الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾، يقال: مسَّكت [[مسك أصل يدل على حبس الشيء، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه، واستمسكت بالشيء إذا تحريف الإمساك. ويقال: أمسكت عنه كذا أي: منعته، انظر: "العين" 5/ 318، و"الجمهرة" 2/ 855، و"تهذيب اللغة" 4/ 3396، و"الصحاح" 4/ 1608، و"المجمل" 3/ 830، و"مقاييس اللغة" 5/ 320، و"المفردات" ص 768، و"اللسان" 7/ 4203 (مسك).]] بالشيء، وتمسكت به، واستمسكت به، وامتسكت به [[لفظ: (به) ساقط من (أ).]]، وروى أبو بكر عن عاصم [[قرأ: أبو بكر عن عاصم ﴿يُمَسِّكُونَ﴾ بسكون الميم وتخفيف السين، وقرأ الباقون بفتح الميم وتشديد السين، انظر: "السبعة" ص 297، و"المبسوط" ص 186، و"التذكرة" 2/ 428، و"التيسير" ص 114، و"النشر" 2/ 273.]] ﴿يُمْسِكُونَ﴾ مخففه، وحجته قوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 229]، وقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [[لفظ: (﴿زَوْجَك﴾) ساقط من (أ).]] [الأحزاب: 37]، ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [[في (أ): (وكلوا)، وكذا في "الحجة" لأبي علي 4/ 1036، وفي (ب): (كلوا)، وهو تحريف.]] [المائدة: 4]، والتشديد أقوى ، لأن التشديد للكثرة، وهاهنا أريد به الكثرة لأنه قال في موضع آخر: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ [آل عمران: 119]. والإيمان بكل الكتاب يوجب التمسك الذي هو للكثرة [[في (ب): (الذي هو الكثرة).]]، ولأنه يقال: أمسكته، وقيل ما يقال: أمسكت به [[ما تقدم هو قول أبي علي في "الحجة" 4/ 103 - 104، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 429، و"إعراب القراءات" 1/ 214، و"الحجة" لابن خالويه ص 166، ولابن زنجلة ص 301، و"الكشف" 1/ 482.]]. قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: أمة محمد ﷺ) [[ذكره الثعلبي 6/ 17 ب، والبغوي 3/ 297، عن عطاء فقط.]]. وقال عامة المفسرين [[انظر: "تفسير مجاهد" 1/ 249، وأخرجه الطبري 9/ 108، وابن أبي حاتم 5/ 1609، من طرق جيدة عن مجاهد وابن زيد وهو اختيار السمرقندي 1/ 279، وابن الجوزي 3/ 282، والقرطبي 7/ 21، والخازن 2/ 306.]]: (نزلت في مؤمني أهل الكتاب). فعلى قول عطاء المراد بالكتاب: القرآن، وعلى قول المفسرين المراد به: التوراة، وأما معنى التمسك بالكتاب؛ فقال الفراء [["معاني الفراء" 1/ 399.]]: (معناه [[في (ب): (معناه يحكمون يأخذون بما فيه).]]: يأخذون بما فيه). وقال الزجاج: (أي: يؤمنون به ويحكمون بما فيه [["معاني الزجاج" 2/ 389، ومثله قال الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3397 (مسك).]]. وقال غيره: (التمسك بالكتاب ارتباط به على ما بيّن فيه، كالقابض على الشيء الذي يرجو النجاة من قبله والفوز من جهته) [[قال الطبري 9/ 108 في معنى الآية: (الذي يعملون بما في كتاب الله)، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 100، و"تفسير السمرقندي" 1/ 279.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾. إنما ذكرت ﴿الصَّلَاةَ﴾ مع دخولها في التمسك بالكتاب للبيان عن جلالة موقعها، وعظم منزلتها في طاعة الله، وأنها من أوكد الأمور التي يجب المحافظة عليها [[انظر: "تفسير الرازي" 15/ 45، والخازن 2/ 306، و"البحر" 4/ 417.]]، واختلف النحويون [[انظر: "الكشاف" 2/ 128، وابن عطية 6/ 129، والرازي 15/ 45.]] في إعراب الآية، فقال قوم: هذه الآية معطوفة على ما قبلها، والتقدير: ﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾، وقال الأكثرون منهم: ﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ، ثم اختلفوا في خبره، فقال قوم [[انظر: "غرائب التفسير" 1/ 426، و"البيان" 1/ 379، و"التبيان" ص 395، و"الفريد" 2/ 382، و"الدر المصون" 5/ 507.]]: خبره محذوف تقديره: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ نعطيهم أجرهم، ودل على هذا المحذوف قوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾؛ [لأن فيه معنى التعليل فكان في ذكر العلة ما يغني عن المعلول. وقال الزجاج: (الذي أختار أن يكون التقدير: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] منهم) [["معاني الزجاج" 2/ 388، وهو قول النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 648 - 649، ومكي في "المشكل" 1/ 305.]]، فعلى هذا الخبر قوله: ﴿إِنَّا﴾، والعائد إلى المبتدأ محذوف وهو (منهم). قال ابن الأنباري: (وخص ﴿الْمُصْلِحِينَ﴾ بأن وعدهم حفظ الأجر إذ كان منهم من لم يُصلح فتكاملت آثامه بتضييعه وصايا ربه وإقدامه على تكذيب النبيين ودفع ما يقف على نعته من أمر محمد ﷺ). قال أبو بكر: (وقال بعض النحويين الراجع إلى المبتدأ قوله: ﴿الْمُصْلِحِينَ﴾، وتلخيص المعنى: إنا لا نضيع أجرهم فأظهرت كنايتهم بالمصلحين كما يُقال: عليُّ لقيتُ الكسائي. وأبو سعيد رويت عن الخدري [[تقدمت ترجمته.]]، يراد [[في (ب): (يقال لقيته)، وهو تحريف.]]: لقيته ورويتُ عنه، وأنشد: فيا ربَّ ليلى أنت في كلِّ موطنٍ ... وأنت الذي في رحمة الله أطمع [[الشاهد بلا نسبة في "زاد المسير" 3/ 283، و"مغني اللبيب" 1/ 210 - 2/ 504 - و546، وقال السيوطي في "شرح شواهد المغني" 2/ 559: (قيل: إنه لمجنون بني عامر) اهـ. وهو ليس في "ديوانه".]] أراد في رحمته [[في (ب): (في رحمته أطمع فأظهر).]] فأظهر الهاء) [[ذكره ابن الجوزي 3/ 282 - 283.]]، وهذان الوجهان ذكرهما أبو بكر؛ معنى قول الزجاج [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 388 - 389.]] في هذه الآية، والأول منهما [[في (ب): (منها).]] اختياره [[قال أبو حيان في "البحر" 4/ 418: (والظاهر أن قوله: ﴿وَالَّذِينَ﴾ استئناف مرفوع بالابتداء وخبره الجملة بعده، ولا ضرورة إلى ادعاء الحذف) اهـ.]]. ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: 171].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب