79]) [["معاني الزجاج" 2/ 390، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 101.]].
وقال أبو بكر بن الأنباري: (مذهب أصحاب الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية هو: أن الله عز وجل أخرج ذريات آدم من صلبه وأصلاب أولاده، وهم في صور الذر، وأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعوه، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولًا عرفوا بها ما عرض عليهم، كما جعل للجبل عقلاً حتى خوطب [[ذكره الخازن 2/ 309، عن ابن الأنباري وفيه: (كما جعل للجبال عقولًا حتى خوطبوا بقوله تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: 10] اهـ. وأخرج الحاكم في "المستدرك" 2/ 620 عن علي رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي ﷺ بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله) قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وانظر: "صحيح مسلم" رقم (2277) من حديث جابر بن عبد الله، كتاب الفضائل، باب: فضل نسب النبي ﷺ، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة.]]، وكما فعل ذلك بالبعير [[أخرج أحمد في "المسند" 6/ 76، عن عائشة: (أن رسول الله ﷺ كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له ..) الحديث، وانظر: "البداية والنهاية" 6/ 123 - 151.]] لما سجد، وبالنخلة [[أخرج البخاري رقم (2095) في "البيوع" -باب النجار- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه - قال: (قعد النبي ﷺ يوم الجمعة على منبر صنع له، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، وبكت على ما كانت تسمع من الذكر حتى كادت أن تنشق فنزل النبي حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت) وأخرج ابن ماجه رقم (4028) كتاب الفتن، باب: الصبر على البلاء، بسند جيد عن أنس رضي الله عنه قال: (جاء جبريل إلى النبي ﷺ وهو جالس حزين فقال، ما لك؟ فقال: "فعل بي هؤلاء ما فعلوا" قال: أتحب أن أريك آية؟ قال: "نعم" قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه ، قال: قل لها فلترجع، فقال لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها ..) وأخرج الحاكم == في "المستدرك" 2/ 620 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: بم اعرف أنك رسول الله؟ فقال: "أرأيت إن دعوت عذق هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ " قال: نعم، فدعا العذق فنزل وجعل ينقز على الأرض حتى أتى النبي ﷺ ثم قال له: "ارجع" فرجع حتى عاد مكانه) قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وانظر: "الصحيح المسند من دلائل النبوة" للوادعي ص 73 - 197.]] حين سمعت، وانقادت حين دعيت) [[ذكره الخازن 2/ 309، وابن القيم في كتاب "الروح" ص 220، وذكره الألباني في "الصحيحة" 4/ 161 وقال: (في كلامه إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث، وهو قوله: إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده) اهـ. وانظر: "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة ص 145 - 147.]].
وقال صاحب النظم: (ليس بين قول النبي ﷺ:"إن الله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته" و [بين] [[لفظ: (بين) ساقط من (أ).]] الآية اختلاف بحمد الله؛ لأنه عز وجل إذا أخذهم من ظهر آدم فقد أخذهم من ظهور ذريته؛ لأن ذرية آدم ذرية لذريته بعضهم من بعض.
قال: وحصل الفائدة بهذا الفصل، أنه قد أثبت الحجة على كل منفوس ممن بلغ، وممن لم يبلغ بالميثاق الذي أخذه عليهم، وزاد على من بلغ منهم الحجة بالآيات والدلائل التي نصبها في نفسه وفي العالم، وبالرسل المنفذة إليهم، مبشرين ومنذرين، وبالمواعظ والمثلات المنقولة إليهم أخبارها) [[ذكره الخازن 2/ 310، وابن القيم في كتاب "الروح" ص 216.]].
وقال جماعة من المفسرين: (إن أهل السعادة من الذرية أقروا طوعًا، وإن أهل الشقاوة أقروا تقية وكرهًا، وذلك معنى قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [[انظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 579 - 582، و"الرد على الجهمية" لابن منده ص 143، والبغوي 3/ 298.]] [آل عمران: 83]. وقال مقاتل: من مات صغيرًا دخل الجنة بمعرفته بالميثاق [[في (أ): (بمعرفته في الميثاق).]] الأول، ومن بلغ العقل لم يُغن عنه الميثاق الأول شيئًا حتى يؤمن، وكان الميثاق الأول حجة عليهم) [["تفسير مقاتل" 2/ 74.]] ، وهذا الذي ذكره مذهب من يقول: إن أطفال المشركين يدخلون [[قال القرطبي في "تفسيره" 7/ 317: (هذه المسألة اختلف فيها لاختلاف الآثار، والصحيح أن أطفال المشركين في الجنة) اهـ. وانظر: "التذكرة" ص 598.]] الجنة، فأما من لا يحكم لهم بالجنة، فإنه يقول: من كان من أهل الشقاوة من الذرية السوداء أقرّ بالمعرفة كرهًا فلم يغن ذلك عنه شيئًا. فأمَّا سوق ألفاظ الآية وما بعدها من هذه القصة على هذا التفسير فقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾. قال الزجاج [[هذا قول ابن الجوزي 3/ 284، ولم أقف عليه عن الزجاج، وانظر: "الزاهر" 2/ 50.]]: (المعنى قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ وهو إيجاب للإقرار عليهم بربوبيته).
وقوله: ﴿قَالُوا بَلَى﴾. قال ابن عباس: (هو جواب منهم له وإقرار له بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية) [[أخرج ابن منده في "الرد على الجهمية" ص 144 من طرق جيدة عن ابن عباس في الآية قال: (أخذ عليهم كلهم عهودهم على الإيمان والمعرفة له، والتصديق به وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿شَهِدْنَا﴾ قال الكلبي: (8) (لما أقروا، قال الله للملائكة: اشهدوا. فقال: ﴿شَهِدْنَا﴾) [["تنوير المقباس" 2/ 140، وذكره هود الهواري 2/ 58، والواحدي في "الوسيط" 2/ 268، والبغوي 3/ 300، وابن الجوزي 3/ 285.]]. و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] قال ابن عباس في رواية عطاء: (قالت [[في (أ): (قال).]] الملائكة: شهدنا على إقراركم) [[لم أقف عليه. وانظر: "الرد على الجهمية" لابن منده ص 143.]].
وقال السدي: (هذا خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم) [[أخرجه الطبري 9/ 118 بسند جيد، وذكره الثعلبي 6/ 49 ب، و"الواحدي" 2/ 268، والبغوي 3/ 300، وانظر: الطبري 9/ 118.]]. فعلى هذه الأقوال [[انظر: "تفسير الرازي" 15/ 52]] يحسن الوقف على قوله: ﴿بَلَى﴾؛ لأن كلام الذرية قد انقطع.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾. يجوز أن يتعلق ﴿أَن﴾ بقوله ﴿شَهِدْنَا﴾، أي شهدنا عليهم بالإقرار لئلا تقولوا، فأسقط (لا) [[لفظ: (لا) ساقط من (أ).]] كما قال: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: 15]. يريد: لئلا تميد.
وكما قال القطامي [[تقدمت ترجمته.]]:
رأينا ما يرى البصراء فيها ... فآلينا عليها أن تباعا [["ديوانه" ص 43، و"تفسير الطبري" 9/ 118، و"الدر المصون" 5/ 513، وهو يصف ناقته يقول: لا تباع لما رأينا من حسنها.]] أراد: أن لا تباعا، هذا مذهب الكوفيين [[انظر: "إعراب النحاس" 1/ 651، و"المشكل" 1/ 306، و"البيان" 1/ 379، و"التبيان" ص 395، و"الفريد" 2/ 384، و"الدر المصون" 5/ 513. قال السمين: (قوله: ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ مفعول لأجله، والعامل إما ﴿شَهِدْنَا﴾ أي: شهدنا كراهة أن تقول، هذا تأويل البصريين، وأما الكوفيين فقاعدتهم تقدير (لا) النافية أي: لئلا تقولوا) اهـ.]]، وعند البصريين المحذوف مضاف بتقدير: شهدنا كراهة أن تقولوا، ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: 176].
ويمكن أن تعلق ﴿أَن﴾ بـ (أشهدهم) وهذا أوضح في التأويل، والمعنى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ لئلا تقولوا، أو [[في (أ): (لئلا تقولوا وكراهية أن تقولوا).]] كراهية أن تقولوا ، ولا يصح الوقف على ﴿شَهِدْنَا﴾ لتعلق ﴿أَن﴾ بما قبله، هذا كله كلام أبي بكر [["الإيضاح" لابن الأنباري 2/ 669 - 670، وقال الداني في "المكتفى" ص 278 - 280: (قال جماعة: ﴿شَهِدْنَا﴾ وقف كافٍ وهو من قول بني آدم أي: شهدنا أنك ربنا وإلهنا وهو قول أُبي وابن عباس.
وقال ابن الأنباري: ليس بوقف لأن ﴿أَن﴾ متعلقة بما قبلها، وقال جماعة التمام على ﴿بَلَى﴾ و ﴿شَهِدْنَا﴾ من قول الملائكة وهو قول مجاهد والضحاك والسدي، وقيل هو من قول الله تعالى والملائكة وهو قول أبي مالك ويروي عن السدي أيضًا ومن قرأ: ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ بالتاء فالوقف على ﴿بَلَى﴾ لأن (أن) متعلقة بما قبل ﴿بَلَى﴾ من قوله ﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾) اهـ. ملخصًا.
وقال النحاس في القطع 1/ 265 - 266: (على القراءة بالتاء يجب أن يكون الوقف على ﴿بَلَى﴾ لأن ﴿شَهِدْنَا﴾ عند أهل التأويل ليس من كلام الذين قالوا ﴿بَلَى﴾ ومن قرأ بالياء فأكثر أهل التأويل يقول: التقدير: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أن يقولوا، أي: كراهة أن يقولوا أو لأن يقولوا. فالكلام على هذا متصل) اهـ. ملخصًا.]].
وقال بعضهم: قوله: ﴿شَهِدْنَا﴾ من كلام الذرية، والمعنى: شهدنا على أنفسنا بهذا الإقرار، وهو معنى قول [["تفسير مقاتل" 2/ 72، وفيه: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ بإقرارهم ﴿قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ إنك ربنا، قال الله للملائكة: اشهدوا عليهم بالإقرار، قالت الملائكة: قد شهدنا) اهـ.]] مقاتل، وعلى هذا لا يحسن الوقف على ﴿بَلَى﴾ ولا يتعلق ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ بشهدنا، وإنما يتعلق بقوله: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [[ذكره في الواحدي السمين في "الدر" 5/ 513، وقال: (كأنه رأى أن التركيب يصير ﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا﴾ سواء قرئ بالغيبة أو الخطاب والشاهدون هم القائلون في المعنى فكان ينبغي أن يكون التركيب شهدنا أن نقول نحن، وهذا غير لازم لأن المعنى: شهد بعضهم على بعض فبعض الذرية قال: شهدنا أن يقول البعض الآخر كذلك) اهـ.]]، وذكر صاحب النظم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] وجهًا آخر في قوله: ﴿شَهِدْنَا﴾ عن بعضهم، وهو: (أن يكون قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ إلى قوله: ﴿قَالُوا بَلَى﴾. تمام قصة الميثاق، ثم ابتدأ عز وجل خبرًا آخر يذكر ما يقوله المشركون يوم القيامة فقال: ﴿شَهِدْنَا﴾ بمعنى: نشهد، كما قال الحطيئة [[الحطيئة: جرول بن أوس بن مالك الغطفاني أبو مليكة. تقدمت ترجمته.]]:
شَهِدَ الخُطَيْئَةُ حِينَ يَلْقَى رَبَّه [["ديوانه" برواية وشرح ابن السكيت ص 110، و"سر صناعة الإعراب" 1/ 398، و"وضح البرهان" للغزنوي 2/ 351، و"اللسان" 2/ 866 (حسب)، و"الدر المصون" 5/ 514، وبلا نسبة في مجالس ثعلب ص 388، و"المدخل" للحدادي ص 234، وعجزه:
أن الوليد أحق بالعذر
والوليد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي يقال: إنه سكر فأمر بجلده فقال الحطيئة هذه الأبيات، والشاهد: شهد الحطيئة يريد: يشهد فوضع الماضي موضع المستقبل.]] أي: يشهد، فيكون تأويله نشهد [[في (ب): (يشهد) بالياء.]] ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: إنكم ستقولون ذلك، فتكون القصة الأولى خبرًا عن جميع المخلوقين بأخذ الميثاق عليهم، والقصة الثانية خبرًا عن المشركين خاصة) [[ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" ص 229، والسمين في "الدر" 5/ 513 - 514.]].
واختلف القراء في قوله: ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ [الأعراف:172]، ﴿أَوْ تَقُولُوا﴾ [الأعراف: 173]، فقرأ [[قرأ أبو عمرو: ﴿يَقُولوا يَوْمَ القِيامَة﴾ [الأعراف: 172]، ﴿أو يَقُولوا إنَّما أَشْرَكَ﴾ [الأعراف: 173] بالياء فيهما على الغيبة، وقرأهما الباقون بالتاء على الخطاب، انظر: "السبعة" ص 298، و"المبسوط" ص 186، و"التذكرة" 2/ 429، و"التسير" ص 114، و"النشر" 2/ 273.]] أبو عمرو بالياء [[في (أ): (فقرأ أبو عمر وجميعًا بالياء).]] جميعًا؛ لأن الذي تقدم من الكلام على الغيبة وهو قوله: ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ لئلا يقولوا، وقرأ الباقون بالتاء؛ لأنه قد جرى في الكلام خطاب، وهو قوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾، وكلا [[في: (أ): (فكلا).]] الوجهين حسن؛ لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى [[هذا قول أبي علي في "الحجة" 4/ 107، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 429 ، و"إعراب القراءات" 1/ 215، و"الحجة" لابن زنجلة ص 302، و"الكشف" 1/ 483.]].
قال المفسرون: (هذه [[في (أ): "وهذه".]] الآية تذكير بما أخذ على جميع المكلفين من الميثاق، واحتجاج عليهم؛ لئلا يقول الكفار ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا﴾ الميثاق ﴿غَافِلِينَ﴾ لم نحفظه ولم نذكره)، فإن قيل: كيف يحتج عليهم بميثاق لا يذكرونه؟ قيل: [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 118، وابن الجوزي 3/ 285.]] نسيانهم لذلك لا يسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله تعالى عن أخذ ذلك عليهم على لسان صاحب المعجزة، وإذا صح ذلك بقول الصادق قام في النفوس مقام الذكر، فالاحتجاج به قائم صحيح [[انظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 581، والبغوي 3/ 300، وابن الجوزي 3/ 285.]].
قال عوف [[لعله: عوف بن أبي جميلة العبدي أبو سهل الأعرابي البصري واسم أبيه رزينة، إمام ثقة من علماء البصرة ومن صغار التابعين رمى بالقدر والتشيع، توفي سنة 146 هـ أو 147 هـ، وله 86 سنة، انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 15، و"سير أعلام النبلاء" 6/ 383، و"ميزان الاعتدال" 3/ 305، و"تهذيب التهذيب" 3/ 336، و"تقريب التهذيب" ص 433 برقم (4219).]]: (وسيذكرون الميثاق يوم القيامة) [[لم أقف عليه.]].
قوله تعالى: ﴿أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾ الآية [الأعراف:173]، قال المفسرون: (هذا قطع لعذر الكفار فلا يستطيع أحد من الذرية أن يقول يوم القيامة: ﴿إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾، أي: قبلنا، ونقضوا العهد. ﴿وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ صغارًا وكبارًا فاقتدينا [[في (ب): (فاقتديناهم)، وهو تحريف.]] بهم، ﴿أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾، أي: أفتعذبنا بما فعل المشركون المكذبون بالتوحيد، وإنما اقتدينا بهم وكنا في غفلة عن الميثاق، وعما نطالب به الآن من التوحيد، وآباؤنا أشركوا، وحملونا على مذهبهم في الشرك في صبانا، فجرينا على مذهبهم واقتدينا بهم، فلا ذنب لنا إذ كنا مقتدين بهم، والذنب في ذلك لهم، كما [[لفظ: (كما) ساقط من (ب).]] قالوا في موضع آخر: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ الآية [الزخرف: 22]. فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام ، ويكون الآباء على الإشراك بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق بالتوحيد على كل واحد من الذرية)، هذا هو الكلام على مذهب أهل الأثر [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 118، والبغوي 3/ 300، والرازي 3/ 171، والخارن 2/ 311.]].
فأما مذهب أهل النظر، فقال أبو إسحاق: (وقال بعضهم: إن الله عز وجل أخرج بني آدم بعضهم من ظهور بعض، ومعنى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ أن كل بالغ يعلم أن الله عز وجل واحد، لأن كل ما خلق الله دليل على توحيده، فمعنى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ دلهم بخلقه على توحيده) [["معاني الزجاج" 2/ 390.]].
وشرح أبو بكر هذا فقال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ﴾ ذريات [[كذا في النسخ، وهو تفسير وليس قراءة.]] ﴿بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ أي: أخرجهم وأنشأهم بعد أن كانوا نطفًا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتبهم في الوجود ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أنه ربهم بما أظهر من آياته وبراهينه التي تضطرهم إلى أن يعلموا أنه خالقهم فليس من أحد إلا وفيه من صنعة ربه ما ينبه على أنه بارئه ونافذ الحكم فيه، فلما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته، كما قال في غير هذا الموضع: ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: 17]، يريد: هم بمنزلة الشاهدين وإن لم يقولوا: نحن كفرة، وكما يقول الرجل: قد شهدت جوارحي بقولك، يريد: قد عرفته، فكأن جوارحي لو استشهدت وفي وسعها أن تنطق لشهدت، ومن هذا الباب أيضًا ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: 18] ، يريد: أعلم وبين، فأشبه إعلامه وتبيينه ذلك شهادة من يشهد عند الحكام وغيرهم) [[ذكره ابن الجوزي 3/ 286، وابن القيم في كتاب "الروح" ص 221.]].
وزاد صاحب النظم لهذا المذهب بيانًا حكايته عن بعضهم، فقال: (إن الله عز وجل لما خلق الخلق ونفذ علمه فيهم بما هو كائن، صار ما لم يكن بعد مما هو كائن كالكائن عنده، إذ علمُه بكونه مانعٌ من غير كونه، فسايغ في مجاز العربية أن يضع ما هو منتظر مما لم يقع بعد موضعَ الواقع لسبق علمه بوقوعه، وكما قال عز وجل: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [الأعراف: 50] وأمثاله، فيكون تأويل قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾: وإذ يأخذ ربك، وكذلك قوله: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: ويشهدهم بما يركبه فيهم من العقل الذي يكون به الفهم ويجب به الثواب والعقاب، فكل من ولد وبلغ الحنث وعقل الضر والنفع وفهم الوعد والوعيد والثواب والعقاب صار كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركب فيه من العقل، وأراه من الآيات والدلائل [[في النسخ: (والدليل)، وهو تحريف.]] على حدوثه وضعفه وأنه لا يجوز أن يكون قد خلق نفسه، وإذا لم يجز ذلك فلا بد من خالق هو غيره ليس كمثله، وكل [[في (ب): (ليس كمثله وهو من بلغ)، وهو تحريف.]] من بلغ وعقل فقد أخذ عليه العهد والميثاق إذ جعل فيه السبب الذي به يؤخذ الميثاق وهو العقل، واحتج أصحاب هذا القول بقوله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأحزاب: 72]، قالوا: فالأمانة هاهنا عهد وميثاق، وامتناع السموات والأرض من حملها خلوهما من العقل الذي يكون به الفهم، وحمل الإنسان إياها [[لفظ: (إياها) ساقط من (أ).]] لمكان [[في (ب): (مكان)، وهو تحريف.]] العقل فيه).
قال صاحب النظم: (ونحن إلى ما روي [[انظر: بعض الأحاديث في مرويات الإِمام أحمد في "التفسير" 2/ 209 - 215.]] عن رسول الله ﷺ وما ذهب إليه أهل العلم والسنة من السلف الصالح، أَمْيَلُ وله أَقْبَلُ وبه آنَسُ [[هذا هو الظاهر فالراجح أن الله سبحانه وتعالى مسح ظهر آدم واستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد بلسان المقال لثبوته مرفوعًا إلى النبي ﷺ وموقوفاً على غيره من الصحابة رضي الله عنهم والأحاديث فيه صحيحة بل متواترة المعنى، وقد ذكرها الطبري 9/ 111 - 118، وابن كثير 2/ 293، والسيوطي في "الدر" 3/ 258 - 265، والشوكاني 2/ 383 - 385، والألباني في "الصحيحة" 1/ 68 - 71، رقم 47 - 50، وص 97 رقم 172، و4/ 158 رقم 1623، قال الشوكاني 2/ 383: (هذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعًا إلى النبي ﷺ وموقوفاً على غيره من الصحابة ولا ملجئ للمصير إلى المجاز وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل) اهـ.
وقال الألباني في الصحيحة 4/ 162: (جملة القول أن فيه أحاديث صحيحة بل متواترة المعنى وأنه لا تعارض بينها وبين آية أخذ الميثاق فالواجب ضمها إليها وأخذ الحقيقة من مجموعها وبذلك تنجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين: الأولى: رد الأحاديث بزعم معارضتها للآية والأخرى: تأويلها تأويلًا يبطل معناها أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة) اهـ. بتصرف وهو اختيار جمهور المفسرين ومنهم: النحاس في "معانيه" 3/ 101، والسمرقندي 1/ 579 - 582، وابن الجوزي 3/ 283 - 286، والرازي 15/ 46 - 52، والخازن 2/ 307 - 311 ، والألوسي 9/ 99 - 109، الشنقيطي 2/ 334 - 338.]] والله عز وجل ولي التوفيق لما هو أولى وأهدى بمنّه) [[ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" ص 228.]].
{"ayah":"وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق